أنصار الرئيس دونالد ترامب أمام الكابيتول في واشنطن (أرشيف)
أنصار الرئيس دونالد ترامب أمام الكابيتول في واشنطن (أرشيف)
الثلاثاء 19 يناير 2021 / 14:14

محلل أمريكي: الاقتصاد سيدفع ثمن الاضطرابات السياسية

رغم أن العنف السياسي في الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى تقليل الثقة في استقرار البلاد، وارتفاع تكلفة المخاطر على سندات الخزانة الأمريكية التي تحدث عنها المحلل الاقتصادي الأمريكي نواه سميث قبل نحو أسبوع، إلا أنه يرى الآن أن هذه ليست التداعيات الاقتصادية الوحيدة المحتملة للهجوم الذي شنه أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مبنى الكونغرس، وتهديدهم بالمزيد من المفوضى احتجاجاً على ما يقولون إنه تزوير لانتخابات الرئاسة الأمريكية التي خسرها ترامب.

وذكر سميث في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أن بحثاً لصندوق النقد الدولي قبل سنوات كشف  الارتباط الواضح والدائم بين الاضطراب السياسي والتباطؤ الاقتصادي.

ففي 2011، درس صندوق النقد أوضاع عينة كبيرة من البلدان بين 1960 و2004، حيث وجد ارتباطاً واضحاً بين المقاييس المختلفة للاضطراب السياسي وانخفاض النمو الاقتصادي بعده، كما وجدت ورقة بحثية سابقة أعدها الخبير الاقتصادي ألبرتو أليسينا نتائج مماثلة، ففي البلدان غير المستقرة يكون الاستثمار أقل ونمو الإنتاجية أبطأ بشكل كبير.

وهذا كلام منطقي، لأن الاضطراب يزيد الشكوك فإذا إذا كنت رجل أعمال ولا تعرف من سيكون مسؤولاً عن الدولة في غضون عام، فمن تجنب أي استثمارات كبيرة فيها خوفاً من أن تستولي عليها الحكومة، أو إزالتها من الوجود أو تدميرها في موجة عنف.

ويضيف نواه سميث وهو أستاذ مساعد المالية في جامعة ستوني بروك الأمريكية، أن الخوف من الفوضى يمكن أن يقلص بسهولة المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة، فإذا نظرت إلى المستقبل بعد 5 سنوات مثلاً ورأيت احتمال استمرار الاضطرابات، حتى لو لم تصل إلى درجة الحرب الأهلية، فقد تعيد التفكير في قرار إقامة مشروع اقتصادي في أمريكا.

وهذا الكلام ينطبق بشكل خاص على المستثمرين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، والذين تزيد مشاريع روعاتهم عن مشاريع الشركات الأمريكية، والذين غالباً ما يكون لديهم خيار العودة إلى بلدانهم الأصلية، ومعنى تراجع المشاريع الناشئة وريادة الأعمال في أمريكا، تراجع الابتكار وتباطؤ التقدم التكنولوجي وانخفاض القدرة التنافسية مقارنة مع الصين.

وفي الوقت نفسه سيضر ذلك أيضاً بالشركات الأمريكية بحرمانها من العمالة الماهرة القادمة من الخارج، فمن يريد الانتقال إلى دولة يمكن استهداف الأجانب والاعتداء عليهم فيها؟

وفي الواقع شهدت حقبة دونالد ترامب بالفعل انخفاضاً كبيراً في الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة، رغم أن أغلبهم يملكون مهارات متنوعة ومطلوبة.

ويشعر المستثمرون الأجانب أيضاً بتدهور مناخ الأعمال في الولايات المتحدة، وهو أمر شديد الخطورة، فمنذ السبعينيات، تزايد الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الأمريكي، ويشمل ذلك مشاريع مثل مصانع سيارات تويوتا اليابانية في كنتاكي، ومصانع مكونات طائرات إيرباص الأوروبية في ألاباما، ومصانع سيارات فولكس فاغن الألمانية في تينيسي.

وهذه الشركات الأجنبية توظف الكثير من العمال الأمريكيين، بما يصل إلى حوالي 5.8% من إجمالي القوة العاملة الأمريكية، وإذا رأت هذه الشركات أن الولايات المتحدة مكان غير مستقر، فقد تقرر إقامة مصانعها الجديدة في دول أخرى، أو حتى تفكر في الخروج من الولايات المتحدة تماماً.

كما أن النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها دولة غير مستقرة يمكن أن يسبب المعاناة للشركات الأمريكية في الخارج، فالشركات التي تشتري الصادرات الأمريكية مثل معدات تصنيع أشباه الموصلات أو معدات البناء، أو رقائق الكمبيوتر، قد ترفض إقامة علاقات طويلة الأجل مع الموردين الأمريكيين، فهذه الشركات المستوردة لا تريد خطر حرمانها من احتياجاتها المهمة من الولايات المتحدة، لآن أعمال العنف أو التقلبات السياسية الحادة تضر بالأنشطة الاقتصادية في الولايات المتحدة.

وبالطبع فإن تراجع الصادرات الأمريكية يعني، مرة أخرى وظائف أقل وأجور أقل للأمريكيين، وهذا لا يأخذ بعين الاعتبار العواقب السياسية والمؤسسية للاضطراب، وأظهر تدخل الرئيس ترامب في عمل مركز السيطرة على الأمراض أثناء جائحة كورونا، كيف يمكن للقادة الذين يراهنون على الصراعات الأهلية، وعدم الاضطراب، أن يدمروا المؤسسات الحيوية لتحقيق مكاسب سياسية.

ويمكن القول إن استيلاء الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز على شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة وانهيار هذه الشركة بعد ذلك، هو المثال الأكثر دراماتيكية على ذلك.

وتعتبر المؤسسات الحكومية مكملاً حاسماً للقطاع الخاص، فهذه المؤسسات تحدد المناخ التنظيمي وتوفر خدمات حيوية معينة وتحافظ على البنية التحتية، وبالتالي فإن تعيين الأصدقاء والحلفاء في هذه المؤسسات، مع استبعاد المعارضين والمناوئين للسلطة منها، يقلل بشكل كبير من كفاءة عملها، ويزيد الشكوك فيها.

كما يمكن للفوضى السياسية أيضًا أن تمنع الحكومة من القيام بالاستثمارات اللازمة في البنية التحتية، فكلما شعرت الدولة أنها تخوض صراعاً أهلياً قلت احتمالات ضخ استثمارات جديدة في البنية التحتية.

وأخيراً يمكن أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة الذي اعتدنا على رؤيته في بلدان مضطربة مثل فنزويلا أو تايلاند أو تركيا، إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ نمو الإنتاجية وريادة الأعمال، وانخفاض الطلب على العمالة والكفاءة الحكومية، وأن يضر بالعمال وأصحاب الأعمال الأمريكيين على حد سواء، حتى لو تمكن النظام المالي الأمريكي من الحفاظ على استقراره.

ويختتم سميث تحليله بأن لكل شخص في الولايات المتحدة مصلحة في قمع موجة العنف التي يغذيها ترامب، لإنهاء الشك السياسي والصراع بسرعة.