الثلاثاء 2 مارس 2021 / 14:41

نحو مواجهة إيرانية تركية في سنجار العراقية؟

توقّع المدير التنفيذي في "مركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات" سيث فرانتزمان مواجهة إيرانية تركية في العراق، وتحديداً في إقليم سنجار.

الصورة العامّة للصراع الايراني-التركي في العراق، سواء كان يُنظر إليه على أنه صراع ضدّ حزب العمال الكردستاني أو "العثمانيين ضد الصفويين"، فهي أكثر تعقيداً بكثير مما هو معترف به على نطاق واسع

وكتب فرانتزمان، في تحليل لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أنه بينما تتجه أنظار المنطقة إلى التوترات الأخيرة مع إيران في خليج عمان وسوريا، يبدو أن الخلاف المحتدم بين إيران وتركيا في العراق يتصاعد.

ويعود الخلاف إلى سنوات، حيث سعت إيران إلى نفوذ أكبر في العراق، في وقت تنظر فيه تركيا إلى شمال العراق على أنه منطقة نفوذها. 

وتصاعدت التوترات الأخيرة، بعد أن هددت تركيا بغزو منطقة سنجار في العراق، موطن الأقلية الأيزيدية قبل 2014.

الدعم الإيراني
وفي 2017، وبعد دحر داعش، دعمت الحكومة العراقية ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، لاستعادة سنجار من حكومة إقليم كردستان.

وانضم بعض الإيزيديين إلى الجماعات اليسارية المُتطرفة التي يُزعم أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني في الصراع ضد داعش. واستخدمت تركيا الأمر ذريعة للغزو، وهي التي تتمتع بسجل حافل من الغزو والتطهير العرقي للأيزيديين والأكراد، في عفرين السورية منذ 2019 ، وتل أبيض في أكتوبر(تشرين الأول) 2019.

وبعد أن ساعدت الحكومة العراقية في انتزاع سنجار من إقليم كردستان، يبدو أن إيران تريد منع دخول تركيا إلى سنجار، كما أكده السفير الإيراني لدى العراق إيراج مسجدي الذي قال: "التدخل العسكري في العراق، لا يجب أن تشكل القوات التركية تهديداً أو تنتهك الأراضي العراقية. يجب الحفاظ على أمن المنطقة العراقية من قبل القوات العراقية وقوات كردستان في منطقتهم".

وذهب مسجدي إلى أبعد من معارضة غزو سنجار، فقال إن على تركيا سحب قواتها من القواعد في المنطقة الكردية بشمال العراق.

النفوذ التركي
ولطالما استغلت تركيا المنطقة الكردية، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، وأنشأت عشرات القواعد العسكرية فيها. وشنت أخيراً عمليات لضرب قواعد الحزب.

وأدت سيطرة تركيا على المنطقة الكردية إلى توتر بين السلطات الكردية في أربيل، بقيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني، وإلى توتر في السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديموقراطي الكردستاني.

رسخت تركيا وجودها في العراق في التسعينيات. وخلال الحرب على داعش، كانت منطقة كردستان معزولة تماماً عن بغداد، وكان شريان الحياة، بما في ذلك شحنات النفط، يمر عبر تركيا.

وأقامت تركيا قاعدة عسكرية في بعشيقة للمساعدة في تدريب المقاتلين العرب في 2015، ودعم البشمركة الكردية، الذين كانوا يقاتلون داعش. كان هذا توسعاً كبيراً، أثار غضب بغداد التي اشتكت للأمم المتحدة.

سعت الأمم المتحدة إلى الحد من التوتر في ديسمبر (كانون الأول) 2015. وبدا أنها تنخفض حتى الجدال الأخير.

وهناك المزيد من المعلقين الذين يضغطون من أجل مواجهة تركية إيرانية في العراق. لكن ادعاء أن إيران ربما تحاول الضغط على الولايات المتحدة، وتركيا، في العراق قد يكون قراءة خاطئة لما يجري.

الحشد الشعبي
نشرت وحدات الحشد الشعبي ألوية في سنجار ليبدو أن العراق يُسيطر على المنطقة. في الوقت نفسه، كان بفترض أن يؤدي ذلك إلى إضعاف أي دور يمكن أن تدعي تركيا أن "حزب العمال الكردستاني" قد لعبه وسيوقف عملية تركية كبرى في سنجار، أو محاولة إقامة قاعدة تركية فيها.

ذلك، يبدو أن نشر الألوية من كركوك إلى سنجار في 13 فبراير (شباط) يتوافق مع التهديدات ضد القوات الأمريكية في أربيل.

سياسة تقدّمية
ووفق مصادر كردية، تسعى تركيا منذ سنوات إلى سياسة تتجاوز حدودها، أطلق عليها البعض اسم "العثمانية الجديدة"، أو نوعاً من تجديد مطالبات منذ عشرينيات القرن الماضي بإدلب، والجزر اليونانية، والموصل، لكن الأدلة تظهر أن أنقرة مهتمة أساساً بمحاربة حزب العمال، لا بكركوك كما في 2003، أو الموصل كما في 1925.

ويكمن قلق السلطات الكردية الحقيقي في أن قطع تركيا أربيل عن سوريا، وقطع معبر فيشخاي بور، قد يعني سعي تركيا إلى طريق مستقل إلى بغداد، ليس من خلال حكومة إقليم كردستان. والحضور في سنجار يمكنه أن يسهل ذلك، رغم أنه يتعارض مع مصالح إيران العلنية.

مصادر تهديد
وفي غضون ذلك، تحتاج حكومة إقليم كردستان إلى الميزانية التي تقدمها لها بغداد. ويرغب الحزب الديموقراطي الكردستاني في الحفاظ على نفوذه السابق في سنجار، كما يأمل الاتحاد الوطني الكردستاني استمرار تأمين مصالحه في كركوك.

وفي الأثناء، تريد إيران تقليص الحكم الذاتي الكردي في العراق، وترغب تركيا في الاستفادة من دورها في أربيل لاختيار جزء من هذا الحكم الذاتي.

وتستخدم إيران الشيعة والميليشيات لتحقيق أهدافها، بينما تستخدم تركيا النفوذ الاقتصادي ومطالبتها بالحقوق لشن غارات عبر الحدود.

في السنوات الماضية، حذرت مصادر في أربيل من استخدام إيران سنجار لتهديد المنطقة، بما فيها إسرائيل، بنشر صواريخ في الجبال. ولم يتضح إذا لعبت سنجار دوراً في رغبة إيران في الوصول إلى "طريق إلى البحر" عبر سوريا، لأن إيران تستخدم القائم والأنبار لذلك، وجندت ميليشيات في سهول نينوى، وسعت للعمل على هذه الرغبة من خلال التركمان وآخرين في سنجار.

اشتباك سياسي جغرافي

وينظر البعض إلى الحرب الكلامية في العراق بين تركيا وإيران على أنها "نبوءة" تتحقق عن سعي تركيا المحتمل لإعادة العمل مع الولايات المتحدة، والاشتباك مع إيران حول "الجغرافيا السياسية".

ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أن تركيا تفضل غالباً العمل مع إيران إقليمياً في بعض القضايا، خاصة ضد الولايات المتحدة، مقابل احتمال تعارض مصالحهما في بعض المناطق.

واليوم، تُبدي تركيا حذرها في العراق، وتتساءل إذا وضعت إيران خطاً أحمر في سنجار. ويبدو أن تركيا لم ترغب أبداً في إنشاء قاعدة في سنجار، لكنها أرادت استخدام التهديدات لحمل العراق على فرض سيطرة أكبر على جبل سنجار. وقد يخدم إغراق المنطقة بعناصر من الحشد الشعبي أهداف تركيا على المدى الطويل.

تركيا vs إيران
تستغل إيران كل ما في وسعها للحصول على نفوذ في العراق، سواء كان ذلك بتقويض حضور الولايات المتحدة في المنطقة الكردية شمال العراق، بالعمل مع الجماعات الكردية، أو في شرق سوريا عبر حمل النظام على تحمل "ورقة التين".

وعلى عكس تركيا، لم تتورط إيران مطلقاً في تطهير عرقي ضد الأكراد، وعلى عكس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لم تقتل الأكراد بالغاز.

وختم فرانتزمان قائلاً: "عندما يتعلّق الأمر بالنفوذ الاقتصادي، فإن اقتصاد تركيا غير المنطقة الكردية، خاصةً في دهوك وأربيل، وكل ما تقدّمه إيران للعراق يتمحور في زيادة الموارد وتحويلها إلى إيران بدل الاستثمار المحلي"، مُضيفاً أن الصورة العامة للصراع الإيراني التركي في العراق، سواء كان يُنظر إليه على أنه صراع ضد حزب العمال الكردستاني أو صراع "العثمانيين ضد الصفويين"، فهي أكثر تعقيداً بكثير مما هو معترف به على نطاق واسع.