الخميس 23 سبتمبر 2021 / 13:31

نيويورك تايمز: هكذا انتهى أمل الفرنسيين في بايدن

دعت مديرة تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية سيلفي كوفمان الأمريكيين إلى تجنب التعجب من الغضب والصدمة في فرنسا بسبب صفقة الغواصات الجديدة التي وقعتها الولايات المتحدة مع أستراليا، ودعتهم إلى تفادي الخطأ في التقدير، فما يحدث أزمة، ليس خلافاً.

مع شعورهم بالشك المتزايد من بعض حلفائهم الأوروبيين في الالتزام الأمريكي، سيحاول الفرنسيون الآن الدفع باتجاه أوروبا أكثر استقلالية وسيادة مع إمكانات أكبر للتحرك ديبلوماسياً وعسكرياً

لا يرتبط الموضوع فقط بخسارة الفرنسيين صفقتهم التي وقعوها في 2016 لبيع كانبيرا غواصات. وأوضحت كوفمان في قسم مقال الضيوف بصحيفة "نيويورك تايمز" أن المسؤولين الفرنسيين يقولون إنهم تعرضوا للخداع من حلفائهم المقربين الذين تفاوضوا مع الأستراليين، سراً.

تكيف وحشي
إن الشعور بالخيانة حاد إلى درجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبشكل غير معهود فضل الصمت على هذه القضية مفوضاً وزير خارجيته الهادئ عادة جان إيف لودريان للتعبير عن الغضب الفرنسي العلني.

وحين سئل في مقابلة على التلفزيون الرسمي إذا كان سلوك الرئيس الأمريكي جو بايدن يذكر بسلوك سلفه دونالد ترامب، رد لودريان قائلاً: "دون التغريدات".

إن التداعيات حسب الكاتبة أكبر بكثير من مجرد صفقة ملغاة أو غرور جريح. كشفت هذه القنبلة الديبلوماسية بوقاحة القواعد غير المكتوبة للتنافس بين القوى العظمى، حيث لا يمكن لفرنسا أن تكون لاعباً دون أن تحمل ثقل الاتحاد الأوروبي معها.

لقد ارتبط الأسبوع الماضي بالجيوسياسات في القرن الواحد والعشرين وبالتكيف الوحشي للتحالفات القديمة مع الوقائع الجديدة.

مفارقة
مضت كوفمان كاتبة أن فرنسا تعتبر نفسها "قوة مقيمة" في منطقة الإندو باسيفيك وهي ساحة معركة أساسية في التنافس بين الولايات المتحدة، والصين، لأنها تملك فيها عدداً من الجزر، وتحتفظ بأربع قواعد بحرية.

لقد طورت استراتيجيتها في المنطقة في 2018 وحضت منذ ذلك الحين الاتحاد الأوروبي على الإتيان بمشروع مشابه. ومن المفارقة أن الاتحاد الأوروبي تقدم باستراتيجيته حول منطقة الإندو باسيفيك في اليوم الذي أُعلن فيه اتفاق أوكوس بين واشنطن، ولندن، وكانبيرا. لكن الخطة لم تحظ بالأضواء الإعلامية بسبب الضجة التي أثارها الاتفاق.

ماذا تعني لها أستراليا؟
لقد كانت أستراليا أساسية في الاستراتيجية الفرنسية. إلى جانب بيع الغواصات، توقعت فرنسا شراكة مع أستراليا تضيف دعامة مهمة إلى حضورها في المنطقة. واليوم، أضحت الخطة بكاملها في الفوضى. وحسب وجهة النظر الفرنسية، فإن البرنامج الذي أسسه الأمريكيون في أستراليا ضخم وشامل إلى درجة أنه لم يترك أي مساحة لمبادرة أخرى. ولإعادة بناء استراتيجيتها الإقليمية، تستدير فرنسا الآن إلى الهند التي تتعاون معهاً فعلاً عن كثب.

تناقضات واشنطن

ثمة عمل الآن على إعادة رسم التحالفات في المنطقة خاصةً بعد الانسحاب الفوضوي لواشنطن من أفغانستان وقلة اهتمامها بحلفائها.

فالنظام العالمي يتغير والتحالفات تتضاعف، ومنطقة "الأنغلوسفير" المبنية بإحكام حول شبكة تبادل المعلومات الاستخبارية المعروفة باسم "العيون الخمس" تعيد تجميع نفسها في جنوب المحيط الهادئ، بما لا يترك أي مساحة للاعبين الأوروبيين القاريين، رغم أن للطرفين مصالح مشتركة.

تضيف كوفمان أن الاجتماع العائلي لبايدن مع حلفائه الأوروبيين والأطلسيين في يونيو (حزيران) في بروكسل يبدو وكأنه كان منذ فترة طويلة. حينها، وبدفع من بايدن، أجمع القادة على إعلان أن الصين خطر أمني حتى مع اعتراض فرنسا، وألمانيا على ذلك، باعتبار أن الصين لم تكن من اختصاص حلف شمال الأطلسي. والآن، ولمواجهة هذا التحدي، أُقصيت فرنسا.

ما كشفه ديبلوماسي فرنسي
لا يشك الفرنسيون أن إدارة بايدن تناور عمداً لتقسيم أوروبا لكنهم يغالطونها بسبب سوء تقديرها لتأثير سياستها القاسية. وقال ديبلوماسي فرنسي لكوفمان إن القيادة الأمريكية مختلفة عن الشراكة. في العيون الخمس مثلاً، هنالك زعيم واحد، والبقية شركاء صغار.

ويثير ذلك أسئلة عدة صعبة على أوروبا. ويوم الاثنين، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لشبكة سي أن أن إن طريقة معماملة فرنسا "غير مقبولة". لكن تردد بعض القادة الأوروبيين في رد الفعل على الأزمة يعكس شكهم في كيفية التعامل مع واشنطن وبيكين.

ومع تصاعد التوترات بين القوتين، قد لا يملك القادة الأوروبيون ترف البقاء في التباس فترة طويلة.

انتهى على الأرجح
حسب الكاتبة، على الولايات المتحدة أيضاً أن تجيب على بعض الأسئلة. هل تساهم الشراكة الأمريكية مع بريطانيا بعد بريكست، في هذه المرحلة الحساسة في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، وبالتوازي مع إهانة الفرنسيين، في استقرار أوروبا ووحدة الغرب؟

وإذا أرادت واشنطن فعلاً من حلفائها الأوروبيين أن يتولوا المسؤولية عن جوارهم، فهل هي مستعدة للقبول بمبدأ السيادة الأوروبية بما في ذلك مسألة المشتريات الدفاعية؟ وما الذي تريده لمستقبل الناتو؟

مع شعورهم بالشك المتزايد من بعض حلفائهم الأوروبيين في الالتزام الأمريكي، سيحاول الفرنسيون الآن الدفع باتجاه أوروبا أكثر استقلالية وسيادة مع إمكانات أكبر للتحرك ديبلوماسياً وعسكرياً.

لكن أمل الفرنسيين في أن يكونوا شركاء لأمريكا في علاقة أكثر توازناً خلال إدارة بايدن، انتهى على الأرجح.