الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الأربعاء 12 مايو 2021 / 13:06

هل تندم أمريكا على انسحابها من أفغانستان؟

استند المذيع الأمريكيّ البارز والكاتب السياسي في موقع "تاون هول" دنيس برايغر إلى مجموعة من الأدلة المناقضة لحجج الديموقراطيين خصوصاً، ومؤيدي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عموماً، واضعاً الولايات المتحدة في مكانة مغايرة لتلك التي تحتلها الدول الأخرى بحسب رأيه.

هل هنالك أي مستوى من الشر، أي تعزيز للإسلامويين الكارهين لأمريكا، أي تأثير على هزيمة أمريكية في العالم أو في أمريكا يمكن أن تجعلكم تندمون على قراركم بالانسحاب

فبالرغم من جميع عيوبها، وهي عيوب ملازمة للحضارة البشرية، تطلعَ العالم إلى الولايات المتحدة كقوة للخير أكثر من أي دولة أخرى. حين تصاب دولة بزلزال قوي، لا ينظر شعبها أولاً إلى فرنسا أو ألمانيا أو روسيا أو الصين للمساعدة، إنما ينظر إلى الولايات المتحدة. حين يجتاح شعب سيئ دولة ما، يأمل شعب الدولة الخاضعة للاحتلال أن تأتي واشنطن لكي تساعده. ولأكثر من مئة سنة، حين رأى شعبٌ محاصَر القوات الأمريكية، فإنه شعر بالفرح عموماً.

كارهو أمريكا
حين يريد شعب أي دولة في العالم تحسين حياته، أكان لجهة الحريات أو حقوق الإنسان أو الفرص الاقتصادية، يفكر بالهجرة إلى الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى. أتى حوالي 340 ألف أفريقي إلى هذه البلاد كرقيق. لكن ملايين الأفارقة أتوا إلى أمريكا لأنهم أرادوا ذلك. بالنسبة إلى هؤلاء الملايين أو الملايين الآخرين من الأفارقة الذين لم يحصلوا على تأشيرات للهجرة إلى الولايات المتحدة، ليست أمريكا أرض العنصرية المنهجية بل الفرص المنهجية. الأشخاص الذين ينكرون هذه الوقائع هم فقط كارهو أمريكا المحليون الذين ينظروا إليها كقوة شر في الداخل والخارج. لذلك، هم ينكرون أنه لولا التهديد الجدي بالتدخل الأمريكي، لانتصر الشر على هذا الكوكب.

الجحيم

بالإضافة إلى مساهمة واشنطن الأساسية في هزيمة الفاشية الألمانية واليابانية، ولو لم تنتصر الولايات المتحدة في الحرب الباردة، لدمرت الشيوعية ملايين الأرواح المضافة إلى المئة مليون التي دمرتها فعلاً. لو لم تضحِّ أمريكا بـ37 ألف مواطن من خيرة شبانها، لتحولت كل كوريا إلى معسكر اعتقال ضخم كما هي الحال عليها في كوريا الشمالية بحسب الكاتب. ولو انتصرت أمريكا في فيتنام، لكان نصف تلك الدولة حراً عوضاً أن تكون كلها مستبعدة.
 لقد أنتج الشيوعيون الذين اجتاحوا فيتنام الجنوبية مجتمعاً جهنمياً إلى درجة أن مليون شخص من فيتنام هربوا بالقوارب وخاطروا بالغرق أو بأن تفترسهم أسماك القرش، أو بالتعذيب أو بالاغتصاب من القراصنة فقط ليهربوا من الجحيم السوفياتي الذي أعقب الانسحاب الأمريكي من بلادهم.

الله وحده العالم
يتذكر برايغر العار الذي شعر به كأمريكي حين رأى حشوداً من الفيتناميين الذين ساعدوا الولايات المتحدة وهم يرجون الجنود الأمريكيين المغادرين أن يصطحبوهم معهم حين كانت آخر مروحية أمريكية تهم بمغادرة فيتنام. بكل بساطة تُرك هؤلاء لمصيرهم. الآن، تصمم أمريكا على مغادرة أفغانستان والتخلي عن الأشخاص الذين دافعت عنهم في وجه الساديين الإسلامويين المعروفين باسم طالبان. والله وحده يعلم عدد من سيتعرضون للاغتصاب والتعذيب حتى الموت، بعد مغادرة واشنطن البلاد. لكنه سيكون عدداً كبيراً. ويرد برايغر على البراهين المغلوطة التي يتحجج بها مؤيدو الانسحاب:
"لا نستطيع البقاء في أفغانستان إلى الأبد"

يرى الكاتب أنه يتم تقديم هذه الحجة على أنها بديهية ولا تحتاج إلى تفسير، وربما لهذا السبب لا يقدم أحد شرحاً لها. يتساءل برايغر عن سبب عدم بقاء القوات الأمريكية هناك إلى "الأبد" إذا كان ذلك ينقذ دولة ويخبر العالم بأن أمريكا تمتثل لالتزاماتها وتحمي حلفاءها. لقد بقي الأمريكيون في ألمانيا وكوريا الجنوبية "للأبد". هل العالم أسوأ أو أفضل الآن؟

"لا نستطيع بناء الدول"
تقدم الحجة نفسها أيضاً على أنها بديهية. لكنها حجة زائفة بحسب الكاتب. لم يقل أحد إن واشنطن ذهبت إلى أفغانستان لبناء دولة بل لأن عمليات 11 سبتمبر (أيلول) شُنت من هناك. وتتوفر جميع الأسباب لتوقع شن المزيد من الاعتداءات ضد واشنطن من تلك البلاد إذا غادرها الجنود الأمريكيون. ومنع الحضور الأمريكي هناك سقوط باكستان تحت سيطرة الإسلامويين. لم تكن الولايات المتحدة هناك من أجل "قتل أسامة بن لادن" كما يجادل البعض. فالأخير كان مجرد عقل من سلسلة عقول مدبرة للإرهاب. لقد كان الهدف إثبات أن بن لادن كان مخطئاً. في أغسطس (آب) 1996، أصدر بن لادن ما سماها فتوى الحرب ضد الولايات المتحدة آملاً أن تكون تلك الحرب طويلة. وقال إنه من نزاع إلى آخر، دائماً ما يلجأ الأمريكيون إلى الهرب.

كلفة مالية وبشرية
حجة الدم لا يمكن دحضها عاطفياً. كل أمريكي قُتل في أفغانستان هو مأساة لا توصف. لكن في السنوات الست الأخيرة، فقدت الولايات المتحدة أقل من 20 عنصراً من أفراد الخدمة المدنية سنوياً بسبب الاشتباكات في البلاد. بين 2006 و 2018، فقدت الولايات المتحدة في حوادث تدريبية ضعفي العدد الذي خسرته في جميع عملياتها العسكرية الخارجية. أما بالنسبة إلى الكلفة المالية، تابع الكاتب، فقد أنفقت واشنطن بين 50 إلى 100 مليار دولار سنوياً في أفغانستان. هذا الأمر قابل للتبرير أخلاقياً أكثر من التريليون دولار التي تم إنفاقها لإنقاذ حكام وعمدات ديموقراطيين والاتحادات التي يخدمونها.

كلمة لسيناتور ديموقراطي سنة 1975
يشدد برايغر على أنه كان سيقدم البرهان نفسه لو كان ترامب هو الرئيس الذي سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. لكن الانسحاب الواقعي تقوده إدارة مختلفة. ويضيف أن البراهين الأخلاقية لم تكن مهمة بالنسبة إلى سيناتور ديموقراطي سنة 1975. فهو قال في خطاب داخل مجلس الشيوخ في 23 أبريل (نيسان) من تلك السنة: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة تملك واجباً، أخلاقياً أو غيره، بإجلاء الرعايا الأجانب ... ليس على الولايات المتحدة واجب لإخلاء واحد، أو مئة ألف وواحد، فيتنامي جنوبي". ذلك السيناتور كان جوزف بايدن.

مكان للندم؟
وسأل برايغر الديموقراطيين والجمهوريين المؤيدين لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان: "إذا تحولت أفغانستان لتشبه حقول القتل في كمبوديا، هل ستظلون تعتقدون أنه كان القرار الصحيح؟ أو، بعبارة أخرى: هل هنالك أي مستوى من الشر، أي تعزيز للإسلامويين الكارهين لأمريكا، أي تأثير على هزيمة أمريكية في العالم أو في أمريكا يمكن أن تجعلكم تندمون على قراركم بالانسحاب".