أمريكا والصين (أرشيف)
أمريكا والصين (أرشيف)
السبت 25 سبتمبر 2021 / 15:14

خسارة الصين لسباق التسلح مع الولايات المتحدة أمر حتمي

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي قبل حوالي ثلاثة عقود، تردد أن زعماء الصين أصدروا تكليفات بإعداد دراسات معمقة عن أسباب السقوط، وكان الدخول في سباق تسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها "اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية"، حيث انتهى به المطاف إلى إفلاس الاقتصاد السوفيتي.

ويقول الخبير السياسي الأمريكي من أصل صيني، الدكتور مينكسين بي، في تحليل نشرته وكالة أنباء بلومبرغ، إنه في الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة قدراتها العسكرية على شرق أسيا، تواجه الصين معضلة استراتيجية تماثل تلك التي واجهها السوفيت.

وسوف تتطلب محاولة الصين مجاراة القوة العسكرية الأمريكية، زيادة نفقات الدفاع لديها على نحو جذري- وهو نفس الفخ الذي سقط فيه السوفيت، ورغم ذلك، من الممكن أن يؤدي إخفاق الصين في مواجهة التعزيزات العسكرية الأمريكية، إلى أن تصبح أكثر تعرضاً لانعدام الأمن وللخطر.

ويرى "بي" الخبير في شؤون الحوكمة بالصين وفي العلاقات بين الولايات المتحدة وأسيا، والديمقراطية في الدول النامية، أن قرار أمريكا بيع غوصات هجومية تعمل بالطاقة النووية لأستراليا، سلط ضوءاً صارخاً على مأزق الصين، وباتخاذ هذه الخطوة الاستراتيجية المثيرة، تعلن أمريكا تحدي الصين في سباق تسلح جديد، ذي تكلفة فلكية، ويصل سعر الغواصة الأمريكية الواحدة طراز "فيرجينيا" إلى 3.45 مليار دولار.

وتجد الصين نفسها الآن في موقف استراتيجي لا تحسد عليه، وعليها مجابهة القدرات العسكرية المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ، في نفس الوقت.

ويرى بي أستاذ علم الحكومة بكلية كليرمونت ماكينا فى كاليفورنيا، أنه إذا أرادت الصين أن تصل فقط إلى شبه تكافؤ مع الجيش الأمريكي فإن الأمر صعب، ولكنه ليس مستحيلاً تماماً، فالاقتصاد السوفيتي في ذروته، لم يصل إلى نصف قيمة الاقتصاد الأمريكي.

ويصل إجمالي الناتج المحلي للصين حالياً إلى حوالي 70% من نظيره الأمريكي، محسوباً بالدولار، ومن المنتظر أن يتجاوزه خلال 15 عاماً، وفي المستقبل المنظور، من المتصور أن تتمكن الصين من مضاهاة الإنفاق العسكري الأمريكي.

ولكن المسألة تختلف تماما إذا ما تم إضافة اقتصادات "تحالف كواد"(الرباعي) - أمريكا واليابان والهند وأستراليا- إلى المعادلة، حيث يبرز هذا التجمع على نحو سريع كتحالف تم تشكيله خصيصا لاحتواء الصين، وبحسب بيانات البنك الدولي، بلغ إجمالي الناتج المحلي للدول الأربعة حوالي 30 تريليون في عام 2020، أي ضعف إجمالي الناتج المحلي للصين.

وفي ظل حفاظ دول التحالف على إنفاق 3% من هذا الإجمالي، من شأن ذلك أن يوفر حوالي 900 مليار دولار للجيوش الأربعة، وبذلك، سيتعين على الصين التي وصل إجمالي إنفاقها العسكري إلى 250 ميار دولار في 2020، مضاعفة ميزانيتها العسكرية بواقع أربعة أمثال.

وإذا ما تضمن الأمر الميزة التكنولوجية لأمريكا، وأيضاً المخزون الضخم من السلاح بعد عقود من إنفاق عسكري هائل، سوف يكون الأمر غير واقعي تماماً بالنسبة للصين أن تعتقد أنها تستطيع أن تفوز بسباق التسلح القادم استناداً إلى قوة اقتصادها وقدراتها التكنولوجية.

وهنا يتساءل بي: إذن، ما العمل؟، ويبدو هنا من المناسب اتباع نصيحة الخبير العسكري والفيلسوف الصيني الشهير، سون تزو، صاحب كتاب "فن الحرب"، ومفادها "تجنب مواجهة نقاط القوى لدى خصمك"، ويرى بي أن على الصين بدلاً من الانجرار إلى سباق تسلح لا يمكنها الفوز به، أن تركز على الدبلوماسية لتعزيز أمنها.

وإن الهدف الأساسي لنجاح أمريكا في حشد اليابان والهند وأستراليا في إطار "التحالف الرباعي" هو خوف هذه الدول من القدرات العسكرية المتنامية للصين، ولدى اليابان والهند حافز خاص للتحالف مع أمريكا، في ظل النزاعات الإقليمية والبحرية لكل منهما مع الصين.

ومن الأفضل للمصالح الصينية أن تقوم بكين بجهد جدي لتسوية النزاعات ونزع فتيل التوترات مع جيرانها، وفي هذا الشأن، سيمثل توقف الصين عن اقتحام المياه الإقليمية لجزر سينكاكو (باليابانية)- دياويو بالصينية- المتنازع عليها بين الدولتين، وسحب القوات الصينية من المناطق الحدودية المتنازع عليها مع الهند، بادرة حسن نية.

ويرى " بي" أنه في ظل حالة انعدام الثقة والعداء التي تتصاعد لمستويات خطيرة، من المهم بنفس القدر للصين أن تبدأ الانخراط مع الولايات المتحدة مجدداً، وعلى الرئيس الصيني شين جين بينغ أن يتخلى عن رفضه الواضح مقابلة نظيره الأمريكي جو بايدن، حيث يمكن فقط للانخراط الدبلوماسي على أعلى مستوى، أن يبطئ من الدائرة المفرغة التي تصعد من عسكرة المنافسة بين الصين وأمريكا.

ويتعين على الصين أن تتحلى بالحكمة وأن تتعلم درسين إضافيين من المسألة السوفيتية: الأول، أن الزعماء السوفيت دأبوا على الاستثمار في سباق تسلح خاسر بسبب شعورهم بالقلق من أن الولايات المتحدة ستضرب أولاً.

وبالنظر إلى الماضي، لم يكن لهذه المخاوف أساس على الإطلاق- بل كانت مدمرة من الناحية الاقتصادية، وكذلك الحال اليوم، لا يمكن لأحد أن يتصور أن تبدأ أمريكا بشن هجوم استباقي على الصين، المسلحة نووياً.

وأما الدرس الثاني، فهو أن الاتحاد السوفيتي تمكن من إبعاد الحرب الباردة عن إمكانية أن تتحول إلى حرب حقيقية، عبر العمل مع الولايات المتحدة للتوصل لبروتكولات وقواعد لتجنب الدخول في أي صراع عرضي، ومن الذكاء أن تقوم الصين بتنفيذ البروتوكولات الحالية بينها وبين أمريكا، بمزيد من القوة، إلى جانب اقتراح بروتوكولات جديدة.

وفي ختام التحليل، يرى الخبير السياسي مينكسين بي أن العديد من سياسات الرئيس الصيني اتجهت صوب تحاشي أخطاء نظرائه السوفيت، ولكن إذا لم تقدم الصين على تغيير مسارها قريباً، يخاطر الرئيس بتكرار الخطأ الأكبر الذي ارتكبوه.