انقلاب فاشل في السودان (أرشيف)
انقلاب فاشل في السودان (أرشيف)
الأربعاء 22 سبتمبر 2021 / 21:12

تقرير: الانقلاب الفاشل في السودان يكشف عن تحديات عميقة تواجهها الفترة الانتقالية

سلطت المحاولة الانقلابية في السودان الضوء على التحديات الخطيرة التي تواجه الانتقال إلى حكم يديره المدنيون، في بلد خضع لـ 30 عاماً من الدكتاتورية وتحكمه سلطة لفترة يفترض أن تكون مؤقتة، لكن لا أفق أمامها بعد.

ويقول خبراء إن الخلافات بين العسكريين والمدنيين هي أخطر تحد تجابهه البلاد، وتتولى السلطة في السودان حكومة تضم مدنيين وعسكريين شكلت إثر اتفاق سياسي وقع في أغسطس(آب) 2019، عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد مدى ثلاثة عقود، على إثر احتجاجات شعبية عارمة.

ومنذ ذلك التاريخ، تقف الحكومة الانتقالية على أرضية مهتزة بفعل الخلافات العميقة بين الأقطاب السياسية والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وأعلنت الحكومة أمس الثلاثاء إحباط محاولة انقلابية تورط فيها مدنيون وعسكريون على صلة بنظام الرئيس السابق.

ولم يرشح الكثير من المعلومات عن المحاولة غير أن مسؤولاً عسكرياً رفيعاً أكد أنها "كانت ستخلف عواقب وخيمة" لو نجحت، وقال المحلل مجدي الجزولي من معهد ريفت فالي إن "كل طرف سيحاول استخدام المحاولة لترسيخ نفوذه وإضعاف الآخر".

وقال جوناس هورنر المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية "على الرغم من أنها تعثرت بسبب ضعفها، فقد مثلت تحدياً للحكومة الانتقالية يدل على أن المعارضة لها مستمرة مع أنها أكثر شمولاً في تمثيل السودانيين".

وحصلت المحاولة في وقت تشهد شعبية الحكومة تراجعاً بسبب خطواتها الاصلاحية في الاقتصاد التي ينظر لها كثير من السودانيين على أنها قاسية بحقهم، كما أن التأخر في تحقيق العدالة لأسر الذين قتلوا إبان حكم البشير وفي الاحتجاجات التي تلت الاطاحة به، زاد من الانتقادات الموجهة للحكومة.

كما سبقتها احتجاجات في شرق السودان قادتها مجموعة قبلية معارضة لاتفاق سلام وقعته الحكومة في أكتوبر(تشرين الأول) 2020 مع مجموعات متمردة، وأغلق المحتجون الطريق الرئيسي بين بورتسودان وباقي أجزاء البلاد واوقفوا حركة الصادر والوارد عبر ميناء البلاد الرئيسي.

وأفادت تقارير إعلامية محلية أن المحاولة الانقلابية وقعت فجر أمس الثلاثاء واستمرت ثلاث ساعات قادها لواء في معسكر للجيش جنوب الخرطوم، كما أشارت التقارير الى أن معسكرين آخرين في ام درمان المدينة التوأم للخرطوم العاصمة شاركا في المحاولة التي حاول منفذوها السيطرة على الاذاعة والتلفزيون الرسميين.

ولم يصدر تأكيد رسمي لهذه التقارير، ولاحقاً أعلن الجيش اعتقال "أغلب" المشاركين في الانقلاب الفاشل بمن فيهم 11 ضابطاً، وأشارت الحكومة الى وجود مدنيين وضباط كبار على صلة بنظام البشير بين المتورطين، وفي وقت لاحق أمس ألقى عبد الفتاح البرهان خطاباً من المعسكر الذي تحدثت التقارير أن الانقلاب بدأ منه.

وقال مجدي الجزولي "الأمور غامضة جداً"، وأضاف "لا يبدو أنه كانت هناك خطوات حقيقية للاستيلاء على السلطة، لم يحدث تبادل لإطلاق النار في أي مكان كما لم يتم اعتقال أي مسؤول رفيع، عسكري أو مدني".

وللسودان تاريخ طويل مع الانقلابات العسكرية، فالبشير نفسه وصل الى السلطة بانقلاب، كما شهدت البلاد عدداً من المحاولات الصغيرة منذ إطاحته، وأطيح بالبشير إثر احتجاجات شعبية عارمة، وهو محتجز في سجن كوبر شمال الخرطوم منذ أبريل(نيسان) 2019.

ولكن محاولة أمس، كما يقول هورنر "كانت تفتقر الى القدرة على إزاحة السلطات الانتقالية من الحكم"، ويبدو عثمان ميرغني المحلل السياسي السوداني واثقاً بأن العسكريين والمدنيين "سيستخدمون المحاولة لتمديد الفترة الانتقالية".

ويتفق معه الجزولي الذي يصفها بأنها "ورقة مساومة" وكل طرف في الحكومة سيستخدمها "للحصول على مطالبه وتحقيق مصالحه"، فقد شدد البرهان في كلمته أمس على أن الجيش هو من يحمي الفترة الانتقالية، وقال للجنود في معسكر الشجرة جنوب الخرطوم "انتم أهم حماة للفترة الانتقالية".

ونص الاتفاق السياسي في 2019 على أن تكون الفترة الانتقالية لمدة 3 سنوات، وجُدد الاتفاق عقب توقيع اتفاق السلام مع فصائل متمردة في أكتوبر(تشرين الأول) 2020، كما نص على أن يترأس العسكريون مجلس السيادة الانتقالي 18 شهراً ومن ثم تنتقل الرئاسة الى المدنيين.

ويقول محللون إن المحاولة الانقلابية قد تساعد العسكريين على تمديد فترة توليهم رئاسة مجلس السيادة، وقال الجزولي إن "الحجة ببساطة ستكون أن البلاد تواجه أزمة أمنية مما يتطلب بقاءهم في السلطة".

ودعا عبد الله حمدوك رئيس الوزراء إلى "اصلاح المؤسسة العسكرية" وهذا يعني دمج المتمردين السابقين والفصائل شبه العسكرية في الجيش النظامي، ويقال إن هذه القضية تسببت بتوتر بين المكونات العسكرية في البلاد خلال الأشهر الماضية.

وقال الجزولي "يبدو أننا سنسمع بانقلابات مشابهة خلال الفترة الانتقالية، ففي حين تدلل على هشاشة الفترة الانتقالية فستكون مفيدة للتجاذبات السياسية"، وقال أمين اسماعيل الخبير العسكري "المحاولة الانقلابية جددت المخاوف من أن الفترة الانتقالية قد لا تصل الى نهايتها".