الخميس 6 مايو 2021 / 11:27

تقرير أمريكي: الانسحاب من أفغانستان انتصار للإرهاببين حول العالم

رأى الباحثان الأمريكيان بروس هوفمان وجايكوب واير أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيُعتبر هزيمة، ويُقدّم انتصاراً للإرهابيين في جميع أنحاء العالم، ويعزز معنويات الخصوم الذين يستفيدون من ضعف الولايات المتحدة.

بدلاً من الاهتمام بالمخاطر الحالية أو التحذيرات السابقة، يبدو أن الرئيس جو بايدن، مثل سلفه الرئيس ترامب، أكثر اهتماماً برأس المال السياسي الذي يجب تجنّبه من إنهاء أطول حرب في أمريكا

وقال الباحثان، في تحليل لموقع "وور اون ذا روكس"، إن الانسحاب الأمريكي من ذلك البلد يجب أن يكون سبباً للابتهاج، لكن الظروف في البلاد اليوم، والسجل التاريخي للانسحابات الأمريكية السابقة من صراعات مماثلة، تشير إلى أنها لن تؤدي إلا إلى المزيد من المشاكل.

وأضافا أن إثبات خطأ "طالبان" ليس قراراً لا يمكن تحمله سياسياً، إذ لا يتطلب الأمر سوى الاحتفاظ بآلاف من أفراد العمليات الخاصة والاستخبارات ودعم النخبة في أفغانستان. وبخلاف ذلك، يكمن الخطر في أن هذه ستكون المرة الرابعة خلال عقود عديدة، التي يشجع فيها انسحاب عسكري أمريكي الإرهابيين من خلال إظهار ضعف تصميم الولايات المتحدة. واستشهدا بأن مغادرة أمريكا بيروت عام 1983، ومقديشو بعد عقد من الزمن، والعراق في عام 2011، أدت إلى المزيد من الإرهاب.

الانسحاب الأمريكي من بيروت
واعتبر الباحثان أن احداً لم يفهم أهمية الانسحابات الأمريكية السابقة أفضل من أسامة بن لادن، الذي ذكر في مقابلة في العام 1997، أن مقتل 241 من مشاة البحرية الأمريكية في تفجير ثكنة بيروت، أجبر الرئيس رونالد ريغان على الانسحاب من لبنان في غضون خمسة أشهر، ما أدى إلى انهيار القوة متعددة الجنسيات في لبنان، وأغرق لبنان في مزيد من الفوضى.

ووفقاً للباحثان، كان "حزب الله" اللبناني المستفيد الرئيسي، وهو ما ألهم في العقود التي تلت الانسحاب الامريكي من بيروت، قادة ومجموعات إرهابية أخرى، بما في ذلك بن لادن و"القاعدة".

وفي الصومال
وبحلول عام 1993، شارك الجيش الأمريكي في مهمة الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار في الصومال وإطعام المواطنين الجائعين المتورطين في الحرب الأهلية. لكن في اكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، فشلت خطة لإلقاء القبض على مسؤول رواتب أمير حرب محلي بشكل كارثي، حيث قُتل خمسة عشر عنصراً في الجيش الأمريكي وثلاثة من جنود قوة "دلتا".

وفي بعض اللقطات الأكثر إثارة التي تم بثّها على الهواء مباشرة، عُرض طيار جريح تابع للجيش الأمريكي في شوارع مقديشو من قبل حشد من الغوغائين يحملون السلاح. وفي محاولة لاستباق الانتقادات من الكونغرس ووسائل الإعلام والجمهور الأمريكي، حدد الرئيس بيل كلينتون تاريخ 31 مارس (آذار) 1994، موعداً لانسحاب جميع القوات الأمريكية من الصومال، بغض النظر عما إذا كانت مهمة المساعدات الإنسانية متعددة الجنسيات بقيادة الأمم المتحدة قد نجحت.

بن لادن وخطة 11 سبتمبر
لقد تدرّب أعضاء من "القاعدة" وقاتلوا إلى جانب رجال الميليشيات الصومالية في ذلك اليوم المشؤوم في مقديشو. وحسب تفكير بن لادن، كان الأمر يتطلّب مشهداً مماثلاً لما جرى في لبنان أي قتل عدد من الجنود الأمريكيين لاخراج واشنطن من الصومال. وبالفعل، بعد عقد من الزمن، أدى فقدان عدد قليل من الجنود الأمريكيين إلى رد فعل مماثل.

واعتقد بن لادن أنه إذا كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة تتأثر بعدد من القتلى العسكريين في منطقة راكدة في شرق إفريقيا، يمكن أن يؤدي قتل الآلاف من المدنيين في الولايات المتحدة نفسها إلى تغييرات كبيرة في البلاد.
وهكذا، تبلورت خطة أحداث 11 سبتمبر (ايلول) بناء على الضعف الأمريكي الذي ظهر في أحداث بيروت ومقديشو.

ويُجادل بعض المُحلّلين بأن الولايات المتحدة لم تأخذ الإرهاب على محمل الجد في التسعينيات، ولكن منذ ذلك الحين، قامت ببناء بيروقراطية ضخمة لمكافحة الإرهاب تجعل البقاء في أفغانستان أمراً غير ضروري. وتظن واشنطن أنها يمكن أن تحمي أراضيها من خلال تكثيف عمل الاستخبارات وقوات العمليات الخاصة والذخائر الموجّهة بدقة. فباستخدام هذه الموارد، ستكون الأصول العسكرية والاستخبارية قادرة على تحديد ومعالجة أي تهديدات جديدة بسرعة.

العراق والاستغلال الإرهابي
كان هذا أيضاً هو المنطق وراء انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، لكن سرعان ما شعرت واشنطن بالعواقب الوخيمة مع صعود تنظيم "داعش". وكانت واشنطن على ثقة بقدراتها على مكافحة الإرهاب، وقلّلت من شأن الشكل الإرهابي الجديد الذي واجهته. كما حدث مع "حزب الله" في الثمانينيات و"القاعدة" في التسعينيات، حيث أثبتت النتائج أنها مأساوية.

مرة أخرى، خلقت الرغبة في فكّ الارتباط ظروفاً مهيأة للاستغلال الإرهابي، حيث ملأت الجماعات المتطرفة الجديدة الفراغ في العراق. إن رفض الرئيس باراك أوباما لتنظيم "داعش" الوليد، الذي غزا غرب العراق واقتحم الحدود إلى سوريا، سرعان ما ألهم التنظيم لشنّ سلسلة من الهجمات الداخلية في دول غربية متعددة. وفي غضون أشهر، انجرّ التحالف الدولي ضدّ "داعش" إلى فوضى الصراع في الشرق الأوسط.

"طالبان" والتهديد الوجودي

واليوم في أفغانستان، تُقلّل الولايات المتحدة من شأن التهديد الذي تُشكّله "طالبان" وإن كان الوضع في أفغانستان أكثر خطورة. فعندما انسحبت أمريكا من العراق، لم يكن هناك خصم إرهابي واحد قادر على الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي في بغداد. ولكن "طالبان" تمتلك هذه القدرة، ولا تُخفي نيتها إعادة فرض الحكم الديني على أفغانستان. لذلك، فإن الحركة تُشكّل تهديداً وجودياً لحكومة الرئيس أشرف غني المنتخبة ديمقراطياً. علاوة على ذلك، فإن تحالفات "طالبان" الطويلة والوثيقة مع "القاعدة" وشبكة "حقاني" وحركة "طالبان" الباكستانية تمنحها قدرات هجومية إضافية لم تكن موجودة في العراق إبان انسحاب الولايات المتحدة عام 2011.

واعتبر الباحثان أنه انطلاقاً من هذه الخلفية، هناك نوعان من المخاطر المرتبطة بانسحاب أمريكا من أفغانستان.

التهديد الارهابي لا يزال قائماً
أولاً: إن التهديد الإرهابي الذي استدعى غزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، لا يزال قائماً. "القاعدة" لم يهزم، وتشير علاقته الحميمة والطويلة الأمد مع "طالبان"، إلى أن التنظيم سيكون المستفيد من المكاسب الإقليمية والسياسية التي يستعد شركاؤه الأفغان لتحقيقها في مرحلة ما بعد الولايات المتحدة.

في العام 2019، وبينما كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة تجري على قدم وساق، ورد أن قادة "طالبان" سعوا شخصياً إلى طمأنة حمزة بن لادن ولي عهد "القاعدة"، بأن الإمارة الإسلامية لن تقطع علاقاتها التاريخية مع التنظيم بأي ثمن.

وقال الباحثان: "حتى إذا أوفت طالبان بوعدها بكبح جماح القاعدة في مهاجمة الولايات المتحدة والغرب من قاعدة أفغانية، فإن هذا لا يمنع القاعدة من استخدام أفغانستان لزعزعة استقرار هذه المنطقة شديدة الاضطراب بالفعل".

في عام 2008، أدت سلسلة من الهجمات الانتحارية المنسّقة في مومباي من قبل "عسكر طيبة"-حليف مقرب آخر لـ"القاعدة"- إلى وصول الهند وباكستان إلى شفا حرب نووية.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن أحدث فروع "القاعدة" يركّز على جنوب آسيا بشكل عام وكشمير على وجه التحديد.
ورجّح الباحثان أن يتضاءل استغلال موارد مكافحة الإرهاب الأمريكية في المستقبل، ما يجعل إدارة التهديد من بعيد أكثر ضعفاً.

"أفغانستان الآن ليست سوى واحدة من العديد من النقاط الساخنة للإرهاب حول العالم، والتي يبدو أنها تتكاثر". على سبيل المثال، تتدهور الأوضاع الأمنية في موزمبيق والساحل، بينما تُثير الاشتباكات الطائفية في إيرلندا الشمالية مخاوف من عودة الاضطرابات. أما في الداخل الأمريكي، فينتشر الإرهاب اليميني المتطرف، فحتى لو وجدت وكالات الاستخبارات الأمريكية طرقاً لإدارة الملاذات الآمنة للإرهابيين بشكل فعال دون وجود ميداني على الأرض، سيتضاءل انتباههم ويقظتهم.

إضعاف واشنطن أمام منافسيها
ثانياً: الانسحاب من أفغانستان سيضعف واشنطن أمام منافسيها، إذ تتحول الولايات المتحدة، عن صواب أو خطأ، من إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب إلى موقف تنافسي بين القوى العظمى، حيث أعطت الصين الأولوية لترسيخ نفسها في السياقات المحلية لسنوات، بينما كانت روسيا وإيران تمارسان استراتيجياتهما الحربية غير النظامية في أوكرانيا واليمن، والأكثر عدوانية في سوريا.

واستلهمت الميليشيات العراقية الشيعية المدعومة من إيران نجاح "طالبان"، حيث ذكر قيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحقّ"، أن "الطريقة الأفغانية هي الوسيلة الوحيدة لجعل الولايات المتحدة تغادر العراق".
واعتبر الباحثان أن "كل نكسة عسكرية- سواء في لبنان أو الصومال أو العراق أو أفغانستان- تُضيء الطريق أمام الخصوم الذين يرون أنه يمكنهم هزيمة الولايات المتحدة. ليس من قبيل المصادفة أن تقدّم روسيا الدعم لطالبان، بهدف المساعدة في استنزاف طاقة أمريكا وروحها وتشجيع انسحابها من المنطقة".

بايدن ورأس المال السياسي

ومع ذلك، رأى الباحثان أنه "بدلاً من الاهتمام بالمخاطر الحالية أو التحذيرات السابقة، يبدو أن الرئيس جو بايدن، مثل سلفه الرئيس ترامب، أكثر اهتماماً برأس المال السياسي الذي يجب تجنّبه من إنهاء أطول حرب في أمريكا". وأضافا أنه "كما هو الحال في بيروت ومقديشو، تبدو واشنطن راضية إلى حد كبير عن أن جنودها العسكريين لن يكونوا بمرمى الخطر"، مشيرين إلى أن قرار الإبقاء على وحدة صغيرة من القوات الأمريكية في أفغانستان سيكون له تأثير مضاعف للقوة، إذ سيوفّر فرصة فورية للتعامل مع أي تهديد إرهابي خطير من خلال تعزيز الحكومة الأفغانية وتحسين قواتها الأمنية. كما سيكون الحفاظ على وجود محدود للنخبة في دولة تشترك حدودها مع الصين في حماية المصالح الإستراتيجية لأمريكا مع اشتداد "الحرب الباردة الجديدة".

واعتبر الكاتبان أن "التخلّي عن أفغانستان لن يساعد في مكافحة الإرهاب"، ولا في منافسة القوى العظمى أيضاً"، مضيفين أنه "لا توجد خيارات مثالية أمام أمريكا، ولكن بدلاً من إدارة ظهرها لأفغانستان، ينبغي على واشنطن أن تحوّل خطابها في الحرب العالمية على الإرهاب بعيداً من الفوز والخسارة بل نحو الإدارة والقبول".

وخلصا إلى أن الاحتفاظ بعدد صغير من قوات النخبة في أفغانستان، سيؤدي إلى "إبقاء كل من طالبان والقاعدة في وضع حرج في البلاد، مع حماية قاعدة عمليات متقدّمة في الصين وعلى مقربة من روسيا".