الجمعة 5 مارس 2021 / 10:07

ما يطلبه الرئيس

محمد حسن مفتي- عكاظ السعودية

لم يفاجئني كثيراً مضمون التقرير الذي نشرته الإدارة الأمريكية مؤخراً عن جمال خاشقجي، رحمه الله، فقد سبق أن لاكت الكثير من الصحف الصفراء والمواقع المغرضة والمنصات مدفوعة الأجر وسيئة النية الكثير من تلك الاتهامات قبل صدور التقرير، إلا أن إعادة فتح الملف في هذا التوقيت تحديداً لا يمكن تفسيره ولا تبريره إلا باعتباره مناورة سياسية واضحة ومفضوحة تماماً بين الحزبين المتنافسين في الولايات المتحدة، ومحاولة مكشوفة لتحقيق الوعود الانتخابية التي قطعها بايدن وإدارته على أنفسهما خلال الحملة الانتخابية.

لعلنا لسنا بحاجة لتوضيح الأمر أمام الرأي العام المحلي أو العالمي، فقضية خاشقجي -رحمه الله- تم استغلالها وتوظيفها سياسياً بشكل مثير للغرابة والاشمئزاز في آن واحد، وليس أدل على ذلك من تصريحات العديد من الساسة الأمريكيين أنفسهم ممن عبروا عن اندهاشهم واستنكارهم من الاهتمام المبالغ فيه بقضية جمال خاشقجي، في الوقت الذي يتم فيه التغافل العمدي من قبل الإدارة الأمريكية عن مئات الألوف من المعتقلين زوراً والمظلومين الذين تنكل بهم إيران وتتفنن في طرق إعدامهم، بالإضافة إلى الآلاف الذين تم قتلهم أو تهجيرهم في العراق وسوريا وغيرهما، وهو ما يتم غض الطرف عنه بالكامل من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، والتي طلب منها وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو توجيه أصابع الاتهام للمجرمين الحقيقيين في إيران، إن كانوا جادين بالفعل في البحث عن عمليات الاغتيالات.

المعركة السياسة التي تدور رحاها حالياً داخل أروقة ودهاليز صناع السياسة في الولايات المتحدة لن تنفعها بأي شيء، بل من الواضح أنها ستضرها أشد الضرر، فنتائج هذه المعركة التي يبدو بوضوح أن إدارة الرئيس الحالي لا تدرك عواقبها بشكل حاسم، لن تسهم فحسب في فقدها لحلفائها التاريخيين السلميين الذين طالما جمعتها بهم علاقات وثيقة وطيبة، ولكنها ستسهم في إغواء أعدائها وزيادة ثقتهم في جواز وقبول أفعالهم العدوانية؛ نظراً لأنهم لن يقرؤوا تصريحاتها إلا باعتبارها ضوءاً أخضراً يسمح لهم بالتوسع في اعتداءاتهم وسط قبول عام وارتياح من الولايات المتحدة تجاه سياساتهم وسلوكياتهم الهجومية الغادرة.

لعله من اللافت للانتباه وما يقوي نظرية الغطاء السياسي الذي يغلف تقرير الإدارة الأمريكية حيال خاشقجي، أن ما جاء في التقرير اتسق بشكل تام بل وحرفي مع تصريحات بايدن الانتخابية التي سبقت توليه الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنه لم يكن جزءاً من الإدارة السابقة ولم يكن مخولاً له الاطلاع على محتويات التقرير، مما يؤكد لنا أن التقرير خرج وفق نظرية "ما يطلبه الرئيس" وليس بناء على تقارير موثقة ونتائج دامغة، وهو ما يتفق مع رأي المحللين بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تكايد الإدارة القديمة بالتركيز على ممالأة الأعداء على حساب الأصدقاء، لتؤكد على اختلاف توجهاتها عن توجهات الإدارة السابقة فحسب أمام الرأي العام الأمريكي، دون النظر لأي اعتبارات أو عقبات أو تبعات أخرى، وبخلاف ذلك فإن تقارير جهاز CIA ليست بالحياد الذي يتصوره البعض، ويحضرني في هذا السياق ما ذكره "جون نيكسون" المحلل بجهاز الاستخبارات الأمريكية في كتابه "استجواب الرئيس" عندما تم استدعاؤه في البيت الأبيض لمناقشة أحد التقارير المتعلقة بالعراق العام 2003؛ حيث عبر نيكسون عن انزعاجه الشديد باهتمام مسؤولي الجهاز برضا الرئيس الأمريكي بما جاء في التقرير الذي قام بتقديمه وعرضه.

منذ استبعاد الحوثي كمليشيا إرهابية من قوائم الجماعات والأحزاب الإرهابية وهو لم يكد يتوقف عن مهاجمة المملكة بضراوة، في تجسيد حي لمعنى الإرهاب والخسة، وفي تدليل واضح لصحة القرار السابق للرئيس ترمب بكونه جماعة إرهابية مجرمة، ولم تقتصر هجماته الجبانة ضد المدنيين في المملكة فحسب، بل قام بتكثيفها أيضاً داخل اليمن وضد المدنيين فيه، وفي مقابل ذلك -بل وفي تناقض واضح للإدارة الامريكية- أمر الرئيس بايدن الأسبوع الماضي بضرب قواعد لبعض المليشيات الإرهابية في سوريا رداً على تهديدها لبعض القواعد الأمريكية في المنطقة، وهو الأمر الذي تسبب في مقتل العشرات، وفي محاولة لامتصاص غضب بعض النواب الديمقراطيين الذين انتقدوا هذه الضربة برر الرئيس ذلك بقوله إن القواعد التي تم ضربها كانت لمليشيات غير حكومية خارجة عن القانون تدعمها إيران، وأنه اتخذ هذا الإجراء لحماية المصالح الأمريكية.

من الواضح أن تصريحات الإدارة الأمريكية حيال اهتمامها بتعزيز أمن المملكة والاهتمام باستقرارها ليست أكثر من تصريحات إعلامية غير جادة، فليس لها أي صدى فعلياً على أرض الواقع، وبخلاف المكايدة السياسية مع الحزب الجمهوري يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تشعر بغضب مكتوم تجاه المملكة؛ كونها وقفت بحزم ضد مخطط تفتيت المنطقة خلال ما يسمى بفترة الربيع العربي، وقد أثبتت أحداث الربيع العربي مدى تمتع دول الخليج بالاستقرار والتماسك، كما أثبتت أنها بفضل الله ثم بقيادة المملكة حائط الصد في مواجهة محاولات العبث بأمن المنطقة، وهو التماسك الذي استمد قوته من انتماء جميع المواطنين لوطنهم ولقيادته، ونبع من إيمانهم بأن استقرار الوطن وازدهاره هو أمر منهم ولهم في نهاية المطاف.