أنقاض كنيسة القديسة مريم في الموصل التي دمرها داعش في 2014 (أرشيف)
أنقاض كنيسة القديسة مريم في الموصل التي دمرها داعش في 2014 (أرشيف)
الإثنين 1 مارس 2021 / 14:44

مسيحيو العراق يحاولون ادخار ما يكفي من المال...فقط من أجل الهجرة

غادر بعضهم خلال الاجتياح الأمريكي للعراق، وآخرون خلال الحروب الطائفية التي احتل فيها متطرفون قراهم، وغيرهم بسبب الأزمة المعيشية، موجة هجرة بعد أخرى، يتقلّص عدد المسيحيين في العراق، فيما يحلم الباقون منهم في البلاد، بالمغادرة.

وتعيش عائلات مسيحية عراقية كثيرة التقتها وكالة فرانس برس في كردستان العراق، أو في الأردن أو أستراليا أو غيرها من الدول، حنينا الى وطن ترفض في الوقت ذاته فكرة العودة إليه.

ويعلّق هؤلاء في الداخل والخارج آمالاً بأن يحمل لهم البابا فرنسيس الذي سيزور العراق في مطلع مارس (آذار)، كلمات معزية ومطمئنة، ولو أنهم لا يتعلقون بالأوهام، في ضوء الأزمات الأمنية والاقتصادية المتلاحقة والتوترات السياسية التي تعيشها البلاد.

غير واردة
يقول سعد هرمز، 52 عاماً الذي كان يعمل سابقاً سائق تاكسي في الموصل، ويعيش اليوم في الأردن: "آمل أن يطلب البابا خلال زيارته للعراق من الدول التي تستقبل لاجئين مسيحيين مساعدتنا، لأن العودة إلى العراق، غير واردة".

ورغم غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين في العراق بسبب تعذر إجراء تعداد سكاني منذ سنوات، يقول وليم وردة، رئيس منظمة حمورابي التي تتولى الدفاع عن الأقليات في العراق، إن هناك حاليا ما بين 300 و400 ألف مسيحي في العراق في مقابل مليون ونصف المليون قبل الغزو الأمريكي في 2003 الذي انتهى بالإطاحة بنظام صدام حسين.

ويأتي ذلك بعدما غادر ما يقرب عن نصف مليون منهم إلى الولايات المتحدة، وتوجه آخرون الى دول اسكندينافية، وأستراليا.

وفي 2007، قتل عم وعمة طبيبة الأسنان رنا سعيد برصاص عشوائي أطلقه جنود أمريكيون رداً على هجوم تعرضوا له في ليلة رأس السنة في مدينة الموصل، لكن هذه الطبيبة وزوجها الطبيب البيطري عمار الكاس، أصرا يومها على البقاء في مدينتهما.

لكن غياب المحاسبة والعدالة في القضية، دفعهما في 2008 إلى اتخاذ قرار الرحيل، فانتقلا الى كردستان.

وكانا يفران أيضا من التوتر الطائفي و"مسلسل اغتيالات نفذتها مجموعات مسلحة" استهدف عدد كبير منها مسيحيين، وفق ما ذكر الكاس لوكالة فرانس برس.

في 2013، سافر الزوجان اللذان ينتميان الى طائفة السريان الأرثوذكس إلى أستراليا حيث نشأت بناتهن الثلاث سارة، 10 أعوام، وليزا 6 أعوام، وروز 3 أعوام، في مدينة غولد كوست.

وأصر الوالدان على تعليم بناتهما اللغتين العربية والسريانية الى جانب الإنجليزية.

وفي الطرف الآخر من العالم، لم ينقطع الزوجان عن متابعة ما يدور في العراق خاصةً بعد اقتحام تنظيم داعش لبلدتهما الصغيرة في صيف 2014.

وتستذكر رنا تلك الأيام قائلة: "كنتُ حاملا بابنتي ليزا، وكان عمار لا يريدني أن أسمع الأخبار لأنها تسبب قلقاً يؤذي الطفل، وكان يبعد هاتفي والحاسوب عني".

وتضيف فيما اغرورقت عيناها بالدموع: "كوابيس مرعبة كانت تلاحقني بأن الدواعش يقتلون أهلي ويغتصبونهم".

ويقول عمار إنه صُدم بخبر تدمير كنيسة القديسة مريم في الموصل التي عمرها 1200 عام. ويقول بحسرة: "دُمِّرت بالكامل، هي الكنيسة التي تزوج فيها والدي".

وعاش سعد هرمز من جهته تلك الأيام بتفاصيلها، وكان شاهداً على وصول الشاحنات التي رفعت رايات داعش السوداء الى بلدته.

ففي 6 أغسطس (أب) 2014، دخل متطرفون الى برطلة، البلدة متعددة الأعراق على أطراف مدينة الموصل.

ويقول لوكالة فرانس برس: "في البداية، هربنا الى القوش"، البلدة ذات الغالبية المسيحية إلى الشمال "ثم إلى إربيل"، عاصمة إقليم كردستان.

وهناك، عاش مع زوجته أفنان وأولادهما الأربعة، وأكبرهم فادي 19 عاماً وأصغرهم ناتالي 7 أعوام، في كنيسة، قبل أن يستأجر شقة بـ 150 دولارا شهرياً على مدى 3 أعوام، الأمر الذي كلفه الجزء الأكبر مما كان يملك.

وأملت العائلة خيراً العودة إلى حياتها السابقة عندما أعلنت القوات العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، تحرير برطلة من قبضة المتطرفين.

لكن عائلة هرمز اكتشفت أن الأوضاع تغيرت تماماً. فمنزلها احترق بعدما سُرقت محتوياته، ولم يعد إصلاح ما تضرر مجدياً، لأن المنطقة أصبحت تحت سيطرة الحشد الشعبي، وهي مجموعات عسكرية تهيمن عليها فصائل شيعية موالية لإيران.

ويستذكر هرمز قائلاً: "عشنا بالخوف من حواجز التفتيش والميليشيات المنتشرة في كل مكان".

وتعيش العائلة منذ فبراير (شباط) 2018 في شقة من غرفتين في عمان على أمل إعادة توطينها في كندا حيث بعض أقاربها.

لكن ملف الهجرة عالق بسبب تفشي وباء كورونا، وتدفق اللاجئين من العراق وسوريا إلى دول أوروبية خاصةً إلى القارة الأمريكية وغيرها.

وبسبب تسجيل هرمز نفسه لاجئاً في الأردن، لا يحق له العمل، ويعتمد على التبرعات التي تقدم في كنائس عمان لإطعام أسرته.

25 ألف في السويد 
ويقول الأسقف الكلداني سعد سيروب حنا الذي عيّنته الكنيسة الكلدانية في السويد منذ 2017، إن الكثير من العراقيين بين أبناء رعيته في السويد، لا يريدون العودة الى العراق.

وُلد حنا في بغداد وأرسل الى السويد للاهتمام بأكبر تجمع كلداني في أوروبا قوامه نحو 25 ألفاً شخص وصلوا إلى البلاد في موجات على مدى العقود الأربعة الماضية.

وعاش فترات عنف كثيرة في العراق فر خلالها كثيرون، ويصفها بـ "الفوضى العظيمة". وتعرض للخطف في 2006 بعدما ترأس قداسا في العاصمة العراقية.

ويقول حنا لوكالة فرانس برس: "احتُجزت وتعرضت لأمور عديدة بينها التعذيب والعزلة".

ويضيف "هذه التجربة أعطتني القوة أيضاً. لقد وُلدت من جديد، أنظر إلى الحياة بطريقة مختلفة بنعمة عظيمة وحب كبير".

ويقيم أكثر من 140 ألف عراقي في السويد، بينهم رغيد بنا، وهو عراقي من الموصل استقر في بلدة سودرتالي في 2007.

ويقول وردة إن العائلات الشابة تهرب من العراق وتترك غالباً وراءها الوالدين من الجهتين الأكبر سناً.

ويوضح "كانت الأسرة المسيحية تتكون إجمالاً من خمسة أفراد. والآن انخفض العدد إلى ثلاثة".

في بغداد، تقلص عدد المسيحيين من 750 ألفا في 2003، بنسبة 90 %.

ويقول الإيكونوموس يونان الفريد، الوكيل العام للروم الارثوذوكس في العراق، لوكالة فرانس برس، إنه مع انخفاض عدد المصلين "أغلقت ما بين 20 الى 30% من كنائس العراق".

وبعد ما يقرب من عقدين من إراقة الدماء والتفجيرات، دخل العراق فترة هدوء نسبي في أعقاب هزيمة داعش في أواخر 2017. لكن هذا لم يوقف نزيف الأقليات.

ويقول الكاهن الذي بقي في العاصمة، فيما هاجر شقيقه إلى كندا وشقيقته إلى الولايات المتحدة: "الناس يستمرون في المغادرة، المسيحيون يحاولون فقط ادخار ما يكفي من المال، وبعد ذلك بأسرع ما يمكن ، يهاجرون".