الأحد 25 يوليو 2021 / 12:44

ضربة جديدة لأردوغان... ماذا تعني في السياسة التركية؟

لم تكن إقالة عميد جامعة بوغازيتشي المرموقة في اسطنبول مليح بولو حدثاً عابراً في المشهد الداخلي التركي وفقاً للكاتب السياسي في صحيفة "فايننشال تايمز" ديفيد غاردنر.

انهار نموذج النمو لدى أردوغان والذي بناه على الائتمان الرخيص والاستهلاك والبناء حتى قبل تفشي الجائحة وبالتوازي مع إخفاق البيرق في الدفاع عن الليرة التركية

 لقد اضطر الرئيس التركي القوي رجب طيب أردوغان إلى إجراء انعطافة قوية كشفت سوء تقديره وهشاشته السياسية. لقد طرد أردوغان بولو بعدما فرضه عميداً للجامعة في يناير (كانون الثاني) الماضي. برز تراجع أردوغان بعد ستة أشهر من التظاهرات في حرم الجامعة وقد تردد صداها في جميع أنحاء البلاد. عبّرت تلك التظاهرات عن أكثر حركة جماهيرية استدامة منذ الانتفاضة المدنية التي اجتاحت المناطق المدينية والساحلية من تركيا أواسط سنة 2013.

لم يستطع سحقه

منذ ذلك الحين، انتقل أردوغان بشكل حازم نحو حكم الرجل الواحد مستبدلاً النظام البرلماني التركي بنظام رئاسي على النمط الروسي وملأ المؤسسات الأكاديمية والقضائية والإعلامية بالموالين له. ومنذ محاولة الانقلاب، استخدم أردوغان صلاحياته الاستثنائية لطرد واحتجاز حوالي 100 ألف شخص وفقاً لرغبته. مع ذلك، لم يستطع الرئيس التركي سحق ذلك النصف من الشعب التركي الذي يعارض تدخله في فضائه السياسي والشخصي كما يعارض مزيج الحكم الشعبوي القومي القائم بين حزب العدالة والتنمية الإسلاموي وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف.

التعليم في عهده... كمية لا نوعية

نظر أكاديميو وخريجو جامعة بوغازيتشي إلى تعيين بولو كإهانة شخصية لهم. خلال عهده، وسع أردوغان إمكانية الوصول إلى مرحلة التعليم العالي فضاعف عدد الجامعات ثلاث مرات خلال عقدين. لكن غاردنر يوضح أن أردوغان وفر الكمية لا النوعية. لقد اعتادت بوغازيتشي على تعيين عمدائها، فرفضت قبول أن يرأسها شخص ذو مستوى أكاديمي متواضع، متهم بالسرقة الأدبية بل حتى غير قادر على الفوز بمقعد نيابي عن حزب العدالة والتنمية في 2015. لقد رفض التيار المناهض لبولو والمؤيد للحرية الأكاديمية الاستسلام حتى بعد قيام وزير الداخلية سليمان صويلو بتشويه صورة مؤيديه على أنهم "إرهابيون" و"منحرفون من مجتمع الميم".

جزء من ضعف أوسع

يرى غاردنر أنه من المبكر جداً تصنيف انعطافة أردوغان بأنها انتصار. كان هنالك الكثير من المعارضين الفرحين حين أقال الرئيس التركي صهره العزيز بيرات البيرق من وزارة الخزانة أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). لكنه منذ ذلك الوقت، تخلص من مديرين كفوئين للاقتصاد التركي الآفل. إن إقالة بولو الذي كان حتى بنظر أردوغان غير مناسب قد لا تكون أكثر من مجرد انسحاب تكتيكي قد يجعل الرئيس التركي انتقامياً على جبهات أخرى. مع ذلك، سوء التقدير العلني هذا هو جزء من ضعف أوسع.

مؤشرات الموت السياسي
تم تفريغ حزب العدالة والتنمية الذي انتصر في أكثر من اثني عشر استحقاقاً انتخابياً من قوته. تخلص أردوغان من رفاقه السابقين مفضلاً المتملقين الذين يخبرون السلطان الجديد بما يريد سماعه. في الانتخابات المحلية سنة 2019، خسر اسطنبول الذي كان رئيس بلديتها والعاصمة أنقرة ومدن تركيا الكبرى. جعلت استطلاعات الرأي مؤشرات الموت السياسي هذه أكثر وضوحاً مع إشارتها إلى خسارة حزب العدالة والتنمية الكثير من شعبيته. فقدَ الحزب الحاكم فئات ناخبة أساسية جذبها إليه في السابق بفعل الازدهار المتوسع لا بفعل الآيديولوجيا الضيقة بحسب غاردنر.

رجل مقايضات لا مبادئ
لقد انهار نموذج النمو لدى أردوغان والذي بناه على الائتمان الرخيص والاستهلاك والبناء حتى قبل تفشي الجائحة وبالتوازي مع إخفاق البيرق في الدفاع عن الليرة التركية على الرغم من إحراقه أكثر من 100 مليار دولار من الاحتياطات. تحول هذا الهدر المقترن بالغرور إلى شعار مفيد لمعارضة مجزأة لا تزال غير حاسمة لقرارها بشأن كيفية ترتيب معركتها المقبلة في 2023. وينطبق الأمر نفسه على الاتهامات المذهلة التي يقطّرها للداخل التركي رجل العصابات الهارب سيدات بيكر الذي كان عضواً في الحزب الحاكم. وتُبرز هذه الاتهامات فكرة أن أردوغان رجل مقايضات لا رجل مبادئ.

نزواته الاستبدادية تنقلب عليه
علاوة على ذلك، غضبت تركيات كثيرات ومن مختلف الانتماءات الآيديولوجية والثقافية بسبب انسحاب أردوغان من معاهدة اسطنبول لتفادي العنف ضد النساء وقد كانت تركيا أول دولة توقعها. أضاف غاردنر أن نزوات أردوغان الاستبدادية حشدت القوى ضده، وليس حزب الشعب الجمهوري القوة الوحيدة في هذا السياق. لقد تخلى أردوغان عن حلفاء سابقين شق معهم طريقه إلى السلطة مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو والرئيس السابق عبدالله غول وقيصر الاقتصاد علي باباجان. لقد أسس هؤلاء أحزاباً منافسة لحزب العدالة والتنمية لا تستطيع الفوز وحدها لكنها قادرة على سحب أصوات من الحزب الحاكم وإضافتها إلى أي تحالف مناهض لأردوغان.

حظه ينفد
لقد بنى عمدة اسطنبول المنتصر أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري تحالفاً واسعاً ضد حزب العدالة والتنمية مظهراً إمكانية إيقاف الطغيان. يردّ أردوغان عبر حملة قضائية لحل حزب الشعوب الديموقراطي، وهو حزب يساري موال للأكراد يشكل ثالث أكبر حزب في البلاد. سبق لأردوغان أن سجن العديد من قادته وعمداته وناشطيه قائلاً إن الحزب هو واجهة لحزب العمال الكردستاني. عبر التعامل مع مناصري حزب الشعوب كذئاب إرهابية في ثياب حملان، يأمل حزب العدالة والتنمية إبعاد المحافظين الأكراد عنه. يشير غاردنر في ختام مقاله إلى أن انتهازية أردوغان نفعته في الغالب، لكن العديد في تركيا بدأوا يشعرون بأن موهبته تنحسر وحظه ينفد.