جلسة عامة في الكونغرس الأمريكي (أرشيف)
جلسة عامة في الكونغرس الأمريكي (أرشيف)
الجمعة 12 مارس 2021 / 15:40

الديموقراطيون قلقون جداً من الانتخابات الأمريكية المقبلة

ربما يعتقد البعض أن الانتخابات النصفية، أو الرئاسية في الولايات المتحدة لا تزال بعيدة جداً، إذ لم يمض على وجود الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض 100 يوم. لكن في العاصمة واشنطن، تتخذ الحسابات طابعاً مختلفاً.

هل يمكن للديموقراطيين الاعتماد على زيادة مستمرة في أصوات الناخبين البيض، دون أن يكون اسم ترامب على بطاقة الاقتراع، أو بوجوده عليها لو قرر الترشح في 2024؟

كثيرة هي التقارير التي تتطرق إلى نتائج الانتخابات في الاستحقاقين المقبلين وإلى التطورات المحتملة التي ستحدد هوية الفائز المرتقب.

والتقرير الأحدث في هذا المجال، أعده الكاتب السياسي الأسبوعي في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس إدسال المتخصص في شؤون الديموغرافيا، وغياب المساواة والسياسة الأمريكية عموماً.

ينقل إدسال قلق المخططين الاستراتيجيين في الحزب الديموقراطي بعد نتائج انتخابات 2020 الرئاسية.

إنهم قلقون، قلقون جداً، من تصويت ذوي الأصول اللاتينية، ذلك أن واحداً من أصل 10 لاتينيين صوتوا لهيلاري كلينتون في 2016، صوتوا لترامب في 2020.

ويجري التعامل مع المتحدرين من أصول لاتينية، على أنهم كتلة انتخابية واحدة لكن اتجاهات تصويتهم ليست واحدة. تؤدي الديانة،والبلد الأم، والآيديولوجيا وأعداد الأجيال التي عاشت في الولايات المتحدة وعمق التدين، وعوامل كثيرة أخرى دورها في التنوع الانتخابي بين هذه الأقلية.

الأرقام حاسمة

بين 1970 و2019، ازداد عدد اللاتينيين في الولايات المتحدة من 9.6 ملايين إلى 60.6 مليون وفقاً لمركز بيو للأبحاث.

ووفقاً للإحصاء الرسمي، من المتوقع أن يصل العدد إلى 111.2 مليوناً، أو 28% من السكان بحلول 2060.

قدمت شركة استراتيجيات الرأي العام والتي تجري استطلاعات رأي لصالح شبكة أن بي سي وصحيفة وول ستريت جورنال، بيانات عن التصويت الرئاسي بين 2012 و 2020 لإدسال.

وتظهر البيانات مكاسب جمهورية بارزة بين حوالي 30% من الناخبين من أصول لاتينية، الذين يعرّفون أنفسهم بمحافظين.

وبين 2012 و2020، تحول المحافظون السود من التصويت بنسبة 88-7 للمرشح الديموقراطي إلى 76-17 للمرشح عن الحزب نفسه.

لكن ولاء المحافظين السود للحزب الديموقراطي انخفض بنسبة أقل، من 75% للحزب الديموقراطي و9% للحزب الجمهوري إلى 71% للحزب الديموقراطي، مقابل 16% للحزب الجمهوري.

أما التغييرات في التصويت والولاء للحزبيين فكانت أكبر بين اللاتينيين الذين يصنفون أنفسهم محافظين. وانتقل تصويتهم الرئاسي من 49-39 للمرشح الديموقراطي في 2012، إلى 67-27 للمرشح الجمهوري في 2020.

أما الولاء الحزبي فانتقل من 50-37 للحزب الديموقراطي إلى 59-22 للحزب الجمهوري.

والأصوات الجمهورية التي كسبها الجمهوريون بين اللاتينيين، والأمريكيين الآسيويين، وإلى حد أقل بين الأمريكيين الأفارقة تقلق جداً السياسيين والمخططين الديموقراطيين.

إن تسرب أصوات اللاتينيين بالتوازي مع انخفاض بـ 3% في الأصوات الأمريكية الأفريقية لصالح بايدن بالمقارنة مع المرشحة هيلاري كلينتون، يهدد ركيزة أساسية للقوة الديموقراطية التنافسية خاصةً بين الرجال الأمريكيين الأفارقة، الحفاظ على هوامش انتصار مرتفعة بين ناخبي الأقليات التي تتوسع نسبتهم بشكل متزايد بالمقارنة مع إجمالي السكان.

نظرة اللاتينيين لأنفسهم
ويقول جوشوا يوليباري المسؤول في شركة لايك للأبحاث المعنية بالاستطلاعات الديموقراطية، للصحيفة نفسها، إن لاتينيين كثراً لا يرون أنفسهم  من ذوي البشرة الملونة، ويرفضون تحالفاً سياسياً مبنياً على هذا الرابط ويريدون "أن يُنظر إليهم على أنهم بيض أو جزء من التيار السائد".

ويعتقد يوليباري أن الحزب الديموقراطي، مسؤول جزئياً عن الخسارة الأخيرة. لم يبتعد المحافظون عن الحزب الديموقراطي وحسب "المزيد والمزيد من الشباب يتماهون بطريقة أقل مع حزبي لا لأنهم جمهوريون أو محافظون، بل لأن الديموقراطيين لا يلتزمون بكلمتهم. الديموقراطيون ضعفاء. ومن يريد الاصطفاف مع الضعيف؟".

ومن جهتها، قدمت العالمة السياسية في جامعة ميسيسيبي جولي رونسكي تفسيراً مشابهاً مع بعض التمايز، فقالت: "ما قد يكون في طور التغير هو كيفية نظر مجموعات بين اللاتينيين إلى أنفسها على مستوى هوياتها العرقية والآيديولوجية".

وأوضحت أنه إذا كان اللاتينيون يرون أنفسهم بيضاً أكثر من ذوي البشرة الملونة، فستكون ردة فعلهم على الرسائل العرقية، والدعوات لسحب تمويل الشرطة مثل رد فعل البيض، أي باستخدام هويتهم الأيديولوجية، لا العرقية لتوجيه دعمهم نحو مسار معين.

أفكار الليبيراليين البيض
وأوضح مستطلع الآراء الجمهوري ويت أيرس، للصحيفة من جهته أن اللاتينيين أكثر مرونة في التصويت من الأمريكيين الأفارقة. وأضاف أن من الناحية العامة، 50% منهم يصوتون بشكل مستمر للديموقراطيين، و25% للجمهوريين، والبقية مستقلة.

وحين يبدأ الديموقراطيون الليبيراليون في الحديث عن سحب الأموال من الشرطة، وعن الاتفاق الأخضر الجديد، والترويج لسياسات اشتراكية، فإنهم يُبعدون غالبية اللاتينيين. هذه الغالبية مثل الغالبية الأمريكية الأفريقية ليست ليبيرالية على المستوى الأيديولوجي.

أما العالِم الديموقراطي في شؤون البيانات دايفد شور فيشير إلى أن الليبيراليين البيض المتعلمين جداً دفعوا الأجندة الحزبية من الاشتراكية باتجاه سحب الأموال من الشرطة، فأصبح الحزب خارج التيار السائد، ما دفع الأقلية الوسطية والمحافظة نحو المعارضة.

وبما أن الناخبين البيض باتوا يتحدثون أيديولوجياً أكثر من الناخبين غير البيض، فإنهم انتهوا إلى وضع أصبح فيه الليبيراليون البيض، أكثر يسارية من الديموقراطيين السود، واللاتيينيين، في كل القضايا تقريباً.

وبالتالي، وكلما حدد الليبيراليون البيض بشكل متزايد صورة الحزب ورسالته، دفع ذلك الديموقراطيين المحافظين من غير البيض ليعارضوا الحزب الديموقراطي.

وفي مقابلة نشرتها مجلة نيويورك في 3 مارس (آذار)، لاحظ شور أن قلة توقعت أن تصبح القاعدة الشعبية الجمهورية أكثر تنوعاً مما كانت عليه في 2012. لكن هذا ما حصل، حسب شور.

أزمة صورة ورسالة
أما المستشار الانتخابي الديموقراطي السابق والأكاديمي في كلية السياسة العامة بجامعة شيكاغو، مارك فارينيلا، فقال إنه لم يعد واضحاً عند الناخبين عموماً، ما هي أولويات الحزب الديموقراطي وقيمه.

لقد نجح الجمهوريون في السنة الماضية في استغلال هذا الالتباس بالإصرار على أن الرسالة الحزبية صادرة عن الناشطين من اليسار.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد بروس كاين لصحيفة نيويورك تايمز، إنه يبرز أشخاصاً يصفون أنفسهم بديموقراطيون اشتراكيين، وهي عبارة تستطيع قلة من الناخبين فقط تحديدها.

وبدأ الجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي يعرض مقترحات لزيادة الإنفاق الحكومي، وفرض الصواب السياسي، وأفكار غير عملية مثل سحب تمويل الشرطة.

ويضيف كاين أن الديموقراطيين يضعون أنفسهم على طريق الخسائر إذا لم ينتبهوا إلى وقائع الرأي العام.

وينفي أحد المخططيين الاستراتيجيين في الحزب الديموقراطي، فرض الليبيراليين البيض صورة ورسالة الحزب، مشيراً إلى أن أكثر الإعلانات الديموقراطية لا تتحدث عن القضايا اليسارية، كما أن بايدن وأعضاء الكونغرس، لم يترشحوا بناء على هذه البرامج. ولكن الإعلام الجمهوري هو الذي يلصق هذه التهمة بالديموقراطيين.

ويرد إدسال فيقول إن لدى الحزب الديموقراطي تربة خصبة لمثل هذه الادعاءات، وأن منافسه ينجح في سحب ناخبي الأقليات من الحزب الحاكم. وكلما نجح الجمهوريون في هذا المسار أمكنهم ادعاء أن حزبهم ليس حزب الطبقة العاملة البيضاء فحسب، بل هو حزب الطبقة العاملة المتعددة الأعراق أيضاً، علماً أن السجل الاقتصادي ينكر ذلك بشدة، وفقاً لإدسال.

وصورة الحزب الديموقراطي الذي يقف إلى جانب العمال ضد أرباب العمل تعرضت لضربات في العقود الماضية، لكنها لا تزال تلقى صدى بين ناخبين كثر.

سؤال صعب
في معظم الدوائر الانتخابية، عوض انخفاض تصويت الأقليات لبايدن بمكاسب أكبر بين الناخبين البيض خاصةً من أصحاب الشهادات الجامعية من الجنسين، وبشكل مفاجئ بين الرجال البيض الذين لا يحملون تلك الشهادات.

وأظهر تحليل أن بايدن فاز بأصوات أقل بين الأقليات في بنسلفانيا، وويسكونسن، وميشيغان بالمقارنة مع كلينتون. ورغم هذا الانخفاض فاز بايدن بجميع هذه الولايات بفضل المكاسب الناجمة عن زيادة أصوات الناخبين البيض.

وسأل إدسال في الختام: "هل يمكن للديموقراطيين الاعتماد على زيادة مستمرة في أصوات الناخبين البيض، دون أن يكون اسم ترامب على بطاقة الاقتراع، أو بوجوده عليها لو قرر الترشح في 2024؟"

يرى الكاتب أن الإجابة على هذا السؤال صعبة، لكن المخططين الديموقراطيين لا يريدون أن يجدوا أنفسهم مضطرين للاعتماد عليها.