الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
الجمعة 22 يناير 2021 / 11:08

أردوغان يراضي "نمور الأناضول" الغارقة في الديون

24-زياد الأشقر

كتب الصحافي الأمريكي بوبي غوش في موقع "بلومبرغ" الأمريكي، أن الرئيس التركي رجب أردوغان عاد إلى تسلق صهوة جواده الاقتصادي المفضل، ليستأنف حملته ضد الفائدة، الأمر الذي يشكل نذير سوء بالنسبة إلى الاقتصاد التركي، الذي لطالما دفع ثمناً فادحاً نتيجة لفوبيا الرئيس.

انتظر رئيس اتحاد غرف التجارة والسلع حتى الأسبوع الماضي فقط، ليشتكي من أرتفاع أسعار الفائدة، معتبراً أنها "العقبة الأكبر أمام الإنتاج والاستثمار"

وأمام مجموعة من رجال الأعمال الجمعة، وجه أردوغان انتقاداً خفيفاً مقنعاً ضد الحاكم الجديد للمصرف المركزي ناجي إقبال، بسبب رفعه أسعار الفائدة في أواخر العام الماضي، وقال: "سواء أصغوا أم لم يصغوا، سأواصل نضالي..هناك أمر واحد أؤمن به، وهو أنه لا يمكننا تحقيق أي شيء بوجود أسعار فائدة مرتفعة".

وطالما تمسك أردوغان بهذه الفكرة منذ بدأ حياته السياسية. وهو يقول إن أسعار الفائدة العالية تزيد التضخم، علماً أن أبسط النظريات الاقتصادية تفيد بالعكس. وتعين على حكام المصرف المركزي المتعاقبين الانصياع لإرادته، مع افراز نتائج متوقعة: ارتفاع في أسعار السلع، وتدهور في قيمة الليرة وهروب المستثمرين.

رفع أسعار الفائدة
وكان حاكم المصرف المركزي الجديد استغل الفرصة في الخريف الماضي ليعود إلى التزام المبدأ المالي السليم، إذ أقدم على رفع أسعار الفائدة إلى أعلى هامش منذ عامين. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن عن زيادة جديدة. وقد تعزز سعر الليرة في الحالتين، مستعيدة 14 في المئة من قيمتها في الشهرين الماضيين. كما عاد المستثمرون إلى سوق الأسهم والسندات التركية.

ومع بقاء التضخم عالياً- ليصل إلى 14.6 في المئة في ديسمبر من 14 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني)، كان من المتوقع أن يحافظ إقبال على تشدد في القروض خلال العام الجديد. وساهم الصمت غير العادي لأردوغان حول هذا الموضوع، في إشاعة بعض التفاؤل، بأن يد الحاكم ستكون طليقة.

لكن عودة الرئيس التركي إلى معزوفته، ستضع إقبال في موقف شبيه بمواقف أسلافه. ويراهن المستثمرون على أنه سينفذ إرادة سيده، وتالياً ستتعثر الليرة، ويفارق الإزدهار الأسهم التركية.

الإسلام والربا
وأضاف غوش إن رد الفعل السلبي كان متوقعاً برمته، لذلك ليس واضحاً السبب الذي حمل أردوغان على حل عقدة لسانه. وإذا ما كان هدفه ممارسة الضغط على إقبال، فإنه ببساطة كان في امكانه استدعاءه. لكن ما قاله علناً، يؤشر بوضوح إلى أنه يرمي إلى توجيه رسالة سياسية.
والسؤال المطروح هو لمن رغب أردوغان في توجيه هذه الرسالة؟ إن التفسير الأكثر معقولية هو أن يكون منطلق الرئيس التركي ديني محض، لأن الإسلام يحرم الربا. وبصفته زعيماً لحزب إسلامي، فإن ذلك يملي عليه أن يتحدث أمام مؤيديه عن رفضه لأسعار الفائدة العالية. ووصف ذات مرة أسعار الفائدة بأنها "مصدر كل الشرور"، وتحدث عن "المثلث الشيطاني" لأسعار الفائدة والتضخم وأسعار الصرف.

"نمور الأناضول"

ومن المحتمل أن يكون أردوغان يتوجه بخطابه إلى شريحة معينة من قاعدته السياسية، تلك التي يطلق عليها "نمور الأناضول". وهؤلاء هم مجموعة من رجال الأعمال المحافظين دينياً من مدن في وسط تركيا وجنوبها اللذين يعتبران معقلين لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وكان أردوغان قد أطلق يد هذه المجموعة منذ تسلمه الحكم.

وهيمنت شركات هؤلاء بشكل شبه كامل تقريباً على أسواق اسطنبول، بفضل الدعم الحكومي الذي حظيوا به، فضلاً عن توافر تمويل دولي رخيص. وفي المقابل، كان في إمكان حزب العدالة والتنمية الاعتماد على دعمهم في كل المراحل.

لكن النمور لم "تزأر" في الآونة الأخيرة، لأنها غارقة في الديون، وجعل ضعف الليرة من الوفاء بالديون الخارجية، عملية صعبة. وناهيك عن تحدي نخبة اسطنبول، فإن الكثير منها (النمور) في حاجة ماسة إلى المال كي تصمد، بكل ببساطة.

مواقف أكثر مسؤولية
وانتظر رئيس اتحاد غرف التجارة والسلع حتى الأسبوع الماضي فقط، ليشتكي من ارتفاع أسعار الفائدة، معتبراً أنها "العقبة الأكبر أمام الإنتاج والاستثمار"، ودعا المصارف إلى اتخاذ موقف "أكثر مسؤولية". وهذه دائرة لا يستطيع أردوغان تجاهلها. فهي تضم 1.3 مليون عضو، الكثير منهم من النمور.

والسؤال هو التالي، هل ستخفف من مخاوفهم، ضغوط أردوغان لخفض أسعار الفائدة؟ وكرجال أعمال، يجب أن يدركوا أن أسعار الفائدة المنخفضة ستغذي التضخم وتضعف العملة- وهذا ما يشكل أنباء سيئة بالإضافة إلى وباء كورونا. وإذا ما ظلوا يهتفون لأجندة الرئيس الخيالية، فإنهم هم من سيواجهون العواقب.