الثلاثاء 27 أبريل 2021 / 13:15

غارديان: 10 أعوام من الفوضى في ليبيا تلخص سياسات القوى العظمى

ألقى الصحافي بيتر بيمونت في تقرير بصحيفة "غارديان" البريطانية الضوء على النزاع في ليبيا خلال العقد الماضي، مشيراً إلى تجاهل الدروس من سقوط الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي والصراعات التي أعقبت ذلك.

التدخل اعتبر في الأصل تدخلاً إنسانياً نموذجياً بموجب عقيدة المسؤولية عن الحماية. وبعد عامين تقريباً من سقوط القذافي، كان آلان كوبرمان في مجلة الأمن الدولي يصور ليبيا ليس كقصة نجاح بل نموذجاً للطريقة الخاطئة في التدخل

واستعاد الكاتب آخر أيام حكم القذافي، معتبراً أنها كانت مزيجاً من التحدي والهزيمة والموت.

وفي واحدة من آخر المرات التي ظهر فيها علناً في مارس (آذار) 2011، وصل الزعيم الذي أطيح به لاحقاً إلى مؤتمر الشعب في طرابلس،  وقد بدت عليه تجاعيد الشيخوخة، رفع القذافي قبضته قبل إلقاء خطاب مطول وغير منظم على "ممثلي الشعب" المجتمعين، قائلاً إن الليبيين "سيقاتلون حتى آخر رجل وامرأة" ضد الأجانب إذا تدخل الناتو.

عرض المال ودستور جديد، إذا تخلى المتمردون على حكمه عن قتالهم، وحمل "القاعدة" وجهات فاعلة أخرى مسؤولية التمرد، وحذر الليبيين من العودة "عبيداً مرة أخرى" إذا رحل.

وفي شوارع دولته البوليسية خارج مجلس الشعب وممثليه المطيعين، كان مفهوم القذافي عن الحرية أكثر وضوحاً، الذين أعلنوا معارضتهم اختفوا وقتلوا، ووضعت البلدات والمدن تحت الحصار.

بحلول(أغسطس) "اختفت" دائرته المقربة، وهربت من طرابلس، بعد أن دخلت طائرات حلف شمال الأطلسي بقيادة بريطانيا، وفرنسا الحرب، وقادت سيطرتها الجوية إلى عكس النتيجة بشكل حاسم لصالح المتمردين.

وفي أكتوبر(تشرين الأول)، ومع تشديد الخناق على المناطق القليلة الأخيرة التي كانت قواته تسيطر عليها في مدينة سرت، حاول القذافي الذي اختفى عن الأنظار، الخروج من الحصار، فقبض عليه، وقتل في النهاية أثناء اختبائه في أنبوب لمحطة صرف ميا.

وقال الكاتب إن تلك المعركة الأخيرة في سرت هي التي حددت ما أتى لاحقاً، بما في ذلك النزاعات الداخلية بين الشرق والغرب، والمدن المتنافسة.

ويعتقد الكاتب أن سفك الدماء في سوريا على مدى العقد الماضي طغى على المشهد، لذلك لم تُستخلص الدروس من سقوط القذافي والصراعات التي تلت ذلك. وألقى الصراع أيضاً بظلاله على العلاقات الدولية وعلى سمعة البعض.

وفي 2016، تحدث الرئيس الأسبق باراك أوباما عن خيبة أمله من الجهود الأوروبية التي أعقبت سقوط القذافي، مشيراً خاصةً إلى أن ديفيد كاميرون كان "مشتتاً" ما ساهم في "الفوضى" التي تلت ذلك.

وعن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فإن الخلاف كان أكثر شخصية وجدية، مع تورطه في اتهامات بأخذ أموال حملته الانتخابية من القذافي لانتخابه في 2007.

المسؤولية عن الحماية
ويذكر أن التدخل اعتبر في الأصل تدخلاً إنسانياً نموذجياً بموجب عقيدة المسؤولية عن الحماية. وبعد عامين تقريباً من سقوط القذافي، كان آلان كوبرمان في مجلة الأمن الدولي يصور ليبيا ليس كقصة نجاح بل نموذجاً للطريقة الخاطئة في التدخل.

ورأى الكاتب أن التوترات في ليبيا مقارنة مع دول العالم العربي، باستنثاء سوريا ربما، كانت دائماً مفهومة بشكل أقل من دوافع الانتفاضات في مصر، وتونس، حيث كانت هناك حركات سياسية.

وكان الخلاف في أعقاب سقوط القذافي أسرع من المتوقع. وسرعان ما تبعثر مخزون الأسلحة الكبير الذي كان يحتفظ به النظام ما ساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة الأوسع، وليس أقلها مالي.

أزمة هجرة
ونزح عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في ليبيا، الذين لم يعودوا محل ترحيب، في بداية أزمة هجرة معقدة حولت ليبيا إلى طريق إلى أوروبا والاتجار بالبشر على نطاق واسع. وأتاح الفراغ في السلطة ازدهار الجماعات الجهادية.

ووصفت زاهية الزبير المخاطر في 2012 في مجلة "فورين أفيرز"، قائلةً إن ليبيا مهددة بالانقسام وسط المنافسة بين الجماعات المسلحة. "التحدي الرئيسي لليبيا ... هو تجنب التقسيم، كما حدث في السودان، أو ما هو أسوأ، الصوملة حيث لا تستطيع الدولة السيطرة على الميليشيات المختلفة التي تفرض قوانينها الخاصة على أراضيها".

وفي بعض الأحيان، تسبب التصدع في العودة إلى حقبة ما قبل العصر الحديث لدول المدن التي كان لكل منها جيشها، وتحرسها نقاط التفتيش والبوابات التي تتألف من حاويات الشاحنات والخردة المعدنية.

وقالت كلوديا غازيني، المتخصصة في شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات والتي تابعت عن كثب الأحداث في البلاد على مدار العقد الماضي، إن إعدام القذافي دون محاكمة في سرت محاطاً بأعدائه وتصويره في مقطع فيديو مروع، لم يكن علامة على نهاية عنف الدولة في ليبيا، وإنما جعل العنف أكثر انتشارا.
وليس واضحاً إذا كان ممكناً يومها الإطاحة بنظام القذافي لولا تدخل الناتو.

وقالت إن "الدرس الكبير المستفاد هو أنه زرع بذور الفوضى التي أعقبت ذلك. وأدت الحجة المثالية للغاية والمسؤولية عن الحماية إلى تغيير كامل وعنيف للنظام، الطريقة التي قُتل بها القذافي بالرصاص رسخت فكرة أنه لا بأس بالقتل، فلا بأس من اقتحام أماكن مثل ترهونة، وبني وليد. تلك الثقافة مكنت الميليشيات من ضرب أي شخص تعتقد أنه مرتبط بالنظام".

وأشارت غازيني وآخرون إلى أن ليبيا تفتقر إلى أكثر الخطط سطحية بعد سقوط النظام، وانقسمت إلى ميليشيات إقليمية ومدنية، حاولت استخدام قوة أسلحتها لمساومة السلطة السياسية، بما في ذلك السيطرة على الوزارات. وأتاح لها ذلك وسيلة لزيادة التدخل الخارجي ونمو الجماعات الإسلامية العنيفة أيضاً.

إنهاء أي أمل في التغيير

في ورقة بحثية لموقع "تشاتام هاوس" قبل عامين عن الآثار الطويلة العنيفة لسقوط القذافي، قال جرجس فهمي إن تجربة ليبيا كانت لها أيضاً تداعيات واسعة لتحول البلدان من دول استبدادية.

واقترح أن "اللجوء إلى العنف هو أسرع وسيلة لإنهاء أي أمل في التغيير الديمقراطي.. فحتى عندما تنجح الجماعات المسلحة في إسقاط النظام، فإن وجودها يهدد المرحلة الانتقالية بعد ذلك، كما هو الحال في ليبيا".

شرق وغرب
وتسببت الجماعات التي حددتها الولاءات القبلية والإقليمية، في انقسام البلاد بين الشرق والغرب، وصارت تتنافس على الغنائم السياسية والمناطق الغنية بالموارد الطبيعية بما في ذلك المدن الرئيسية مثل مصراتة، والزنتان.

وكانت المنافسة بين شرق البلاد برقة وبنغازي، والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة في طرابلس في الغرب مزعزعة للاستقرار.

يخشى إسكندر العمراني، الخبير في شؤون المنطقة الآن مع مؤسسات المجتمع المفتوح في عمان، ضياع بعض الدروس فيما يراه أحياناً نقاشاً "غير أمين" ومحوراً بين الذين عارضوا التدخل في المقام الأول وبين أنصاره.

"يتجاهل الذين يشيرون إلى ظهور داعش وانهيار البلاد، أنه كان هناك خطر حقيقي لمذبحة من قوات القذافي في مركز الثوار، في بنغازي في 2011 وأن عدداً كبيراً من الليبيين كانوا يطالبون بالتدخل".

ويقول العمراني إنه بدل ذلك،  سيشعر كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم فلاديمير بوتين الذي دعم الدعوات للتدخل تحت شعار "مسؤولية الحماية" "بأنه خدع" بسبب ما تحول إلى تدخل لتغيير النظام.

ويضيف "ليبيا، على ما هي عليه، تلخص فوضى سياسات القوى العظمى كما هي الآن. لم تكن هناك قيادة دولية موحدة. لا توجد قيادة أمريكية بعد أن ابتعد الأمريكيون عن عملية السلام من 2014 إلى 2017. لم يكن هناك أي اهتمام باستثناء مكافحة الإرهاب".

ومع ذلك، فإن غازيني والعمراني أكثر تفاؤلاً بعملية السلام المتجددة التي تبرز السأم من الحرب في ليبيا بعد عقد من الصراعات.