الأربعاء 22 سبتمبر 2021 / 13:42

أي علاقات بين موسكو وبرلين بعد انتخابات الدوما؟

قدم الخبير في الشؤون الروسية ورئيس برنامج الديموقراطية والنظام الدولي في "المجلس الألماني للعلاقات الخارجية" ستيفان مَيستر رؤيته لنتائج انتخابات الدوما الأخيرة وتأثيرها على العلاقات الروسية الأوروبية خاصةً أن لألمانيا أيضاً انتخاباتها المفصلية بعد أيام.

بالنسبة إلى الكرملين، لم تعد ألمانيا شريكاً بل عدواً وأصبحت الهدف الروسي الأساسي لحملات التضليل في أوروبا

وكتب ميستر في "المجلة الفصلية للسياسات الدولية" الصادرة في برلين أن انتخابات الدوما انتهت بالنتيجة المتوقعة، فوز الحزب الحاكم روسيا الموحدة، وأنتج هذا "التصويت دون خيار" أقل انتخابات تنافسية في حقبة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي حسب رأيه.

لقد هيأت تلك الانتخابات الأرضية لاستحقاق 2024 الرئاسي حين سيعاد انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين أو يفوز بموجبها خلفٌ له مختار سلفاً.

العالم تغير
حتى 2024، سيتقلص أكثر فضاء الإعلام المستقل في روسيا وسيصبح التعاون والتبادل مع المجتمع المدني والأكاديميين وأي معارض للحكم أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً.

ولفت الكاتب إلى موجة هجرة من روسيا إلى أوروبا، لا تقتصر فقط على دول البلطيق، وبولندا وبريطانيا، بل و تشمل أيضاً ألمانيا وفرنسا.

تغلق روسيا نفسها أكثر أمام العالم الخارجي، كما أن المنظمات الدولية الناشطة فيها ستغادرها لأنها صُنفت "كيانات غير مرغوب فيها".

إن آخر الأمثلة على هذا التطور هما مركز الحداثة الليبيرالية، وجمعية التبادل الروسي الألماني اللذان كانا يعملان في روسيا منذ عقود وضمن فضاءات اجتماعية متعددة.

يظهر كل ذلك أن العالم بات مختلفاً بما فيه روسيا، حيث لم تعد الأخيرة مهتمة حتى بمحاكاة نظام ديموقراطي بل أصبحت محكومة من نظام يريد النجاة بأي ثمن.

لم تعد جسراً بل هدفاً للإضعاف
تظهر الاستراتيجية الروسية للأمن القومي المنشورة حديثاً مدى شعور الحكم بالضعف. فهو في موقع دفاعي يركز على الداخل والاستقرار المحلي. ولهذا السبب، يتوقع الكاتب القليل من الإصلاحات.

لقد كانت ألمانيا طيلة عقود دولة رائدة في الاتحاد الأوروبي لاعباً أساسياً في سياسة بروكسل تجاه روسيا. وتمتعت الحكومة الألمانية دوماً بعلاقة خاصة مع الكرملين كما صاغت مفاهيم مثل "الشراكة من أجل العصرنة"، نهج أوروبا تجاه روسيا. لكن ذلك تغير في السنوات السنوات القليلة الماضية.

بالنسبة للكرملين، لم تعد ألمانيا شريكاً بل عدواً، وأصبحت الهدف الروسي الأساسي لحملات التضليل في أوروبا.

تمثل حقبة المستشارة أنجيلا ميركل الحقبة الأكثر جوهرية في العلاقات الروسية الألمانية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. لم تعد ألمانيا الجسر بين روسيا وأوروبا لكنها أصبحت الدولة التي يجب إضعافها لتقويض الاتحاد الأوروبي والنظام الديموقراطي الليبيرالي.

نقطة عطب
في هذا الإطار، يبدو أن مشروع نورد ستريم 2 يهدف إلى تقسيم أوروبا، والإضرار بالعلاقات العابرة للأطلسي، وتقويض مصداقية برلين أكثر بزيادة إمدادات الغاز إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

إنه تغيير ضخم في العلاقات الروسية الألمانية ويتطلب إعادة تفكير جوهرية في سياسة ألمانيا تجاه روسيا. لقد أصبح الاعتماد المتبادل، نقطة عطب، ويبدو أن ألمانيا، بالنظر إلى روابطها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الوثيقة مع روسيا، واحدة من أضعف الدول عندما يرتبط الموضوع بالتدخل الروسي في شؤونها.

ويضيف ميستر أنه بعد الانتخابات الفيديرالية في ألمانيا المقررة في 26 سبتمبر(أيلول) الجاري، سيكون على المستشار الجديد والمجلس التشريعي التعامل مع روسيا أكثر انغلاقاً واختلافاً.

جوهر العلاقات مستهدف

رغم جميع الصعوبات، تبحث النخب الألمانية عن مجالات للتواصل مع روسيا. المجالات الأكثر خضوعاً للنقاش حالياً هي التحديات المشتركة مثل التغير المناخي، والتحول نحو الصناعات الخضراء، والقضايا الأمنية مثل أفغانستان، وسوريا، وليبيا.

أما مساحة التواصل الأكثر تطوراً فهي المجتمع المدني. لكنها أيضاً المساحة التي تريد روسيا أن تقطع عنها أي تدخل أجنبي.

إن حوار بطرسبورغ محظور لأن ممثلي مجلس الإدارة ومنظماتهم مصنفون على لائحة "غير المرغوب فيهم في روسيا".

ويطال الأمر صلب العلاقات الألمانية الروسية الممثل بشبكة ضخمة من الشراكات والمشاريع الاجتماعية والتبادل بين الشبان والتعاون الأكاديمي والثقافي.

خلاف حتى على التحديات المشتركة
نتيجة لذلك، سيكون هامش المناورة محدوداً لدى أي مستشار جديد. لم يعد هنالك مجال كبير للتواصل مع روسيا لأنه لم يعد هنالك شريك على الجانب الآخر.

وبحسب ميستر، تختلف عقلية النخب الروسية تماماً عن عقلية نظيرتها الألمانية. ففي مجال التعاون حول مكافحة التغير المناخي، تتخلى ألمانيا عن عصر الكربون، وعلى صناعات السيارات فيها أن تتكيف، وتنهي عصر محركات الاحتراق.

وفي هذا الوقت، لا تزال القيادة الروسية تتحدث عن منافع للتغير المناخي مثل خلو ممر البحر الشمالي من الجليد، وظهور فرص جديدة للقطاع الزراعي، كما لا توجد مؤشرات على أن صادرات الغاز والنفط والفحم ستؤدي دوراً أقل في الاقتصاد الروسي أوفي الميزانية في السنوات المقبلة.

يفتقدون للعقلية
بالنظر إلى الانتخابات الألمانية، ستكون هنالك مراقبة لحجم تبني برنامج حزب الخضر في أي تحالف مستقبلي. لهذا العنصر دور مهم في العلاقات الألمانية الروسية. إن حزب الخضر هو أكثر النقاد وضوحاً لنظام بوتين، ونورد ستريم 2، وانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا.

لكن حتى لو أصبح الديموقراطي الاجتماعي أولاف شولتز مستشاراً، لم تعد هناك ثقة أو مساحة لبناء علاقات تعاونية.

ويرى الكاتب أن غالبية النخب الألمانية لا تزال تتبنى أفكاراً من الماضي، وهي في حاجة للتكيف مع الوقائع الجديدة، وإن لم تفعل، فسيضعف التأثير الألماني أكثر على روسيا.

من المهم بالنسبة لحكومة ألمانية جديدة أن تنظر إلى التحدي الروسي بجدية أكبر، وأن تكون أقل انفتاحاً على العلاقات غير الرسمية، وتعالج نقاط الضعف الألمانية.

ولكن ميستر يأسف لأن كل المرشحين إلى منصب المستشارية لا يملكون فعلاً العقلية لقيادة أوروبا في ملف روسيا، وإذا لم تتكيف النخب الألمانية مع الوضع الجديد في روسيا، وفي جوار الاتحاد الأوروبي فستتقلص قدرة ألمانيا في التأثير على التطورات في الجوار، أو حول العالم.