بولنديون يتظاهرون ضد الاتحاد الأوروبي في فرصوفيا (أرشيف)
بولنديون يتظاهرون ضد الاتحاد الأوروبي في فرصوفيا (أرشيف)
الثلاثاء 4 مايو 2021 / 12:59

الغرب يصمم حذاء الديمقراطية على قياس قدمه!

عبدالمنعم ابراهيم - أخبار الخليج

كتابات وأقلام كثيرة توقفت أمام التناقضات السياسية التي تقع فيها الكثير من الأنظمة الأوروبية، وكذلك تناقضات السياسة الأمريكية في العالم. فمثلا تنتاب الدهشة كثيراً من الشعوب وأيضا الحكومات في الخليج والوطن العربي حين تجد السياسة الأمريكية، أو البريطانية، أو الأوروبية تقف ضد مصالح هذه الدول رغم تصنيف أمريكا، أو بريطانيا، أو أوروبا لحكومات هذه الدول العربية بأنها دول حليفة أو دول صديقة!

لكن يبدو أن هذا ليس شعورنا نحن العرب إزاء هذه التناقضات السياسية التي يتخذها الغرب ضد الآخرين حتى وإن كانوا أصدقاء، لأن هذا الشعور السياسي صار موجودا حاليا لدى الشعوب الأوروبية الشرقية التي تحررت عام 1989 من الهيمنة الشيوعية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وصارت تشعر بخيبة الأمل من النظام الليبرالي الجديد.

نشرت "أخبار الخليج" يوم أمس مقالة مترجمة للكاتب لور ماندفيل في صحيفة لوفيغارو الفرنسية تحت عنوان "هل فقد الغرب بريقه"؟ قالت فيها: "عندما انهار جدار برلين وتساقطت أوراق البيت الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي سنة 1989 قرر الكثير من الأوروبيين الشرقيين أن الغرب هو الملاذ والوجهة التي سوف توفر لهم المفتاح الذي سيمكنهم من إعادة البناء الأخلاقي والمعنوي والسياسي والاقتصادي في مجتمعاتهم المتكلسة والحبيسة تحت أنقاض الاتحاد السوفيتي، لذلك استوردت من الأخ الأكبر أي الغرب كل شيء تقريبا من إصلاحات ودساتير ونماذج اقتصادية وغيرها من القوالب الغربية الأخرى.. ما الذي حدث لتشعر دول أوروبا الشرقية وشعوبها بخيبة أمل ومرارة بعد مرور ثلاثة عقود على نهاية الحرب الباردة، وسقوط جدار برلين وتفكك الإمبراطورية السوفيتية؟

تستشهد الكاتبة لور ماندفيل بكتاب للفيلسوف البولندي ريزارد ليجوتكو "الشيطان في الديمقراطية" انتقد فيه الديمقراطيات الليبرالية الغربية وأبرز فيه شعور الخيبة الذي انتاب أغلب الأوروبيين الشرقيين، فقد أدركوا أن الغرب عامة، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، ليسا بالقوة التي كانوا يتصورونها.

والأسوأ من ذلك أن بولندا، والمجر، وجمهورية التشيك قد اكتشفت أن الحكام في الغرب الذين يشيدون بالتعددية الثقافية، ويؤيدون الهجرة ويباركون العولمة يحلمون بعالم ما بعد القومية، وهي المسألة التي تسببت في هوة ما بين الشرق والغرب، بل في داخل الغرب نفسه الذي يواجه بدوره تنامي حركات الشعبوية والمدافعين عن سيادة الدولة، وظلت التوترات تتفاقم ما بين البلدان الغربية وبلدان أوروبا الشرقية في ظل المخاض الأيديولوجي الذي يشق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تحت تصاعد ضغط اليسار الراديكالي ودعاة ثقافة الإلغاء.

وترى الكاتبة أن الشعارات التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية والتنوع والتعددية التي تنتشر في الغرب تُخفي وراءها في الحقيقة "ذهنية الفكر الواحد" الذي يتدخل في أدق تفاصيل وثنايا الحياة الخاصة، فضلا عن تقلص مساحة التنوع، وأن الأحزاب السياسية تكاد تشبه بعضها البعض وفي ظل الأنظمة الشيوعية كانت التهم الجاهزة التي يوصم بها المعارضون هي الرجعية، والمثالية إلى حد الخيانة، أما اليوم فإن قائمة جرائم الفكر في ظل الأنظمة الديمقراطية الغربية تشمل كراهية المرأة، والتمييز على أساس الجنس ما بين الرجل والمرأة وغيرها، فالإنسانية لم تعرف منذ قدم التغيير سوى الثنائية الذكر والأنثى.

أما الليبراليون فقد صنفوا البشرية إلى أكثر من ذكر، وأنثى، وهو ما يعني تدمير الأطر والهياكل الاجتماعية في المقام الأول، في الحقيقة فإن الليبراليين يرفعون شعار التعددية لكنهم ينظرون في الحقيقة إلى مجتمع نمطي يكرسون فيه الرؤية الواحدة للفرد والمجتمع.

يعتبر المؤلف ريزارد ليجوتكو أن سياسات القوة والنفوذ التي ينتهجها الغرب أصبحت تولد سياسات مناهضة له في مناطق عديدة من العالم، ويرى أن الدول والمجتمعات التي هيمن عليها الغرب بشكل أو بآخر على مدى العقود الماضية باتت تبحث عن الثأر ورد الاعتبار، فهي تعتبر أنه يجب على الغربيين بعد اليوم ألا يسعوا لفرض أنماطهم الفكرية عليها، وهو ما قد يفسر ما اعتبره البعض تراجع جاذبية الغرب.

خلاصة الحديث، أن أمريكا، وبعض الدول الأوروبية، وبريطانيا، تريد إرغام الشعوب والدول الأخرى على الالتزام بمفهومها هي للديمقراطية، ومفهومها هي للحرية، والمساواة، والعدالة. بعيداً عن خصوصية وتراث وثقافة هذه الشعوب! فأين التعددية في ذلك؟!

الغرب يصمم حذاء الديمقراطية على قياس قدمه!