الأحد 26 سبتمبر 2021 / 12:27

من أفغانستان إلى الساحل... هل تصغي واشنطن؟

ترى المستشارة في شؤون الأسواق الناشئة كاي ريفا ليفينسون أن ما حصل في أفغانستان من انسحاب أمريكي فوضوي وما تلاه من سيطرة سريعة لطالبان على الحكم يعبر عن إخفاق كارثي في الاستخبارات. لكن هنالك أكثر من ذلك.

الحكومات والمؤسسات الأفريقية، بالشراكة مع أصحاب المصلحة الدوليين كالولايات المتحدة، تحتاج إلى إعادة إشعال الإيمان بأن الديموقراطية قادرة على إنتاج المكاسب للناس

 مع وضع مليارات الدولارات التي أنفقت على الأصول الاستخبارية جانباً، يمكن ملاحظة أن الولايات المتحدة أدركت مسبقاً هذه النتيجة من البيانات المتاحة علناً وقررت عدم الإصغاء لما لم ترد أساساً سماعه.

كتبت ليفينسون في صحيفة "ذا هيل" أن استطلاعات الرأي التي ترعاها واشنطن والتي تم تنظيمها ونشرها بصدقية يجب أن تكون قياساً أساسياً لمدى ملاءمة واستدامة السياسة الخارجية الأمريكية. وشجعت إدارة بايدن على التعلم من أفغانستان بالتوازي مع محاولتها تطوير سياسة أفريقية ومن ضمنها منطقة الساحل التي تشهد أسرع نمو للتمرد الإسلاموي حول العالم.

تحذير مسبق واضح
منذ 2004، أجرت مؤسسة آسيا بتمويل من الإدارة الأمريكية استطلاعات رأي للشعب الأفغاني كي تقيس آراءه بشأن الأمن والانتخابات والحوكمة والفساد والمصالحة مع طالبان وإمكانية الوصول إلى الإعلام ودور المرأة في المجتمع. أجرت المؤسسة تقييمها الأخير بين سبتمبر (أيلول) 2020 وفبراير (شباط) 2021 بهدف فهم وجهات نظر الشعب الأفغاني بما أن "اللاعبين المحليين، الإقليميين، والدوليين يدخلون مرحلة جديدة من تحقيق السلام مع انسحاب القوات الدولية".

حذرت البيانات مسبقاً من التراجع المطرد في الثقة بالحكومة، وقد أعلن أكثر من 95% من المستطلعين أن الفساد كان مشكلة أساسية ومسؤولاً مباشراً عن عدم قدرة الدولة على تأمين الخدمات الأساسية. وتراجعت الثقة بالأجهزة الأمنية والجيش والشرطة حيث شعر أكثر من 75% من الأفغان بالخوف على سلامتهم الشخصية ذاكرين عدم قدرة هذه القوات على حماية أرواحهم وسبل عيشهم.

توقعوه بشكل مأسوي
أيدت غالبية المستطلعين محادثات السلام مع طالبان، لكنها لم تؤيد سلاماً بأي ثمن. قال 81% منهم إنهم لن يقبلوا باتفاق إذا لم تتم حماية حقوق المرأة أو من دون ضمانات للحريات الفردية. علاوة على ذلك، بينما كان هنالك بعض الجاهزية للقبول بدور لطالبان في الحكومة، قال 54.6% من المستطلعين إنهم لن يكونوا مستعدين لمواصلة اتفاق سلام إذا تم التنازل عن السيطرة على الأقاليم لصالح طالبان. بالنسبة إلى الأفغان، لم تكن الهزيمة السريعة للجيش ولا تخلي حكومة أشرف غني عنهم مفاجئة. وكان مصيرهم تحت حكم طالبان متوقعاً بشكل مأسوي.

قدرات تنبئية مخيفة
تقدم أفغانستان دروساً لسياسة إدارة بايدن التي ترتسم بخصوص أفريقيا حيث حدثت ثلاثة استيلاءات عسكرية على السلطة في غرب أفريقيا خلال أقل من 12 شهراً. وهي منطقة يمكن للمساحات غير المحكومة فيها أن تؤمن أرضاً خصبة لأعداء الولايات المتحدة. مجدداً، ينبغي العودة للبيانات بحسب الكاتبة.

أجرى أفروباروميتر، أكبر مستطلع للآراء العامة حول الديموقراطية، 45 ألف مقابلة مباشرة في 34 دولة ووجد أن حوالي 70% من الأفارقة يفضلون الديموقراطية على جميع أشكال الحكم الأخرى. لكن في الوقت نفسه، أبدى أكثر من نصف المستطلعين عدم رضاهم عن نوعية ديموقراطيتهم الخاصة. يستنتج أفروباروميتر أن هنالك "نقصاً ديموقراطياً" حيث الطلب على هذا النوع من الحكم أكبر من العرض. وبسبب ذلك، هنالك خطر في أن تؤدي المطالب بالديموقراطية التي لم تُلبَّ إلى اضطراب اجتماعي وعودة إلى الاستبداد. وكانت تقاريره الأخيرة تنبئية بشكل مخيف.

إصلاح غير مستدام

بين مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، أي قبل أربعة أشهر على انقلاب أغسطس (آب) في مالي والذي أطاح بالرئيس ابراهيم كيتا، ذكر أفروباروميتر أن 86% من الماليين وجدوا أن بلادهم كانت على المسار الخاطئ. كان الاستياء يغلي وقد احتاج إلى عود ثقاب وحصل عليه: تزوير الانتخابات البرلمانية.

بشكل مشابه، يمكن فهم انقلاب سبتمبر (أيلول) 2021 الذي أطاح بالرئيس الغيني ألفا كوندي في إطار خلاصات أفروباروميتر لسنة 2019. لقد كانت غالبية الغينيين تعتقد أن البلاد سلكت المسار الخاطئ وقد أيد 80% تقيد الرئيس بولايتين. لكن كوندي أجرى تعديلاً دستورياً في جميع الأحوال. في كلتا الحالتين، لم يلتزم الرئيسان المتمسكان بالسلطة بنتائج صناديق الاقتراع فتدخل الجيش لملء الفراغ. إنه إصلاح غير مستدام ومعيوب جداً بحسب ليفينسون.

أربعة أفكار أساسية
تستعد إدارة بايدن لقمة الديموقراطية في 9 و 10 ديسمبر (كانون الأول) من أجل وضع "أجندة تأكيدية للتجديد الديمقراطي وللتصدي لأعظم التهديدات التي تواجهها الديموقراطيات". في هذا الإطار، تقدم الكاتبة بضعة أفكار مدفوعة بالبيانات. أولاً، وفي إعلان بديهي، إن ما يهم فعلاً هو ما يريده السكان لأنفسهم وكيف تنعكس هذه الرغبات وتطبقها الهيئات الحاكمة. بالتالي، لا يرتبط الأمر فقط بما تظنه واشنطن.

ثانياً، ينبغي على الإدارة الاستثمار بشكل أعمق في جمع البيانات غير الحزبية والمنشورة على منصات مفتوحة، كما هي الحال مع مؤسسة آسيا وأفروباروميتر. علاوة على ذلك، يجب أن يتم إدخال هذه المعلومات في صناعة القرار، لا أن يتم تجاهلها على أنها مجرد أداة للعلاقات العامة.

ثالثاً، يجدر بالإدارة الأمريكية وهي تدرس استراتيجيتها الأفريقية أن تتعمق في دراسات أفروباروميتر. إن فعلت ذلك فستكتشف أن انتخابات معيوبة سوف تنتج رد فعل انتقامياً وأن الانقلاب الدستوري هو مضر بشرعية الدولة كما هو الاستيلاء العسكري على السلطة وأن المواطنين ينظرون إلى الفساد بطريقة شخصية أي كما لو أنهم أنفسهم قد تعرضوا للسرقة. وستجد أيضاً أنه على الرغم من خيبات الأمل والانقلابات والفساد والإخفاقات الانتخابية، يتمتع الأفارقة بالمرونة ولا يزالون يعتقدون أن الديموقراطية هو أفضل شكل من أشكال الحكم.

رابعاً، إن الحكومات والمؤسسات الأفريقية، بالشراكة مع أصحاب المصلحة الدوليين كالولايات المتحدة، تحتاج إلى إعادة إشعال الإيمان بأن الديموقراطية قادرة على إنتاج المكاسب للناس. وإلا سيعود الإرهابيون والانقلابيون والاستبداديون إلى الواجهة كما هي الحال في أفغانستان كما تختم ليفينستون.