أحد المسلحين في ليبيا (أرشيف)
أحد المسلحين في ليبيا (أرشيف)
الخميس 29 أبريل 2021 / 12:37

حتى لا تعود الحرب إلى ليبيا

الحبيب الأسود - العرب


الراغبون في اندلاع حرب جديدة في ليبيا كثر، من بينهم من لا يريدون للانتخابات أن تنتظم في موعدها المقرر للرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، ومن يبحثون عن مبرّرات للإبقاء على القوات التركية والمرتزقة داخل البلاد، ومن يرفضون لا فقط وجود المشير حفتر على رأس الجيش، وإنما وجود جيش وطني، ويطمحون إلى الاستعاضة عنه بحرس وطني لحماية الحدود والمنشآت، كما كان مخططاً منذ صيف 2011، يضاف إلى ذلك أمراء الحرب وأباطرة التهريب والجماعات الإرهابية والمتورطون في الفساد ونهب المال العام ولصوص النفط والاعتمادات.

على الرغم من كل ما قيل عن الاتفاق السياسي والتفاؤل بمقدم السلطات الجديدة المنتخبة من قبل ملتقى الحوار السياسي، وعلى الرغم من اتفاق جنيف وجهود اللجنة العسكرية المشتركة وقرارات مجلس الأمن والتوافقات الإقليمية والدولية، يبقى الوضع الأمني في ليبيا هشّاً وقرار وقف إطلاق النار النهائي قابلاً للاختراق في أي حين، ولاسيما في غياب قرار فعلي بتوحيد المؤسسة العسكرية وبتحقيق المصالحة وتفعيل العفو العام والإفراج عن السجناء والأسرى وعودة المهجّرين والنازحين، وفي ظل استمرار الحواجز النفسية والاجتماعية وخطاب الكراهية الذي لم تتراجع حدته وعدم التجاوب مع الدعوات الداخلية والخارجية لطي صفحة الماضي، ليستطيع قطار الحل السياسي السير على سكته نحو تنفيذ كافة بنوده.

كان من المنتظر أن ينعقد يوم الاثنين، اجتماع لمجلس الوزراء في بنغازي، برئاسة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وبحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبه عن إقليم طرابلس عبدالله اللافي، ولكن في آخر لحظة تم تأجيله إلى موعد غير مسمّى، والسبب ليس فقط وصول طائرة إلى مطار بنينا على متنها العشرات من مسلحي الميليشيات تم إرسالهم لتأمين وصول الدبيبة ووزرائه، على الرغم من أن سلطات المنطقة الشرقية نجحت خلال الأسابيع الماضية في تأمين الوافدين عليها بمن فيهم المنفي خلال زيارته إلى بنغازي والدبيبة خلال زيارته إلى طبرق.

ليس ما قاله الدبيبة عندما جالس عدداً من النازحين من شرق البلاد في إحدى مقاهي طرابلس من أن بنغازي ستعود إلى حضن الوطن، وهو ما فسّره البعض بأنه أراد القول بذلك إنها مختطفة من قبل الجيش، ولكنه (أي السبب) هو الافتقاد للوعي الحقيقي بأن الحل يجب أن يمر عبر الاعتراف المتبادل بكل الفاعلين الأساسيين في المشهد، حيث كان على الدبيبة، وكما اجتمع بالقيادات الميدانية في طرابلس وبأمراء الحرب في مصراتة، أن يحدد موعداً للاجتماع بالمشير حفتر القائد العام للقوة العسكرية التي تسيطر على كامل المنطقتين الشرقية والجنوبية وجزء مهم من المنطقة الوسطى، والذي كان له دور مهم في ما تم التوصل إليه من اتفاق سياسي في ملتقى الحوار بنسختيه التونسية والسويسرية، وذلك بشهادة ستيفاني وليامز نفسها، ولكن ذهاب الدبيبة إلى بنغازي دون تحديد موعد للقاء مع حفتر، أفقد الزيارة معناها وعصف بها جملة وتفصيلاً.

عندما بدأ الدبيبة في تشكيل حكومته اشترط على المترشحين أن تكون لهم القدرة على العمل في كافة أرجاء البلاد دون استثناء، ولكن صادف أن عجز عن عقد اجتماع لحكومته في بنغازي، واضطر إلى تأجيله، وهو يطرح سؤالاً مهماً: كيف سينجح في مهمته كرئيس للحكومة في كامل الأراضي الليبية إذا لم يكن مدعوماً من قبل قيادة الجيش الموجودة في شرق البلاد والتي كانت وفّرت له الإطار الأمني المناسب للحصول على ثقة البرلمان في مدينة سرت الخاضعة لقوات حفتر؟ وكيف سيحظى بهذا الدعم إن لم يكن يعترف بتلك القيادة؟ وما الذي يمنعه من الاجتماع بحفتر إذا كان يعترف بها؟

القضية ليست هنا فقط، فقبل أيام تحدثت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش في كلمة أمام البرلمان الإيطالي عن ضرورة مغادرة كل القوات الأجنبية والمرتزقة للبلاد، وهو حديث سبقتها إليه الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجامعة العربية والاتحادان الأوروبي والأفريقي والحكومة الأميركية وأغلب العواصم الغربية والدول العربية، وبات محل إجماع إقليمي ودولي، لكن قوى الإسلام السياسي وجماعة الضغط التركية في ليبيا وخارجها، شنت حملات عدائية موجهة ضد الوزيرة، وصلت إلى حد التخوين والتكفير والازدراء، والسبب أنها لم تستثن التدخل التركي وكأنه بات قدراً محتوماً أو دوراً مقدّساً لا يمكن المساس به، وهو ما يعني أن هناك من لا يزال يراهن على الحرب، وعلى مواصلة الانقسام، وخاصة للمؤسسة العسكرية التي لن تتجه إلى التوحيد طالما أن هناك مسلحين أجانب يدعمون هذا الطرف أو ذاك.

الهجوم غير المسبوق على المنقوش أكد أن هناك في الداخل الليبي من لا يريد أن يتعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته خارطة الطريق الأممية، ولا مع المستجدات الدولية ومنها قرار مجلس الأمن المعلن في الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري، تحت الفصل السابع المهدد بالتدخل المباشر، أو أن يدرك حجم التحولات في المنطقة والعالم، وإنما يحاول أن يبقى مستظلاً بحماية القوات التركية والمرتزقة، وهو ما يعني أنه يرفض موقف دبلوماسية بلاده المتجاوب مع المواقف الدولية في تبني خيار السلام، ويرغب في الحرب إن لم يكن يمهّد لها فعلاً.

لم ينته الصراع في ليبيا، وبالأخص أن هناك أطرافاً لا تدرك أن معركة السلام أصعب، ولذلك جعلت من وقف الإطلاق النار منطلقاً لحرب باردة قد تعود إلى الاشتعال ميدانياً في أيّ لحظة، والبعض لا يزال يمنّي النفس بالانقسام، وهذا البعض هو جماعة الإخوان التي ترى أن ليبيا لا تتسع لها وللجيش وحفتر معاً، وتعتقد أن المصالحة قد تشلّها عن الاستمرار في سياسة التمكين، وزعماء جهويون يتحدثون بمنطق التفوق وشرعية السيطرة على البلاد، وأمراء حرب غير قابلين للتفريط في مصالحهم، وانتهازيون لا يريدون للدولة أن تقوم ولا للسيادة أن تقام ولا للمجتمع أن يتجاوز حالة التمزق التي يواجهها منذ عشر سنوات.

تحتاج ليبيا اليوم إلى خطاب العقل قبل أن ينفرط العقل نهائياً، وإلى روح المغامرة الإيجابية لقطع الطريق أمام الساعين لتخريب العملية السياسية، وإلى التغاضي عن الآلام والجراح وطيّ صفحة الماضي، وإلى التقدم بمنطق سلام الشجعان لمواجهة رواسب الحرب والصراعات، وعدم الاستماع إلى خطاب الإخوان الذين لا يريدون للحل السياسي أن يتحقق إلا بما يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم، فإذا لم يجدوه كذلك، عملوا على عرقلته ولو أدى الأمر إلى تجزئة الوطن، فإقليم صغير يسيطرون عليه أفضل عندهم من وطن شاسع خارج السيطرة.