الثلاثاء 27 يوليو 2021 / 11:51

ميديابارت: تعذيب وخطف واختفاء قسري.. الوجه المظلم لتركيا الأردوغانية

اعتبرت الكاتبة روزا بورلون أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لن يكون بمأمن من محاولات انقلاب جديدة، بعد أن أصبح التعذيب أداة أساسية يستعملها النظام التركي للجم معارضيه وقمع مواطنين أتراك لمجرد الاشتباه بهم.

الآلاف من المعارضين أو المشتبه بهم في الضلوع في أنشطة مناوئة لحكومة أردوغان تم إيقافهم لفترات متفاوتة تتراوح بين بضع ساعات وعدة أشهر دون أن تُوَجَّه إليهم تهمة

 واستعرضت بورلون، في تحقيق لجريدة "ميديبارت"، شهادات حية حول هذه المسائل، لم يكن سهلاً الحصول عليها، نظراً إلى أن غالبية الشهود لا يزالون يقيمون داخل الأراضي التركية ويخشون انتقام السلطات.

اختفاء حسين غالب كيسيكزيجيت
من بين هؤلاء، نورسينا، ابنة المفقود حسين غالب كيسيكزيجيت التي انقلبت حياتها إلى جحيم منذ اختفاء والدها في ظروفٍ غامضة، منذ ما يقارب ستة أشهر، خصوصاً بعدما وجدت أبواب الجهات الرسمية التركية موصدة أمامها.

وفي التاسع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2020 ، اختفى كيسيكزيجيت، فلا أحد من عائلته أو أصدقائه يعلم أين ولماذا وكيف اختفى. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الشابة نورسينا رحلة البحث المضني عن والدها المفقود؛ وفي كلِّ مرة تتلقّى رواية رسمية من المؤسسات الأمنية والقضائية تزعم أن والدها فرَّ إلى خارج البلاد؛ خصوصاً أن العديد من أتباع عبدالله غولن لجؤوا إلى اليونان المجاورة. كما ترفض السلطات التركية فتح تحقيق جدّي حول هذه القضية.

وبعد رحلة بحثٍ مضنية وغير مجدية، خلصت نورسينا إلى أن والدها تم اختطافه وإخفاؤه قسرياً. وعند سؤالها عن الجهة المسؤولة عن هذه الأفعال غير القانونية، اعتذرت عن عدم ذكر جهات أو أسماء بعينها، معللةً ذلك بخشيتها من مزيد من تعقيد وضع والدها المختفي ووضعها هي أيضاً؛ خصوصاً أنها لا تزال تعيش في تركيا ولا تفكر في مغادرتها.

30 مختطفاً
في بيانٍ صادر في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2021، أعلنت منصة "منتصبة" في مدينة بروكسل البلجيكية، وتضم عدداً من الدبلوماسيين الأتراك المقيمين خارج تركيا والمحسوبين على تنظيم عبدالله غولن، والذين تمّ فصلهم من وظائفهم، أن السلطات التركية اختطفت حسين غالب كيسيكزيجيت، وأنه يخضع للتعذيب مثله مثل ثلاثين مواطناً تركياً اختفوا في ظروف مماثلة.

"المزرعة"
يقول حسين كونوس، مدير هذه المنصة لـ "ميديا بارت"، إن طريقة وظروف خطف هؤلاء الأشخاص المتهمين بالضلوع في المحاولة الانقلابية تتشابه كثيراً؛ حيث يحدث هذا النوع من العمليات عادة في وضح النهار وأمام المارة.

ويشرح: "في كل مرة يتوقّف فان أسود، وتنزل منه مجموعة من الأشخاص ويقدِّمون أنفسهم على أنهم موظفون في جهاز المخابرات التركية. يقتادون المشتبه به إلى مكان غير معلوم ويحتجزونه، ومن ثم يقومون بالتحقيق معه باستخدام التعذيب والترهيب لمدة تتراوح بين بضعة أيام وعدة أشهر. وعند الانتهاء من التحقيق معه، يظهر المشتبه به فجأة في مخفر للشرطة.

ويضيف: "يمتلك جهاز المخابرات التركية عدة مبانٍ تحت تصرّفه؛ من أهمها مبنى قريب من القصر الرئاسي بأنقرة يُسمى المزرعة، حيث يتمّ احتجاز المشتبه بهم وتعذيبهم".

24 حالة تعذيب قسري
في تقرير صادر في التاسع والعشرين من أبريل (نيسان) 2020، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنها جمعت معلومات وشهادات متواترة عن 24 حالة اختطاف وتغييب قسري لمشتبه بهم في تركيا منذ فشل المحاولة الانقلابية، وإنها تُحقق في مصير ستة عشر منهم.

وأفاد التقرير أنه ليس من اليسير الحصول على شهادات حية حول هذه المسألة؛ نظراً إلى أن غالبية الشهود لا يزالون يقيمون داخل الأراضي التركية ويخشون انتقام السلطات منهم. وأحد هؤلاء الضحايا يُدعى كوخان تركمان، الذي صرَّح أمام هيئة المحكمة التي حاكمته بتهم مختلفة، بأن عملاء تابعين لجهاز المخابرات التركية اختطفوه من أمام منزله في فبراير (شباط) 2019، ثم قاموا باحتجازه قسرياً طيلة 271 يوماً؛ حيث كان معصوب العينين ومكبل اليدين والرجلين طيلة مدة احتجازه. كما تم تعذيبه مراتٍ عديدة وبطرق مختلفة؛ أهمها حرمانه من الأكل والشرب والنوم. وبعد انتهاء مدة احتجازه القسري تم إيداعه السجن الاحترازي في انتظار محاكمته.

لا اتهام مباشر للاستخبارات التركية
باستثناء حسين غالب كيسيكزيجيت، ويوسف بيلج تونك، الذي لا يزال هو أيضاً مفقوداً، ظهر جميع المحتجزين من جديد في مخافر للشرطة بعد فترات متفاوتة من الاحتجاز المرفق بالتعذيب وسوء المعاملة.

ولا تتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" جهاز المخابرات التركية بالضلوع مباشرة في عمليات احتجاز وتعذيب الضحايا؛ لكن ممثلة المنظمة في تركيا ايما سينكلير ويب تؤكد لـ"ميديا بارت" أن "هذه العمليات الخارجة عن القانون تتمّ بإذن وعلم هذا الجهاز، حيث إن قانوناً صدر بتركيا سنة 2014 يمنع على المدَّعي العام التركي التحقيق مع أعوان جهاز المخابرات دون إذن رئيسه".

انتهاكات صادمة
وأشارت سينكلير ويب إلى أن هذه الانتهاكات المتكررة والصادمة لحقوق المتهمين "لم ترَ لها مثيلاً في تركيا من قبل".
وأضافت أن منظمتها وثَّقت ستة عشر ملف انتهاكٍ خطيرٍ لحقوق مواطنين أتراك مشتبه بهم بالضلوع في المحاولة الانقلابية أو تم إيقافهم واحتجازهم قسرياً لأسباب أخرى لها علاقة بانتمائهم الفكري والسياسي. لكنها تؤكد أن عدد الانتهاكات يتجاوز كثيراً ما تم توثيقه حتى الآن؛ حيث إن الآلاف من المعارضين أو المشتبه بهم في الضلوع في أنشطة مناوئة لحكومة أردوغان تم إيقافهم لفترات متفاوتة تتراوح بين بضع ساعات وعدة أشهر دون أن تُوَجَّه إليهم تهمة ما ودون أن يتم إطلاع ذويهم على سبب ومكان وظروف احتجازهم.