الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الجمعة 5 مارس 2021 / 13:09

بايدن وإيران.. لماذا يصعب إعادة الزمن؟

خاض المرشح الديمقراطي جو بايدن حملته الرئاسية بناء على تعهد بالعودة إلى الاتفاق النووي. وحين أصبح رئيساً بدأ باتخاذ بعض الخطوات لتحقيق وعده. لكنه سيجد صعوبات كثيرة على طريق الوفاء بتعهداته، وفقاً للعالم السياسي البارز في مؤسسة راند الأمريكية رافاييل كوهين.

حتى وإن كان الاتفاق هو الحل المناسب للأزمة النووية، حين تم التفاوض عليه منذ سنوات، فإن على أي اتفاق جديد أن يكون مختلفاً، لا لأن البرنامج النووي الإيراني تطور وحسب، بل لأن العالم تطور أيضاً

ليس لصالحها
يكتب كوهين في صحيفة "ذا هيل" أن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تكن يوماً طويلة الأمد ولا شاملة ولا إصلاحاً للتحدي الإيراني. هدف الاتفاق إلى تقييد مسار إيران نحو الوصول إلى السلاح النووي عوضاً عن إنهائه. أجّلت بنوده هذا المسار بـ 10 إلى 15 عاماً انطلاقاً من دخول الاتفاق حيز التنفيذ سنة 2016. لكن الزمن لم يعد لصالح الولايات المتحدة. فوفقاً لوزير الخارجية أنطوني بلينكن، قد تكون إيران على بعد "بضعة أسابيع" من إنتاج مواد نووية كافية لتصنيع القنبلة. ولم يقيد الاتفاق برنامج إيران للصواريخ البالستية، كما استثنى من بنوده دعم طهران للإرهاب علماً أن الإرهاب الإيراني يسيطر مؤخراً على عناوين الأخبار. حتى مع وضع هذه القضايا جانباً، لم تعد الافتراضات التي تأسس عليها الاتفاق النووي صحيحة.

التغير الأول
يرى كوهين أن إيران تغيرت. بعد مغادرة إدارة ترامب الاتفاق النووي وفرضها حملة الضغط الأقصى، تراجع الدعم الشعبي الإيراني للاتفاق من 85% في أغسطس (آب) 2015 إلى 42% في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ووجدت استطلاعات الرأي نفسها أن التشاؤم حيال مستقبل الاقتصاد الإيراني منتشر على نطاق واسع. تشير هذه المسارات إلى أن الدعم الإيراني للاتفاق بني على المنافع الاقتصادية التي لم تتحقق قط. حتى لو قبلت إدارة بايدن برفع العقوبات فسيكون الأمر غير كافٍ لتحقيق النتائج الاقتصادية الملموسة لإعادة بناء الثقة بالاتفاق.
إن فرصة إعادة فرض إدارة أمريكية مستقبلية العقوبات على إيران قد تردع الشركات عن الاستثمار في تلك البلاد ويمكن أن تحد من التأثير القصير الأجل الناجم عن أي تخفيف لهذه العقوبات. علاوة على ذلك، بَنت إيران خططها الاقتصادية على نمو سنوي بنسبة 8%. لكن جائحة كوفيد-19 دفعت النتاج المحلي الإجمالي الإيراني للانكماش بنسبة 6.8%. أما القطاع النفطي الإيراني فانكمش بأكثر من 38%. في هذا المناخ، ستحتاج إيران لبعض الوقت حتى تعود إلى الازدهار.

التغير الثاني
تغير الشرق الأوسط، يتابع كوهين. أضفت اتفاقات أبراهام طابعاً رسمياً على حقيقة بديهية طويلة الأمد، حتى ولو لم يتم ذكرها، وهي أن الانقسام العربي الإسرائيلي لم يعد هو الأساسي في المنطقة بل الانقسام بين إيران من جهة وسائر القوى من جهة أخرى. بإمكان هذه الدينامية أن تضع أي اتفاق نووي إيراني في إطار إقليمي جديد.

 وجدت الدول العربية وإسرائيل الأسلحة النووية الإيرانية تهديداً وجودياً لها ونظرت بعين التشكيك إلى قدرة الاتفاق النووي على وقف مسعى طهران إلى الاتفاق النووي. مع ذلك، لم تكن هذه الدول عضواً في الاتفاق النووي. لقد تُركت للتعبير عن مخاوفها بشكل فردي. لكن اليوم، ثمة تحالف موحد في صوته بين إسرائيل ودول الخليج في معارضة الاتفاق النووي. وبعد أيام قليلة على تنصيب بايدن، أعلن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق خاطئة وأن إسرائيل تعيد تحديث خياراتها العسكرية.

دور واشنطن
الولايات المتحدة تغيرت أيضاً. ربما لم يكن وقف الانتشار النووي الإيراني أولوية قصوى على الإطلاق لأي إدارة أمريكية لكن هذا الملف يكافح أكثر اليوم من أجل الانضمام إلى المستوى الأعلى من المخاوف السياسية بحسب كوهين. تواجه إدارة بايدن مروحة من المشاكل الضاغطة بدءاً بالسيطرة على الجائحة وإعادة إصلاح الاقتصاد وصولاً إلى محاربة التطرف الداخلي. حتى ضمن مخاوف السياسة الخارجية، ثمة مسائل أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الإدارة الحالية مثل التصدي للتغير المناخي وتقييد الصعود الصيني والطموحات الروسية باستعادة مناطق سيطرت عليها في الماضي. وقد يقلص تراجع أهمية الملف الإيراني بالنسبة إلى واشنطن حظوظ نجاح الاتفاق النووي. فالدول التي تعارضه اليوم لا تزال تركز على إيران كما كانت من قبل وهذا يصعّب على الولايات المتحدة أن تتخطى مقاومة تلك الدول.

قول مأثور
يستشهد كوهين في الختام بقول مأثور يدعو الدول إلى "عدم خوض الحرب الأخيرة" للاستنتاج بأنه يمكن قول الأمر نفسه عن عدم التفاوض على المعاهدة الأخيرة. ويضيف أنه حتى وإن كان الاتفاق هو الحل المناسب للأزمة النووية، حين تم التفاوض عليه منذ سنوات، فإن على أي اتفاق جديد أن يكون مختلفاً، لا لأن البرنامج النووي الإيراني تطور وحسب، بل لأن العالم تطور أيضاً.