الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس السابق ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي بايدن، والرئيس السابق ترامب (أرشيف)
الأحد 9 مايو 2021 / 12:11

بايدن وسياسات ترامب

روس دوثات - الاتحاد

الجدل وسط الديمقراطيين عن رئاسة جو بايدن، حتى الآن، يضع معسكراً متنامياً من المتحمسين لبايدن، الذين يعودون إلى عصر الليبرالية الذهبي- مقارنين بين طموحات الرئيس الجديد في الإنفاق الواسع وبين ما فعله فرانكلين روزفيلت وليندون جونسون- في مقابل طائفة تتقلص من اليساريين الذين يصرون على أن بايدن ليبرالي حديث من الوسط وكفى، ونموذج جديد من بيل كلينتون أو باراك أوباما.

لكن إليكم هنا طريقة مختلفة نوعاً ما وأكثر استفزازاً في التفكير، يجب أن ننظر إلى سياسة بايدن، في إطارها الحالي، باعتبارها محاولة للبناء على الأولويات السياسية لدونالد ترامب التي لم تأخذ شكلها النهائي ولم تكتمل، بالطريقة ذاتها التي وجدت فيها عناصر من برنامج جيمي كارتر أكمل تعبير لها في رئاسة رونالد ريجان.

فقد وصف كارل دبليو. سميث، الكاتب في بلومبيرغ، مقترحات بايدن الاقتصادية، في الآونة الأخيرة، بأنها "تجلٍ متماسك لشعار لنجعل أمريكا عظيمة من جديد بالطريقة نفسها التي كانت الريجانية تجلياً متماسكاً لفترة تخفيف اللوائح في حقبة كارتر"، لكن التناظر يعتمد على أكثر من مجرد سياسة اللوائح، فجانب كبير مما نتذكره باعتباره قائمة أولويات ريجان كان له سابقة في سياسات ومجادلات عصر كارتر.

وتحديداً، يمكنك القول إنه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كان هناك فرصة لسياسي قد يمكنه بذل وعود تلقى تصديقاً باستعادة القوة الأمريكية في الخارج، مع التصدي للتضخم وتعزيز الحيوية في الداخل، وكان من الممكن أن يكون هذا الزعيم ديمقراطياً، لو أن رئاسة كارتر قد اتبعت طريقاً مختلفاً، ولو استطاع كارتر السيطرة على ائتلافه بكفاءة أكبر واتخذ خيارات سياسية أفضل وتمتع بحظ أوفر.

لكن ريجان حصل على هذه الفرصة، وهذا يشبه على نحو ما الفرصة التي سنحت في منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، فقد كانت هناك فرصة لسياسي يعد بمسعى لإعادة بناء أمريكا من الداخل في تحول عن العولمة وبناء البلاد في الخارج، وفي هذا المسعى يتم التخلص من المتشددين تجاه العجز في الميزانية وتتم إعادة توزيع الثروات من الفائزين في الاقتصاد الجديد على أسر العمال الأمريكيين وأسر الطبقة العاملة.

وهذه الفرصة كانت أساس حملة ترامب 2016، وأحياناً حاولت قائمة أولوياته الرئاسية انتهاز الفرصة، وتمثل هذا في دعمه لسياسة نقدية سخية، وفي صورة توسيع رصيد الأطفال من الضرائب في مشروعه لقانون الضرائب وزياداته التسللية في الضرائب- من خلال الحد الأقصى على الرهون العقارية على المنازل وتقليص الضرائب- على مستوى الولايات والمدن- على طبقة المهنيين من الولايات ذات الميول الديمقراطية، وفي حمائيته للتجارة وفي محاولته انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها في أفغانستان وسوريا.

لكن ترامب مثل كارتر من قبله، لم يستطع المضي قدماً، فقد فضل حزبه في الكونغرس الأولويات القديمة الخاصة بتقليص الضرائب على الأنشطة الاقتصادية وإلغاء برنامج "أوباماكير"، وفضل ترامب التعصب والضجيج على أي طريقة أخرى في صناعة السياسة، وبدلاً من ترسيخ أغلبية جديدة انتهى به الحال إلى الهزيمة.

والآن، يأتي بايدن ليلتقط، بطريقة ما وببساطة، عناصر شعبوية ترامب، بايدن يرسخ الحمائية في سياسة التجارة ويُعتقد أنه يعزز السياسة المتشددة تجاه الصين التي اتبعتها الإدارة السابقة، ويحاول تنفيذ خطة بنية تحتية بحاجة لتريليون دولار كان ستيف بانون، قد وعد بها، لكن إدارة ترامب لم تنفذها قط، ويلتقط بايدن أيضاً أفكار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين غير المكتملة فيما يتعلق بسياسة الأسرة ويحولها إلى إنفاق جديد للأطفال.

وهذه التحركات مناسبة للغاية للحظة السياسية لأن الجمهوريين لا يعرفون كيفية مواجهتها، فهم لا يعرفون العودة بشكل كامل إلى موقعهم السابق على ترامب باعتبارهم غير متسامحين في العجز في الموازنة، ولا يعرفون كيفية مواجهة بايدن، في الوقت الذي يحقق فيه وعود ترامب فيما يبدو، وهذه انتقادات تتعلق بالتفاصيل وأحياناً تكون معقولة، لكنها تقر بالرؤية العامة لبايدن ولا تمثل تناقضاً أيديولوجياً شديداً.

ويراهن بايدن على أنه من الممكن اتباع صيغة من القومية الاقتصادية دون أن يكون بها العنصر المعتاد من مناهضة المهاجرين، وأن الحمائية من خلال الرسوم الجمركية والسياسة الصناعية لا تتعارض مع سياسة هجرة أكثر تساهلاً.

وهناك مشكلة أطول أمداً لبايدن باعتباره تطوراً لترامب، فالحزب الديمقراطي ينظر إليه بشكل متزايد باعتباره حزب الفائزين في العولمة من الأثرياء سكان الضواحي ونخب وول ستريت ووادي السيليكون، واتباع سياسة تتطلب التضحية بهذه المصالح في سبيل إعادة توزيع للثروات سيخلق في النهاية تصدعات داخل الائتلاف.

لكن رغبة حزبه في اللجوء إلى تقليص الضرائب على مستوى المدن والولايات التي قيدها ترامب، تخبرنا بشيء مهم عن موضع السلطة في السياسة الليبرالية وضعف الشهية وسط الديمقراطيين لزيادة الضرائب التي تضر حقاً بالشريحة العليا من الطبقة الوسطى.