الخميس 6 مايو 2021 / 11:08

هابرماس والجائزة "عطب في التواصل"!

الشرق الأوسط: فهد سليمان الشقيران

لم يكن من اللائق على فيلسوف كبير مثل يورغن هابرماس أن يعتذر عن عدم تسلم جائزة الشيخ زايد بعد أن أعلن استعداده لقبولها، وبعد إرساله لفريق الجائزة إجابة فيها كثير من مضامين القبول والامتنان والترحيب!

هابرماس قدّم تسبيباً غريباً في رسالته للاعتذار، ومضمونها مشوه ومريب وغير دقيق، كان يمكن للفيلسوف التسعيني أن يقرأ عن الإمارات بطريقة محايدة من دون الاضطرار لقراءة كراريس جائرة وغير عادلة قدمت له.

معروف أن هابرماس، وهو آخر سلالة مدرسة فرانكفورت، له ميله لخطابات يسارية شعبوية، تؤله الديمقراطية، وتقدس الصناديق، رغم أن له كتاباً عن "الحداثة وخطابها السياسي" ضمنها فصلاً عن الديمقراطية بعنوان "التشكيلة ما بعد القومية ومستقبل الديمقراطية" يقول فيه: "المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية، وهي الحكم الذاتي والشعب والموافقة والتمثيل والسيادة الشعبية، صارت بوضوح إشكاليات" (ص 124)، بل قدم نقداً لخطاب الديمقراطية التقليدي، ولكنه في رسالة الاعتذار يعود لذات اللغة ويتراجع من دون الشعور بضرورة فهم أعمق للدول الملكية في الخليج، والتي تمثل ذروة التنمية في الشرق الأوسط.

هابرماس في بيانه نقض أسس التواصل التي تقوم عليها مجموع نظرياته في الفلسفة والاجتماع، إذ التواصل بطبيعته عبارة عن تلاقي الأضداد أكثر من تلاقي الأشباه، والتواصل عملية يصنفها بأنها من ذروات التشكيل الاجتماعي، ومن الأسس التي تبنى عليها المعرفة.

يحسب لهابرماس أنه أعاد سؤال جدوى نظرية التواصل في منعطف تاريخي، إذ تساءل بعد 11 سبتمبر (أيلول) عن مدى إمكانية بقاء هذه النظرية وقدرتها على الاستمرار. واليوم هابرماس يقوم بإصدار بيان هجائي بني على معلومات خاطئة، بل جائرة، ضد دولة الإمارات التي حققت منجزات كبرى على مستوى التواصل الذي هو مشروع هابرماس الأساسي منذ دراساته الأكاديمية الأولى. لا يمكن وصف البيان إلا بأنه عطب في التواصل بين هابرماس وبين الفاعلين الثقافيين والمؤسسات التنويرية الإماراتية، هنا يقف "هابرماس ضد هابرماس" كما في عنوان كتاب كارل أوتو آبل عنه "التفكير مع هابرماس ضد هابرماس".

لقد قدمت الإمارات نماذج عليا في التواصل الأممي على المستوى الاجتماعي، ودعمت قيم التسامح من أعلى هرم القيادة، ورعت اتفاقيات مهمة بين الأديان لتخفيف حدة التنافر والكراهية في هذا العالم.

لم يكلف الفيلسوف هابرماس نفسه عناء الاطلاع الحقيقي على ما يجري، ليته تمعن في إطلاق تلك الأحكام الجاهزة كما فعل حين درس، تريث ودرس علاقة هايدغر بالنازية؛ حيث خصص كتاباً بعنوان "هايدغر والنازية - التأويل الفلسفي والإلزام السياسي" عرج فيه على انتماء هايدغر للنازية بطريقة مفصلة وقدم تبريرات موضوعية من مثل قوله: "مؤلف هايدغر (الوجود والزمان) يحتل مكانة بارزة في الفكر الفلسفي لقرننا، بحيث سيكون من غير اللائق افتراض أن جوهر مثل هذا العمل سيكون عرضة للتحقير، بعد 5 عقود بسبب تقديرات سياسية موجودة لدينا تجاه الإلزام السياسي لمؤلفه" (ص 17).

بعد إعلان صدور كتاب هابرماس "مرة أخرى تاريخ الفلسفة - Auch eine Geschichte der Philosophie" منتصف العام الماضي، تواصلت مع بروفيسور عربي قدير متخصص بالفلسفة، وكان الحديث مركزاً عن مستوى الاستقطاب السياسي في محيطنا للمنتج الفلسفي، وضرب أمثلة على مشروعات ترجمة تُرعى حكومياً لدى دول قريبة، تبرم عقود الترجمات الفلسفية بمبالغ مجزية، والغرض من ذلك ليس معرفياً بالضرورة، وإنما له أهدافه السياسية، لا يمكن أن نجزم بمستوى نفوذ هذا المركز البحثي أو ذاك لتوجيه رأي فيلسوف معين، لكننا نقوم بالتحليل بناءً على التجارب التي خبرناها.

كثير من مراكز البحوث المناوئة للإمارات لديها لوبيات متغلغلة في عدد من المؤسسات الأوروبية، هدفها التشويش على المنجز بطريقة لا يشعر معها المؤثر عليه أن في الأمر ضغينة سياسية، أو أي هدف عدواني، إذ تدار المعارك من خلال الملفات والبيانات والورش، ولا يستبعد أن بعض المراكز ذات النفوذ العالي على الوسط الفلسفي لها قدرتها على التقليل من التفوق الإماراتي واستهداف تنميته.

هابرماس يقول؛ إنه قبل الجائزة "بعد سماع شرح من مدير معرض فرانكفورت للكتاب، ومن عضو اللجنة العلمية لجائزة الشيخ زايد"، وذلك بحسب رسالته المنشورة في موقع "شبيغل أون لاين"، وعليه فإن ثمة من استمال هابرماس لوجهة نظر متطرفة عن الإمارات، وبخاصة أنه يصعّد عند حديثه عن الحريات أو الديمقراطية والشكل السياسي، وهذا لا يشرح فقط تجنيه الكبير على الإمارات، بل يوضح نقص فهم هابرماس لطبيعة الأنظمة السياسية الملكية في الشرق الأوسط. كيف يمكن لفيلسوف التواصل في العالم، والذي كتب كثيراً من المجلدات عن نظريته، أن ينفي بجرّة قلمٍ منجز دولة من دون الشعور بالاضطرار للقراءة عن البلد أو السؤال والتدقيق؟!

إن اعتذار هابرماس مجرد عنوان لمعركة ليست سهلة تدار من قبل مراكز دراسات تتزيّا بزي الترجمة والمعرفة، بينما تقوم بأدوارٍ سياسية عدوانية تجاه الإمارات ومنجزها، عبر مراكز لديها القدرة المادية، صنعت عبر السنين لوبيات عربية وغربية مناوئة يتم استغلالها في أوقاتٍ معينة، كما حدث في تحويل وجهة نظر هابرماس، وبشكلٍ مفاجئ وصادم.
تبقى جائزة الشيخ زايد من عناوين الدعم الثقافي والفلسفي والعلمي في المنطقة والعالم، وحين يعتذر فيلسوف عن عدم تسلمها إنما يوضح مستوى الاضطراب السياسي لدى عدد كبير من المثقفين، بل الفلاسفة في العالم.