الثلاثاء 4 مايو 2021 / 22:56

جائزة الشيخ زايد.. قِبلة أنظار الكتاب والمفكرين

عبده وازن- النهار العربي

ليس المهم أن يتراجع الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس (91 عاماً) عن موافقته على قبول جائزة الشيخ زايد، التي اختارته "شخصية العام الثقافية" لعام 2021، في 30 أبريل (نيسان) تقديراً "لمسيرة مهنية طويلة تمتد لأكثر من نصف قرن".

ثمة كتّاب قبله رفضوا جوائز كبيرة، ومنهم جان بول سارتر الذي رفض جائزة نوبل العالمية عندما مُنحت له عام 1964، ثم لم يلبث أن طالب الأكاديمية السويدية بقيمتها المادية فقط.

المهم في قضية هابرماس هو سبب تراجعه هذا، بعدما كان قد رحّب بالفوز بالجائزة، وقد شجعه على الأمر ابنه الذي حدّثه عن الحياة المتقدمة والحديثة في دبي وأبو ظبي وحمّسه حتى على زيارتهما.

وبعيداً عن ردود الفعل السلبية والإيجابية التي سوف ينساها الناس لاحقاً، لا بد من طرح سؤال أساسي: لماذا تراجع هابرماس، فيلسوف التواصل والحوار، عن قبوله بنيل الجائزة التي تعدّ أكبر جائزة عربية؟ هل اقتنع فعلاً بما كتبه الصحافي ديتمار بيبر في موقع ديرشبيغل، وهو يعلم أن هذا الصحافي ليس معروفاً في الصحافة الثقافية والأدبية تحديداً، كما قيل؟

وهو يعلم أيضاً أن إدارة الجائزة اختارته شخصية العام 2021 بعدما قرّرت أن تكون ألمانيا ضيف الشرف في معرض أبو ظبي العالمي للكتاب، فيأتي فوزه تتويجاً لهذا الحدث الثقافي الذي انطلقت فكرته هذا العام، على أن يتم في العام المقبل، بسبب انتشار جائحة كورونا.

واللافت أن جائزة الشيخ زايد أضيفت الى سائر الجوائز المدرجة في سيرته الشاملة المنشورة في الويكيبيديا باللغة الألمانية ولم تحذف حتى الآن.

لعلّ الذريعة التي أوردها موقع صحيفة دير شبيغل قد تكون عادية جداً وتندرج في سياق الكلام العام، ولا تشكل حافزاً على تراجع هابرماس عن نيل الجائزة التي تحمل اسم مؤسّس دولة الإمارات والمعروف بدعوته الدائمة الى التسامح والحوار، اللذين أصبحا شعاراً إماراتياً وعربياً ودولياً.

وهذا ما أوحى به التصريح المفاجئ الذي أدلى به مدير معرض فرانكفورت يورغن بوس، أمس الاثنين، إلى موقع دير شبيغل، ردًّا على تراجع هابرماس، وأوضح فيه ملابسات القضية.

وبدا تصريحه كأنّه خير ردّ على ما دار من كلام أخيراً، خصوصاً أنه يدير معرضاً هو أهم معرض عالمي للكتاب، ويلمّ بقضايا النشر العالمي، إضافة إلى كونه عضواً في المجلس الاستشاري لجائزة الشيخ زايد، ما سمح له بالاطلاع عن كثب، على أبعاد الجائزة وأهدافها.

وبدا بوس شجاعاً في دفاعه عن الجائزة وما تمثّل من قيم مستمدّة من روحية الشيخ زايد. وقال بوس: "بالطبع أنا أقبل بقرار السيد هابرماس، ولكن من المؤسف فعلاً سماع هذا القرار، فمنح هابرماس الجائزة، كان من شأنه أن يكون مناسبة للتعريف بنتاجه المهم وبمواقفه تعريفاً أفضل، في المجال الثقافي العربي. وقد تمّت ترجمة كتبه الى اللغة العربية ويعمل المترجمون الشباب على مواصلة ترجمته".

وأضاف بوس: "طبعاً هناك نقاش للواقع السياسي، ولكن يمكننا تمثيل القيم الديمقراطية تمثيلاً أفضل إذا أظهرنا حضورنا، عوض أن نترك المسافة تزداد". وقال: "الإمارات دولة في حال من الحركة ولا يزال أمامها طريق طويل لتجتازه".

وتحدّث عن الشراكة الدائمة بين معرض فرانكفورت ومعرض أبوظبي وما نجم عنها من رؤية متطورة في عالم الكتاب، مشيراً الى أنّه كان لا بد من تكريم مفكّر ألماني ترافقاً مع الاحتفال بألمانيا كضيف شرف في معرض أبو ظبي.

وكان اختيار هابرماس للفوز بالجائزة تقديراً لموقعه كفيلسوف وعالم اجتماع، فهو من أبرز الفلاسفة الألمان الأحياء منذ النصف الثاني للقرن العشرين، وعرف بارتباطه بالإرث النظري لما يُعرف بمدرسة فرانكفورت وفكرها النقدي في النظرية الاجتماعية. وله مفهوم نظري خاص يُعرف بنظرية الفعل التواصلي.
ويبلغ عدد كتبه في مجالات الفلسفة والنظرية الاجتماعية نحو خمسين كتاباً، وقد ترجم معظمها الى لغات عدة، ما جعل أثره واضحاً في الحركات الفكرية الحداثية وما بعد الحداثية.

وقد وصفته دائرة معارف ستانفورد الفلسفية بأنه واحدٌ من أكثر الفلاسفة تأثيراً في العالم. وترجمت كتب له الى العربية، وكذلك بعض الكتب التي تناولت فلسفته، ودخل الجامعات العربية وكان فكره مادة لشهادات أكاديمية. ومن كتبه المترجمة الى العربية: "الأخلاق والتواصل"، "المعرفة والمصلحة"، "أخلاقيات الحوار"، "العلم والتقنية كأيديولوجيا"، "الخطاب الفلسفي للحداثة"، "نظرية الفعل التواصلي" وسواها. وفاز هابرماس سابقاً بجوائز عدة، من أبرزها: جائزة السلام الألمانية (2001)، جائزة إيرازموس الهولندية (2013)، جائزة جون كلوغ الدولية التي تبلغ قيمتها المادية مليوناً ونصف مليون دولار (2015)، وسواها.

غير أن الموقع الرسمي لجائزة الشيخ زايد كان حكيماً جداً في إصداره بياناً، بعد انتشار خبر اعتذار هابرماس، أعرب فيه عن أسف القائمين على الجائزة لتراجعه "عن قبوله المسبق للجائزة"، مضيفاً أن الجائزة "تحترم قراره"، فهي تجسد "قيم التسامح والمعرفة والإبداع وبناء الجسور بين الثقافات، وستواصل أداء هذه الرسالة".

وعبّر هذا البيان المختصر عن الإرادة الصلبة التي تملكها إدارة الجائزة، وعن إيمانها بحرية الآخر في إبداء موقفه والتعبير عن رأيه. فهي بحق، كما يفيد بيانها التأسيسي، "جائزة مستقلة، تُمنح كل سنة لصنّاع الثقافة، والمفكّرين، والمبدعين، والناشرين، والشباب، عن مساهماتهم في مجالات التنمية، والتأليف، والترجمة في العلوم الإنسانية التي لها أثر واضح في إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية، وذلك وفق معاييرَ علمية وموضوعية".

وقد فازت بها حتى الآن نخبة عربية وعالمية كبيرة، تملك حضوراً بارزاً في المعترك الثقافي والمعرفي، العربي والعالمي.

وباتت هذه الجائزة تشكل قبلة أنظار الكتاب والمفكرين، فهي من أرقى الجوائز العربية، معنوياً ومادياً، وقد دخلت الساحة العالمية من بابها الواسع. وأصلاً باتت الإمارات في ما تمنح من جوائز إضافية، مثل الجائزة العالمية للرواية العربية أو "البوكر" العربية، وجائزة سلطان بن علي العويس وسواهما، من أكثر الدول العربية رعاية للأدب العربي الحديث وانفتاحاً على الأجيال العربية الجديدة.