مؤيديون الرئيس دونالد ترامب داخل الكونغرس بعد اقتحامه (أرشيف)
مؤيديون الرئيس دونالد ترامب داخل الكونغرس بعد اقتحامه (أرشيف)
الثلاثاء 19 يناير 2021 / 11:33

مأزق بايدن وإرث ترامب الثقيل

علي بن سالم الكعبي - الاتحاد

يبدو أن أمريكا لن تتخلص سريعاً من إرث الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي لا يصدق، ولا يريد أن يصدق، أنه بات، فعلياً خارج البيت الأبيض، مستنداً في ذلك على قاعدته الجماهيرية بعد أن كسب أكثر من 70 مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، وكان سبباً أساسياً في إشعال فتيل أزمة داخلية بين أنصاره وبين الديموقراطيين، وهو ما أثار قلق وتوتر أعضاء حزبه الجمهوري، وبدرجة أكبر من القلق الذي يشكله للحزب الديمقراطي، وأيضاً للمؤسسات السياسية والاقتصادية الفيدرالية والشركات الكبرى والجامعات العريقة مثل هارفارد، ومراكز الأبحاث التي قدمت عدداً كبيراً من الشخصيات للحياة السياسية الأمريكية، وكان لها دور بارز في صنع القرار عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

من هذا المنطلق فإن شعار "أمريكا الموحّدة" الذي رفعه الرئيس الأمريكي الـ46 لحفل تنصيبه يوم بعد غدٍ لن يكون كافياً لإخراج أمريكا من المأزق الذي تعيشه داخلياً، حيث تقع على جو بايدن مسؤولية كبرى على مدار السنوات الأربع المقبلة، ليس فقط للم الشمل، وهي التي تعاني من توتر عرقي شديد وانقسام حاد في الرأي، إنما لتضميد جراح البلاد كذلك من الأزمات الاقتصادية والصحية الحادة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية انتشار فيروس كورونا العام الماضي، وفي ظل أحداث الفوضى غير المسبوقة التي بدأت مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، وما تلاها من عمليات فرز أصوات، ولجوء ترامب إلى المحاكم بدعوى عدم نزاهة الانتخابات، مروراً بإقرار المجمع الانتخابي فوز بايدن، لتبلغ ذروة المشهد العبثي يوم 6 يناير (كانون الثاني) الجاري أثناء المصادقة على نتيجة الانتخابات في مبنى الكونغرس، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول وراح ضحية أعمال العنف التي وقعت خمسة أميركيين بينهم رجل أمن.

أمريكا القطب الأقوى في العالم، وبعد ما حدث، اهتزت صورتها داخلياً وخارجياً، إلى درجة أن مراقبين اعتبروا أن الأحداث التي وقعت أخيراً في عهد الرئيس ترامب تركت شروخاً وتصدعات في المجتمع الأمريكي، وهي من دون شك تشكل خطراً يهدد نموذج الديمقراطية في أمريكا التي تصدرت المشهد العالمي وتسيدت قراره الدولي منذ عدة عقود، وبالتالي فإن ترميم صورتها يحتاج إلى الكثير من العمل على الصعيدين الداخلي والخارجي.

كل ما سبق دفع قيادات في الحزب الديمقراطي للمطالبة بعزل ترامب، رغم أن إجراءات عزله ستستغرق وقتاً طويلاً، ولن تظهر نتيجتها إلا بعد مغادرته موقعه، غير أن هذه الخطوة تكشف عن الهدف الحقيقي من ورائها، وهو حرمان ترامب من الترشح مجدداً في الانتخابات الرئاسية القادمة 2024.

مشكلة أمريكا الحقيقية اليوم لم تعد في ترامب وحده، بل في حجم الغضب الذي يعتري ملايين الأمريكيين في ظل وجود معسكرين، كل واحد منهما مستعد لاستخدام كل الوسائل لإزاحة الآخر، وكلا الطرفين استثمرا في الأحداث التي وقعت في أمريكا منذ مقتل جورج فلويد على يد عنصر في الشرطة.

وفي ظل الأنباء عن تخطيط جماعات موالية لترامب لتنظيم احتجاجات مسلحة أثناء حفل التنصيب، فإن الأمن الأمريكي قد يعتبر فيروس كورونا التي تسبب بمقتل ما يقارب 400 ألف شخص في أمريكا، "منحة إلهية"، حيث إن ذلك سيحد كثيراً من تدفق الراغبين في حضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب، الأمر الذي سيقلل من فرصة اندساس مخربين بينهم، وبالتالي يسهل على رجال الأمن الإمساك بزمام الأمور، الأحداث القادمة كثيرة في أمريكا، فإرث ترامب ثقيل، ومهمة بايدن ليست سهلة على الإطلاق.