حراك في الشارع الأمريكي عقب مقتل جوروج فلويد (أرشيف)
حراك في الشارع الأمريكي عقب مقتل جوروج فلويد (أرشيف)
الأربعاء 20 يناير 2021 / 11:06

الأمن والقوة الناعمة

عبدالله السيد الهاشمي - الاتحاد

كان أسبوعاً حافلاً تحولت فيه القوة الناعمة إلى قوة خشنة، شديدة القسوة، أو بتعبير أدق، فإن ضخامة الحدث، قد دفع بضغط شديد، أن تكشف القوة الناعمة عن وجهها الآخر، أو جانبها الآخر الذي كان لابد أن يظل مخفياً، إنها قوة التقنية التي تسيطر على وسائل الإعلام الحديث، في أميركا وفي العالم أجمع.

بالطبع إنه حدث جلل، يستحق التوقف والتمعن، فالرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، لم يسلّم بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، لصالح الرئيس المنتخب جو بايدن، واتهم مؤخراً بالتحريض على مهاجمة الكونجرس، ولن يحضر حفل التنصيب، اليوم الأربعاء، 20 يناير 2021، كما يمكن أن تستمر عملية عزله، حسب طلب مجلس النواب الأميركي، واعتقد أنها ستنتهي برفض مجلس الشيوخ، لكنها ستترك أثراً بالغاً في مدى تأثير وتحول القوة الناعمة، التي نشطت خلال الثلاثين عاماً الماضية، منذ ظهور وتطور الإنترنت والتقنيات المصاحبة لها.

في كتابه «القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية» وفي محاضراته العديدة، يكرس الكاتب الأميركي «جوزيف ناي» جل حديثه عن تحول القوة الناعمة إلى قوة ذكية، سواء من خلال المزج بين قدرات الدولة الناعمة والصلبة بهدف حماية بنيان الدولة الداخلي والمساهمة في تحقيق مصالح الدولة الخارجية، أو من خلال جعل القوة الناعمة كسلاح مؤثر يحقق أهدافاً معينة باستخدام الجاذبية والتواصل وكذلك وسائل الإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، ويرى «ناي» أن الثقافة تلعب دوراً أساسياً كمورد رئيسي للقوة الناعمة، وتصبح ثقافة بلد ما فاعلة كقوة ناعمة، حين يطبقها بإخلاص داخلياً وخارجياً، وتكون ممتلكة الحد الأدنى من الجاذبية
والقيمة السياسية، ويقول: إن «مصدر قوة أميركا ليس هو الجيش فقط وإنما مجموعة من الدواعم لهذه القوة، فعلى سبيل المثال
تجتذب الولايات المتحدة أكبر نسبة للمهاجرين، والطلبة الدارسون منهم سيحملون الكثير من القيم والمبادئ الأميركية، ويمكن أن
يكونوا سفراء للثقافة الأميركية ويحتلوا في دولهم مراكز القرار، كما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في الفوز بجوائز نوبل
في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، ومبيعاتها من المؤلفات الموسيقية تشكل الضعف مقارنة مع اليابان التي تحتل المرتبة الثانية.

وتعتبر أميركا أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، رغم أن بوليوود الهندية تنتج أفلاماً أكثر منها في كل عام».
خلال الأزمات الأمنية الكبرى، كالأزمة التي تفاقمت في الولايات المتحدة، بسبب مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد وكشفت الاضطرابات حينها عن الخلل الاجتماعي الكبير في أميركا، أصاب القوة الناعمة هناك، وفي العالم أجمع، اضطراب مشابه، فالقوة الناعمة، يجب أن تتحرك في مساحة عادلة مع كل فئات المجتمع، لكنها وقعت في فخ أن قوات الأمن الأميركية نفسها، كانت مختلطة الألوان والأعراق، أما في «أزمة ترامب» فإن القوة الناعمة، التي تحولت إلى خشنة، ونقصد هنا مواقع التواصل الاجتماعي العملاقة، وكذلك عدد كبير من وسائل الإعلام الأميركية، بدأت بمهاجمة الأيديولوجية الفكرية التي يمثلها ترامب ومناصروه، سواء في القالب «الجمهوري» أو القالب الشعبي الذي يرفض الهيمنة «الديمقراطية» على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي سيتسبب في فوضى أمنية مجتمعية عارمة، لن تهدأ قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وستظل آثارها عميقة في صلب المجتمع الأميركي.

يرى كثيرون، أن ما حدث في أميركا خلال الأزمتين: (فلويد – ترامب)، وخلال جائحة كوفيد- 19 التي أنهكت الولايات المتحدة أكثر من الصين نفسها، فإن ذلك يعد بداية سقوط القوة العظمى الأميركية، بتصدع المجتمع الأميركي وانهياره، باعتبار أن القيم الأميركية القائمة على الحرية والعدالة، قد تم انتهاكها من قبل القوة الناعمة التي ناصرت طرفاً على طرف، وأنها ستكون القشة التي ستقسم ظهر أميركا إلى نصفين، ولكن، وحسب خبرتي في المجالات الإستراتيجية الأمنية، أعتقد أن ذلك لن يحدث، كما يشاع، بل سيتم تصحيح ذلك، في وقت قريب، سواء من خلال تشريعات تحد من قدرات وإمكانيات سيطرة واحتكار شركات التقنية العملاقة على أسواق التواصل الاجتماعي والتقني، أو من خلال ظهور قوة ذكية أخرى، قادرة على موازنة القوة الناعمة الخشنة، لتصحيح مسارها وعودة الأمن المجتمعي، بصورة أو بأخرى.

بعض القوة الناعمة، التي نعرف وجهها الخشن، ما زالت تعبث في الشرق الأوسط، ولديها هدف رئيسي معروف، هو خلخلة الأمن المجتمعي، خاصة بين السعودية والإمارات والمجتمع الخليجي بوجه عام، وهي تثير أحياناً مصطلح «المدعوم إماراتياً»، لمن لا يعرفون الحقيقة، ولا يبحثون عنها، ولكن يقظة الدبلوماسية الإماراتية، والقوة الناعمة الحقيقية، تقف لهم جميعاً بالمرصاد.