الخميس 5 أغسطس 2021 / 10:41

النهضة تنقلب على الغنوشي

مختار الدبابي- العرب اللندنية

سيتحمل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية مسؤولية السنوات العشر الأخيرة من الأزمات المتراكمة التي عاشتها تونس. ليس فقط خصومه السياسيون من يطالبون بالتنحي، ولا المظاهرات التي خرجت يوم 25 يوليو تطالب بحل البرلمان. الدعوات إلى إسقاط الغنوشي امتدت إلى بيت حركة النهضة، حيث يحصل شبه اتفاق على ضرورة التضحية برئيس الحركة لتجنب الصدام مع الرئيس قيس سعيد.

ربما يكون في الدعوات التي صدرت عن وجوه كثيرة في النهضة من أجل تغيير القيادة مناورة ظرفية لأجل سحب البساط من تحت أقدام من يريدون محاكمة الحركة وحلها مستفيدين من حالة التوتر بين قصر قرطاج والغنوشي، وخاصة من مناخ شعبي غاضب على البرلمان ورئيسه ودورهما في الالتفاف على الثورة والمس من صورة تونس في الخارج.

هناك حقيقة أخرى بدت للعيان من خلال مواقف قيادات في النهضة، خاصة جماعة ما يعرف بعريضة المئة، وهي أن تيار الغاضبين يريدون استثمار الأزمة الحالية لدفع الغنوشي إلى الاستقالة من قيادة الحركة بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك من خلال الصراع الداخلي.

وعريضة المئة هي تيار داخل حركة النهضة يرفض التمديد للغنوشي لدورة جديدة في رئاسة حركة النهضة ويرفض أي حيلة قانونية للتجديد للغنوشي في مؤتمر الحزب الذي تأجل أكثر من مرة بسبب الخلاف على هذه النقطة.

ويمكن القول إن تيار الغاضبين وجد الفرصة مناسبة حاليا ليوجه ضربة قاضية تطيح بكل المبررات التي ساقها الحزام المستفيد من بقاء الغنوشي بشكل دائم على رأس الحركة. ومثلما أن خصوم الغنوشي في الساحة السياسية قد وجدوا في تغييرات قيس سعيد بمناسبة ذكرى الجمهورية فرصة لإجبار رئيس حركة النهضة على الانسحاب من المشهد، فإن رفاقه في الحزب يريدون تحقيق نفس الهدف وإن اختلفت المبررات.

واللافت هنا أن معركة الداخل في حركة النهضة خرجت إلى العلن بعد أن كانت قيادات الحركة وأنصارها يقولون إن هذه المعركة هي دليل على متانة الديمقراطية داخل حزبهم، وأنها لن تؤثر على أدائه السياسي. الآن يقوم البعض من تيار المئة بتوظيف أزمة الغنوشي مع قيس سعيد ومع الطبقة السياسية التي تحمله مسؤولية تردي الوضع في البرلمان بسبب تمسكه بعدم الاستقالة والمكابرة.

في العادة يحصل تضامن من قيادات النهضة مع الغنوشي ولو كان تضامنا شكليا لإظهار تمساك الجسم الحزبي، لكن هذه المرة لا تضامن ولا هم يحزنون.

وأعلن عماد الحمامي، الوزير السابق وهو أحد قيادات النهضة ما بعد 2011، انحيازه لقيس سعيد ووصف ما قام به يوم 25 يوليو بأنه خطوة شُجاعة وأن رئيس الجمهورية تحمل مسؤوليته التاريخية في إخراج تونس من الأزمة، وهو ما يتنافى مع وصف الغنوشي لإجراءات قيس سعيد بالانقلاب وتوظيفها للتحرك داخليا وخارجيا طلبا للدعم كونها "تستهدف التجربة الديمقراطية".

وعلى النقيض من ذلك، فقد وصف الحمامي وأحد أبرز الوجوه في عريضة المئة تلويح الغنوشي وبعض القيادات في حركة النهضة بالاحتجاج في الشارع ضد إجراءات قيس سعيد بأنه موقف لا يمثل سوى أقلية، وأن الوقت قد حان لفتح الأبواب أم الشباب لقيادة الحركة.

وحث الحمامي على حل المكتب التنفيذي الحالي للنهضة والذي يسيطر عليه تيار الغنوشي و”تكوين قيادة مؤقتة” للحركة. وتقول أوساط سياسية تونسية إن فكرة تكوين قيادة مؤقتة هدفها الرئيسي كف يد الغنوشي عن قيادة الحركة في الوقت الراهن ومنع اتخاذ قرارات أو إطلاق تصريحات من شأنها صب الزيت على النار في الخلاف مع الرئيس سعيد، وهو خلاف خرج من دائرة صراع الصلاحيات مثلما كان في السابق إلى دائرة الصراع مع الدولة ومؤسساتها وخاصة الجيش ووزارة الداخلية.

وبعد أن كان الغنوشي هو المهيمن على القرار في المؤسسات الداخلية لحركة النهضة تسارعت المواقف التي تنأى بنفسها عنه خاصة من الفئات الشبابية، حيث صدرت عريضة جديدة لمئة وثلاثين من شباب النهضة، بينهم النائب في البرلمان أسامة الصغير، تطالب قيادة النهضة بتصحيح المسار.

ويظهر نص العريضة انحيازا واضحا لإجراءات 25 يوليو التي أعلن عنها قيس سعيد. كما أن وقوف قيادة النهضة ضدها يبدو وقوفا ضد مطالب الشارع التونسي والآلاف من الشباب الذين تظاهروا لدعم رئيس الجمهورية في مسعاه لتطويق الأزمة والبحث عن حل تستعيد فيه الدولة دورها الحيوي.

ولا يمكن لشباب حركة النهضة سوى أن ينحازوا إلى صفوف الشباب التونسي ومطالبه ورغبته في الحرب على الفساد والسيطرة على الفوضى السياسية، وهو ما يجعلهم آليا ضد قيادة حركة النهضة وضد الغنوشي، وهي ورقة ضغط قوية لا تترك لرئيس حركة النهضة أي هامش للمناورة للحفاظ على زعامته في الحركة.

ووصفت يمينة الزغلامي وهي نائبة من البرلمان من المحسوبين على صف الغنوشي، تلويح رئيس حركة النهضة باللجوء إلى الشارع بأنه يهدد السلم الاجتماعي وأنها لا توافق على ما جاء فيه، مشدّدة على أن الخلاف في تونس داخلي ولن يكون هناك حل يأتي من الخارج.

وفي مسار الضغوط على الغنوشي وتفكيك عناصر نفوذه اتسعت دائرة المطالبة بعقد مؤتمر الحركة. ومن شأن عقده في هذا المناخ أن يجعل جبهة الغنوشي في موقف ضعف ويتيح لخصومه فرصة ثمينة لقلب التوازنات وتغيير توجهات الحركة.

ولا شك أن مسعى الغاضبين لاستثمار الظروف للإطاحة بالغنوشي من القيادة وكف نفوذه داخل النهضة يهدف إلى النأي بأنفسهم عن الدخول في صراع مع الدولة شبيه بما جرى في 1989، والذي أدى إلى تفكيك حركة النهضة والزج بالآلاف من أنصارها في السجن. كما أنه يحيل مباشرة إلى تكرار السيناريو المصري في تونس، وهو نقطة ضعف رئيسية في أداء حركة النهضة خلال السنوات الأخيرة، حيث قادت تحالفاتها لأجل ضمان بقائها بمنأى عن مواجهة الدولة قبل أن تأتي قرارات قيس سعيد الأخيرة وتسقط حساباتها.

والسؤال الآن، ماذا لو تخلصت النهضة من الغنوشي فهل ستضمن لنفسها مكانا في الانتقال الجديد؟

من الصعب التنبؤ بهذا الأمر في ضوء قناعة لدى الفاعلين السياسيين بأن حركة النهضة كمشروع فكري بامتدادات خارجية سيظل هو نفسه بنفس الأجندة والخطط، ما يجعله في صراع كامن مع الدولة يخطط لاختراقها والسيطرة عليها وحين تستفيق تتولى تفكيكه.

ورغم تجربة عشر سنوات في الحكم، فإن الحركة ظلت تتحرك كجماعة وتعطي الأولية لأجندتها بدل أن تتفرغ لخدمة الناس وتتصالح مع الدولة.