الأحد 11 أبريل 2021 / 12:19

أردوغان يفتك بملهمه: صاحب نظرية "الوطن الأرزق" وراء القضبان

بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يساوي بين مناصريه ومعارضيه عندما يتعلق الأمر بالوقوف أمام طموحاته الجامحة. فبعدما كان جيم غوردينيز، صاحب نظرية "الوطن الأزرق"، ملهماً لمشاريعه، لم يتوان عن زجه في السجن لانتقاده "قناة اسطنبول".

هذه الموجة الجديدة من الاعتقالات هي الأحدث في حملة قمع شاملة شنها الرئيس التركي ضد أدنى صوت معارض

وكتب أرمين عريفي في مجلة "لوبوان" أنه يمكن المرء أن يقدّم ذرائع لأردوغان ليتصرف على هواه في شرق المتوسط ثم يجد نفسه في السجن لمجرد أنه ببساطة لم يرق للرئيس.

هذه المفارقة المذهلة التي يواجهها جيم غوردينيز منذ يوم الاثنين، هي مثال جديد على الانجراف الاستبدادي الحالي لسيد أنقرة ضد أي شكل من أشكال النقد. فهذا الأميرال التركي المتقاعد البالغ من العمر 62 عاماً هو صاحب نظرية "الوطن الأزرق" التي تعود إلى عام 2006 وتنص على توسيع السيادة البحرية لتركيا في البحرين الأسود والمتوسط.

وقال إرمين إن هذا المفهوم العزيز على الأوساط القومية التركية تبناه بعد ذلك المحافظون الإسلاميون من حزب العدالة والتنمية، وفي مقدمهم أردوغان، لتبرير التدخلات المتكررة للبحرية التركية في المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية، على رغم استياء الاتحاد الأوروبي.  

وكان غوردينيز قال في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي: "أنا لست على صلة لا قريبة ولا بعيدة بالحكومة التركية وليست مشكلتي إذا استخدمت مفهومي".

"الوطن الأزرق"

وتهدف نظرية "الوطن الأزرق" إلى تحقيق وتأمين وتطوير حقوق ومصالح تركيا في البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يتجاوز الاعتبارات الحكومية والحزبية.

وبعدما استخدمه الرئيس التركي دون علمه، وجد الضابط السابق نفسه اليوم مضطراً لمواجهة غضبه. وكشفت زوجته رينجين غوردينيز، على موقع تويتر مساء الإثنين، أن الشرطة اقتحمت منزلهما واعتقلت زوجها.

وبحسب مكتب المدعي العام في أنقرة، تجري محاكمة غوردينيز وتسعة آخرين من الأميرالات المتقاعدين كجزء من تحقيق بتهمة "التجمع الذي يهدف إلى ارتكاب جريمة ضد أمن الدولة والنظام الدستوري".
كما صدرت أوامر بتوقيف أربعة ضباط سابقين آخرين، ولم يتم اعتقالهم بسبب تقدمهم في السن.

رسالة مفتوحة
ويتهم هؤلاء الرجال بتوقيع رسالة مفتوحة وقعها 104 أميرالات سابقين ينتقدون فيها خطة الحكومة لفتح قناة ملاحية مماثلة لتلك الموجودة في بنما أو السويس، في غرب اسطنبول. ويسمى هذا المشروع العملاق "قناة اسطنبول" وقيمته 25 مليار يورو. والشهر الماضي، أقرت خطط المشروع الذي ينص على إنشاء ممر بحري بطول 45 كيلومتراً موازٍ لمضيق البوسفور لربط بحر مرمرة بالبحر الأسود.

ازدحام البوسفور
وبالنسبة للسلطة التنفيذية، فإن بناء مثل هذه القناة، وهي جزء من المشاريع العملاقة لأردوغان، يخفف الازدحام في مضيق البوسفور ويوفر للمدينة موقع استقطاب جديد. ولكن الضباط الكبار السابقين يعتقدون عكس من ذلك، ويعتبرون أن الالتفاف على مضيق البوسفور يقوّض اتفاقية مونترو ويضر بمصالح تركيا.

وتضمن هذه الاتفاقية الدولية المتعددة الطرف، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1936، حرية مرور السفن المدنية في مضيق البوسفور والدردنيل، في أوقات السلم والحرب، لكنها تفرض قيودًا على مرور السفن العسكرية، باستثناء تلك التابعة للدول المطلة على البحر الأسود. وبالتالي، فإن فتح "قناة اسطنبول" يمكن أن يسهل مثلاً، وصول السفن الحربية الأمريكية إلى البحر الأسود، وهو ما لا يرضي روسيا.

وأثارت رسالة الأميرالات السابقين غضب الرئيس التركي الذي قال إن "واجب العسكريين المتقاعدين عدم نشر تصريحات تشير إلى انقلاب سياسي. لا يحق لموظف متقاعد اتخاذ مثل هذا الطريق". وأضاف: "لا علاقة لهذا الأمر بحرية التعبير".

أمر غير مقبول
وفي بلد له تاريخ من الانقلابات، يقول عريفي إن "هذا غير مقبول". وهذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها جيم غوردينيز نفسه خلف القضبان، وسبق له أن امضى ثلاث سنوات في السجن من 2011 إلى 2014، إلى جانب مئات المسؤولين رفيعي المستوى، عندما كان أردوغان رئيساً للوزراء. وهو اتُهم بالتحريض على محاولة انقلاب عسكري عام 2003، وبرئ أخيراً في عام 2015، بعد  سنة من إطلاق سراحه.

وخلص عريفي إلى أن هذه الموجة الجديدة من الاعتقالات هي الأحدث في حملة قمع شاملة شنها الرئيس التركي ضد أدنى صوت معارض (جيش، نواب، طلاب، مدرسون، نقابات، صحافيون) بعد محاولة الانقلاب في يوليو (تموز) 2016. وأتى ذلك وقت كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في أنقرة هذا الثلاثاء، بدعوة من أردوغان، لإعادة إطلاق العلاقة بين الاتحاد الأوروبيوتركيا.