لوحة للرسام الأمريكي الأسود، جان ميشال باسكيا (أ ف ب)
لوحة للرسام الأمريكي الأسود، جان ميشال باسكيا (أ ف ب)
الأحد 9 مايو 2021 / 17:50

بعد سنوات من الإهمال... إقبال غير مسبوق على الفنانين التشكيليين السود

بعد سنوات عانوا فيها من من قلة الاعتبار بل حتى التجاهل التام، يحظى الرسامون الأمريكيون السود اليوم باهتمام سوق الفن، وهو ما تشهد عليه مزادات الربيع الكبرى في نيويورك التي يتوقع أن تسجل سلسلة من الأرقام القياسية.

وفي طليعة هؤلاء الفنانين بالطبع جان ميشال باسكيا، أول رسام أسود على رأس قائمتي مزادين تنظمهما كريستيز وسوذبيز، أكبر دارين لبيع الأعمال الفنية بالمزاد العلني، الثلاثاء والأربعاء على التوالي، بلوحتين تقدر كل منهما بحوالى 50 مليون دولار.

مشاركة غير مسبوقة
وبين الفنانين السود المشاركين أيضاً روبرت كولسكوت الذي يتوقع أن يضاعف رقمه القياسي الحالي ويتخطى ربما 10 ملايين دولار، فضلاً عن نورمان لويس ومارك برادفورد وكيري جيمز مارشال الذين يتوقع أن تتخطى أسعار أعمالهم مليون دولار.

ولم يسبق أن شارك مثل هذا العدد من الفنانين الأمريكيين السود في هذه الفعاليات التي تنظم مرتين في السنة، وتشكل الحدث الأكبر في سوق الفن.

انتعاش بعد فترة من الإهمال
وأوضح مسؤول المبيعات في دار سوذبيز في نيويورك ديفيد غالبيرين "هناك تقدير جديد وزيادة في الطلب، ما ينعكس على الأسعار" وبصورة عامة على مدى ظهور هؤلاء الفنانين في الواجهة.

وقال الفنان سانفورد بيغرز الذي تم تدشين منحوتته الضخمة "العرّاف" في مركز روكفيلر، "إنه تصحيح" موضحاً "قوبل عمل (الفنانين السود) لفترة طويلة بالإهمال، في حين كان رائعاً".

ويجمع الكلّ على أن الحركة المدنية التي نشأت رداً على قتل جورج فلويد ساهمت في إعادة الاعتبار هذه، غير أن الأضواء بدأت تسلط على أعمال الفنانين السود قبل هذه القضية.

وقال شيرمان إدميستون رئيس دار العرض "إيسي غرين" المتخصصة في الرسامين السود والتي تأسست عام 1979 "يعود هذا التطور إلى خمس سنوات تقريبا" مضيفا "كان الأمر كفاحا حقيقيا".

ونسب هذا الاختراق إلى تضافر عوامل أبرزها صعود جيل من جامعي الأعمال الفنية السود على رأسهم شخصيات نافذة.
وغالبا ما يعتبر مغني الراب ومنتج الموسيقى سويز بيتز رائداً على هذا الصعيد، غير أن ب. ديدي وجاي-زي وفاريل ويليامز وكانيه وست هم اليوم جامعو تحف فنية معروفون.

وأوضح شيرمان إدميستون "كان الهيب هوب ظاهرة ثقافية، وهم شقوا الطريق، استحدثوا تيارا".

واقترن ذلك بتحول في سوق الأعمال الفنية حيث تغلب منطق المستثمر والمتمول على منطق جامع الأعمال.
ومع تراجع العرض على أعمال الفنانين التقليديين، وجميعهم تقريبا من البيض، اتجه المستثمرون إلى الفنانين السود الذين كانوا يعرضون أعمالهم بأسعار جذابة. وقال شيرمان إدميستون "تلك كانت الانطلاقة الفعلية للفن الأسود".

ومع تنامي مكانة هؤلاء الفنانين، طرحت العديد من أعمالهم مواضيع كانت شبه غائبة حتى الآن عن عالم الفن. وفتح باسكيا وجاكوب لورنس وكيري جيمز مارشال كل على طريقته نافذة على "التجربة الأميركية الإفريقية" التي عاشها السود في الولايات المتحدة.

ورأت آنا ماريا سيليس مسؤولة المبيعات لدى دار كريستيز أن "قسما كبيرا من الفن الذي نراه اليوم لما كان أبصر النور بدون هؤلاء الفنانين"، خاصّة بالذكر الفنانة الأميركية جوردان كاستيل (32 عاما) باعتبارها من ورثة هذه الحركة.

وإن كان الرسامون السود لا يشكلون مجموعة متجانسة، فإن العديدين منهم "مصممون على طرح نقاش ربما حساس" وبصورة عامة على "إعادة النظر في ما يجدر بالفن أن يعبر عنه والطريقة لتحقيق ذلك".

ويؤيد الجمهور هذا التيار التعبيري الجديد، وهو ما أثبتته السوق بتحطيمها الأرقام القياسية بشكل متواصل منذ حوالى ثلاث سنوات. ويتسارع ارتفاع الأرقام إلى حد تبلغ الأسعار بانتظام أضعاف طرحها الأساسي، في ظاهرة نادرة في المزادات على هذا المستوى.

وقال شيرمان إدميستون "ثمة جانب من المسألة يقوم على أنه إذا كان (الفنان) أسود، فالعمل رائع. إذا كان أسود، أشتري. لكن ينبغي التمييز" بين الأعمال وبين الفنانين.

وهو يرى أن السوق تسجل فرطا في ارتفاع الأسعار، موضحا "هذا هو انطباعي، لكن ربما لا أرى آفاق المستقبل المتاحة، ربما يفوتني أمر ما" قبل أن يضيف ممازحا "بل أن هذا مرجح".