الأحد 11 أبريل 2021 / 12:30

فورين بوليسي: أردوغان المتقهقر.. هل يسعفه الحظ؟

يرى الباحث البارز في "مجلس العلاقات الخارجية" ستيفن كوك أن الحظ، لا السلوك الحكيم، يمكن أن يسدي خدمة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المدى المنظور.

يصعب من اليوم معرفة ما قد يحصل في انتخابات ستجري بعد سنتين، لكن من الواضح أن أردوغان يفتش عن كل مكسب بإمكانه تحصيله

 يستهل كوك مقاله في "فورين بوليسي" بالإشارة إلى رسالة وقعها 104 أميرالات أتراك متقاعدين في الثالث من أبريل، أعربوا فيها عن قلقهم من مقترح حكومي يقضي بسحب تركيا من اتفاقية مونترو التي تعطي تركيا حق تنظيم الوصول إلى مضيقي البوسفور والدردنيل. وأعرب الأميرالات المتقاعدون عن قلقهم أيضاً من أسلمة القوات التركية.

ما هي نيتهم؟
يصف كوك الرسالة بأنها حدث كبير على الرغم من أن نوايا الموقعين عليها غير واضحة. ربما سعوا إلى تحريك الضباط الذين يشبهونهم في التفكير والذين لا يزالون في صفوف الجيش. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة فهي تعني أنها أول خطوة في المواجهة التي طال انتظارها بين حزب العدالة والتنمية والضباط القوميين العلمانيين الذين تخلصوا من أعدائهم المشتركين: زملائهم في حلف شمال الأطلسي وأتباع رجل الدين فتح الله غولن. وربما كان الأمر عبارة عن مجموعة من الأميرالات الغاضبين من التغييرات التي أدخلها أردوغان وحزبه طوال السنوات التسع عشرة الماضية والذين شعروا بالحاجة إلى رفع العبء عن أنفسهم. وربما كان الأمر فخاً.

خدمة
مهما كانت نيتهم، خدمت رسالة الأميرالات أردوغان بحسب الكاتب. منذ انتشرت الرسالة، أعلن أردوغان ومستشاروه وممجدوهم الإعلاميون أن الأمر عبارة عن "انقلاب". وبالنظر إلى قدرة الحكومة على صياغة السردية العامة، يمكن أن يتم تذكر المشهد الأخير على أنه محاولة انقلاب. جاءت الرسالة بعد أشهر أخيرة مضطربة، حيث وقف أردوغان خلف معظم تلك الاضطرابات: التظاهرات التي انتشرت في جامعة بوغازيتشي، انسحاب أنقرة من معاهدة اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، تغيير آخر في حاكمية المصرف المركزي، دعوى قانونية لحل حزب الشعوب الديموقراطي، إدانة زعيم ذلك الحزب بإهانة أردوغان، واعتقال مسؤول آخر من الحزب نفسه. وطوال فترة الفوضى، كان على الأتراك التعامل مع اقتصاد متدهور مقترن بالريبة تجاه التمكن من التغلب على جائحة كورونا.

جنون ارتياب
أضاف كوك أن الروزنامة تشير إلى أن العالم هو حالياً في شهر أبريل (نيسان)، لكن أردوغان الحذر والمعاني من جنون الارتياب يركز على سنة 2023، سنة الانتخابات التشريعية والانتخابات العامة، حيث تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً في شعبيته وشعبية حزبه. نتيجة لذلك، ضغط أردوغان عدداً من أزرار الملفات الساخنة كي يزيد شعبيته.

انطلقت التظاهرات في جامعة بوغازيتشي المشهورة عالمياً حين عيّن أردوغان شخصاً غير كفوء ومتهماً بالسرقة الأدبية مديراً لها. رداً على ذلك، استخدمت الحكومة شرطة مكافحة الشغب ولامت نادي مجتمع الميم داخل الجامعة بالوقوف خلف التظاهرات. كان ذلك تعصباً أعمى لتعبئة المحافظين. وذكر كوك أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتاجر فيها أردوغان برهاب المثلية.

كدفاع عن خطوته بسحب بلاده من معاهدة اسطنبول، أعلن الرئيس التركي أن مجموعات اختطفت الاتفاق لتطبيع المثلية. كان الحزب الحاكم يبحث عن أصوات الرجعيين. فمنذ عشرة أعوام، أشرف أردوغان نفسه على التوقيع على المعاهدة مع ضجة كبيرة. على الرغم من أنه كان قد سلك فعلاً طريق الاستبداد في ذلك الوقت، بقي أردوغان مهتماً بتوجيه صورة عن أن حزبه وتركيا كانا تقدميين.

لا يريد سياسة نقدية عاقلة
قبل يوم على الانسحاب من معاهدة اسطنبول، أقال أردوغان حاكم البنك المركزي ناجي إقبال الذي كان قد مضى على تعيينه أربعة أشهر وحسب. كان جرم إقبال أنه رفع أسعار الفائدة في انعكاس لسياسة نقدية عاقلة. قبل تعيين إقبال، كانت تركيا تتنقل بين أزمة نقدية وأخرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة. عين أردوغان مكانه النائب السابق ومدير بنك خلق الرسمي والكاتب في صحيفة يني شفق الموالية لأردوغان شهاب كاوجب أوغلو.

كتب الأخير مقالات عدة عن أن رفع أسعار الفائدة يتسبب بالتضخم، وهو رأي يشبه طريقة تفكير الرئيس التركي. يبدو واضحاً بحسب كوك أن أردوغان نظر إلى الروزنامة وقرر أن سياساته تملي مقاربة غير مستقيمة على الرغم من الآثار التضخمية المصاحبة لها والأضرار الطويلة المدى الناجمة عنها.

أكبر بعبع
ينتقل كوك للكتابة عن محنة حزب الشعوب الديموقراطي الذي يشكل، بعد الغولنيين، أكبر بعبع بالنسبة إلى أردوغان. يعود ذلك إلى كون الحزب يحظى بجاذبية واسعة على الرغم من وصف الإعلام له بأنه كردي. في يونيو (حزيران) 2015، حصد الحزب 13% من التصويت الشعبي فدخل البرلمان وحرم الحزب الحاكم من الأكثرية النيابية المطلقة. لهذا السبب، قوض أردوغان المحادثات حول تأليف حكومة ائتلافية في ذلك الصيف فذهبت تركيا إلى انتخابات أخرى مكنت الحزب الحاكم من الفوز بها.

منذ ذلك الحين، سعى أردوغان لقطع رأس حزب الشعوب متهماً قيادته بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستاني. ومنذ 2016، سُجن المؤسس المشارك للحزب ومرشحه الرئاسي صلاح الدين دميرتاش بعد توجيه تهم إرهابية إليه. وحُكم عليه مؤخراً بالسجن لفترة أطول بسبب إهانة أردوغان. وحُرم النائب البارز عن الحزب عمر فاروق جرجلي أوغلو من حصانته في مارس (آذار) ثم اعتُقل لنشره وتعليقه على تغريدة في 2016 دعت الحكومة التركية إلى إعادة محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني.

ليست مصادفة
من الواضح أن الرئيس التركي قلق من حزب الشعوب الديموقراطي وقدرته على اكتساب المزيد من الأصوات مما يحرم حزب العدالة والتنمية من الغالبية المطلقة في 2023. ليست مصادفة أن يتقدم المدعون العامون في تركيا خلال الأسابيع الأخيرة بدعوى أمام المحكمة الدستورية من أجل حل الحزب بناء على تهم بدعمه الإرهاب. ردت المحكمة الدعوى لأسباب تقنية، لكن ذلك لن يكون نهاية القضية على الأرجح.

المفارقات بحسب كوك قد تكون أكبر من القدرة على تحملها. خلَفَ حزب العدالة والتنمية سلسلة من الأحزاب التي تم حلها وسجن قادتها، ولهذا السبب، أدخل الحزب إصلاحات حين وصل إلى الحكم من أجل تصعيب حل الأحزاب التي لا تعجب الحكومة. لكن ذلك بات من الماضي.

وسط تقهقره... هبة إلهية؟

يصعب من اليوم معرفة ما قد يحصل في انتخابات ستجري بعد سنتين، لكن من الواضح أن أردوغان يفتش عن كل مكسب بإمكانه تحصيله. أظهرت استطلاعات الرأي أن مساعيه لم تكن ناجحة، وفجأة، مثل هبة إلهية، كتب الأدميرالات المتقاعدون رسالة تسببت بخلاف سياسي بالنظر إلى هويتهم ومخاوفهم. سيتمحور الخطاب السياسي اليوم في تركيا حول الثنائية التالية: أنت مع أردوغان أو مع الانقلابيين. قد تكون الرسالة واحداً من تلك الأمور التي تقدم لأردوغان دفعاً سياسياً حتى ولو كان حكمه يتقهقر نحو المزيد من الإكراه والقمع، بما يؤيد مثلاً قديماً يقول إنه من الأفضل أن يكون المرء محظوظاً بدلاً من أن يكون طيباً.