الأحد 7 مارس 2021 / 12:17

هل أدرك خامنئي أخيراً أن العالم تغير؟

أضاء الكاتب السياسي في موقع "إيران فوكس" مهدي حسيني على سلسلة الحسابات الخاطئة التي ارتكبها المسؤولون الإيرانيون خلال السنوات الماضية والتي دفعتهم إلى الاستيقاظ على عالم مختلف كلياً في 2021. يظن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والمسؤولون الحكوميون في طهران أن العالم لا يتغير وأن أطر السياسة الخارجية وتوازنات القوى اليوم لا تزال هي نفسها منذ 2015. لذلك هم يراهنون على استمرار الغرب في سياسة الاسترضاء الفاشلة ويلتزمون بتخصيب اليورانيوم كي يبتزوا العالم ويقبضوا منه ثمن الفدية.

ما أخطأ خامنئي في تقديره وما سيدفع ثمناً كبيراً بسببه هو محاولة التستر على ظروف المجتمع المتفجرة ودور المعارضة الإيرانية في دفع التطورات باتجاه إطاحة النظام

 أجبرهم هذا الخطأ الحسابي على العودة إلى التصعيد النووي بعد التغيير الرئاسي في الولايات المتحدة وإلى التخلي عن التزاماتهم في الاتفاق النووي، الواحد تلو الآخر.

حاصر نفسه
في البداية، ظنوا أنهم بهذه الخطوات سيدفعون أوروبا إلى التوسل والطلب منهم أن يتراجعوا عن سياساتهم حتى ترفع الولايات المتحدة العقوبات عنهم. عاود خامنئي إطلاق الصواريخ عبر ميليشياته في العراق لابتزاز الولايات المتحدة إضافة إلى مواصلة انتهاك بنود الاتفاق النووي. هاتان الخطوتان متكاملتان لفرض الضغط على الخصم. بدا خامنئي أنه وجد وقتاً للعبة التوصل إلى رفع العقوبات من دون تقديم تنازلات في الإقليم أو في برنامجه الصاروخي. لكن من دون حسابات دقيقة، حاصر المرشد الأعلى نفسه في مهلة نهائية حددها لنفسه من أجل الخروج من البروتوكول الإضافي في معاهدة الحد من الانتشار النووي.

لم يصغِ لأقوال هيراقليطس

يضيف حسيني أنه حين اقترب خامنئي من الموعد النهائي مدركاً أن لا دولة أعارته اهتماماً، كان عليه القبول بحل وسط يقضي باتفاق مدته ثلاثة أشهر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع هجوم الولايات المتحدة على مواقع الميليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني في سوريا، أصبح واضحاً أن جميع أحلام خامنئي لم تتحقق. ظن الأخير أن بإمكانه تجاهل ما قاله الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس: "لا يمكنك أن تخطو في النهر نفسه مرتين. لأننا حين نجتازه مرة ثانية، لا نعود الشخص نفسه ولا (تعود مياه) ذلك النهر هي (المياه) السابقة نفسها".

نهر الاتفاق النووي

نزل خامنئي اليائس والمحرج والخائف إلى نهر الاتفاق النووي، لكنه لم يجد نفسه في النهر عينه الذي كان جارياً في 2015. تدفق النهر حينها عبر موجات لطيفة من العلاقات بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأسبق جون كيري. وبالطبع، لم يكن الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس نفسه الذي توقعه خامنئي.

في 1 مارس الحالي، كتبت صحيفة وطن إمروز الرسمية أنه "فيما وعد جو بايدن خلال الحملة بأنه سيعكس القرارات الأمريكية في مجالات شتى، بما فيها خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنه بعد وصوله إلى السلطة، ألغى أو غير قرارات وأوامر ترامب في جميع المجالات باستثناء خطة العمل الشاملة المشتركة! نزلت الخطوة مياهاً باردة على أولئك الذين ظنوا أن حكومة بايدن ستعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في بضعة أيام وترفع العقوبات".

واقع مر

أشار حسيني إلى أن النظام ومن يسمون بالإصلاحيين الذين رأوا مستقبلاً جميلاً في حكومة بايدن اضطروا إلى القبول بالواقع المر وخلاصته أن كل الأمور تغيرت. في 1 مارس أيضاً، رأت صحيفة آفتاب يزد أن "سلوك أمريكا بايدن هو تكملة لسلوك أمريكا ترامب، مع فارق أن أربع سنوات من صراخ ترامب أصمّت العالم، ولمدة أربع سنوات سيشغل خداع بايدن العالم". وتوقعت الصحيفة نفسها ألا تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي بالطريقة التي ترغب بها طهران، وأن تواصل واشنطن النظر إلى الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران على أنها تهديد لها. وتابعت أن الولايات المتحدة ستستمر بالاستفادة من نفوذ العقوبات ومجلس الأمن القومي والاعتداء العسكري.

حصان خاسر

يدعو حسيني خامنئي إلى فهم أن إبريق سياسة الاسترضاء كُسر منذ سنوات عدة. ويضيف أن ما أخطأ خامنئي في تقديره وما سيدفع ثمناً كبيراً بسببه هو محاولة التستر على ظروف المجتمع المتفجرة ودور المعارضة الإيرانية في دفع التطورات باتجاه إطاحة النظام. إذا اضطرت أوروبا وأمريكا إلى تقديم تنازلات لتقييد النظام في 2015، فإن التظاهرات في ديسمبر (كانون الأول) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2019، جعلتها تدرك أنها لن تكون قادرة على الاستثمار في استرضاء فاشية باسم الدين. يؤكد حسيني أن العالم، خارج تخيل خامنئي، هو حقيقي. حتى أكثر القوى براغماتية في علاقاتها مع النظام الإيراني أدركت أنه لا يجدر بها أن تراهن على حصان خاسر.