الإثنين 27 سبتمبر 2021 / 12:55

"فاغنر" في مالي..استراتيجية روسيا للتغلغل في أفريقيا؟

سلطت إيمي ماكينون، مراسلة الأمن القومي والاستخبارات في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الضوء على سعي روسيا لتوسيع نفوذها في أفريقيا بتزويد الحكومات الهشة والوليدة بمرتزقة من مجموعة "فاغنر" الروسية، وآخرها مالي، بما يتوافق مع الاستراتيجية التي تتبناها روسيا للتدخل في القارة.

كانت إحدى "ميزات" مجموعة "فاغنر" الجمع بين نشاط المرتزقة، لتعزيز أهداف الكرملين الجيوسياسية، وجني ثمار استخراج الموارد الطبيعية المربحة في الدول التي يعملون فيها

وبعدما عاثوا فساداً في خمس دول أفريقية هشّة على الأقل، وأصبحت سجلاتهم حافلة بانتهاكات لحقوق الإنسان والقتل خارج نطاق القضاء والتدخل السياسي، توقعت ماكينون أن يحصل مقاتلو مجموعة "فاغنر" الروسية على إذن لدخول أراضي مالي، في غرب أفريقيا.

وأعرب خبراء ومسؤولون غربيون عن مخاوفهم من أن يؤدي وجود هذه المجموعة في مالي إلى تحويل الرئيس الجديد للبلاد إلى مدين لموسكو، فضلاً عن تفاقم الاضطراب، الذي أسفر بالفعل عن إجبار الملايين من الشعب المالي على الرحيل من منازلهم.

صحيح أن وجود ألف مرتزق من "فاغنر" في دولة في حجم مالي يبدو وكأنه قطرة في محيط، لكن التقارير الواردة من هناك أثارت قلق العواصم الغربية، خاصة العاصمة الفرنسية باريس، التي أصبحت في منتصف الطريق نحو تقليص وجودها تدريجياً في منطقة الساحل الأفريقي الذي بدأ منذ 8 أعوام لمكافحة الإرهاب.

نفوذ متنامٍ
وعن زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي إلى مالي في عطلة نهاية الأسبوع، قال مسؤول فرنسي للمجلة، في رسالة عبر البريد الإلكتروني،  إن "بارلي أشارت إلى أن المجلس العسكري في مالي لم يُوقع أي عقد مع فاغنر، وذكرت أن قوات برخان لا يمكنها أن تتعايش مع هذه المجموعة"، في إشارة إلى عملية "برخان" لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي تحت قيادة فرنسا، والتي تخوض معركة ضد فرعي تنظيمي القاعدة، وداعش، بالإضافة إلى الاشتباك مع مقاتلي بوكو حرام.

ويوضح التقرير أن نشر مقاتلي "فاغنر" في مالي يتناسب مع أسلوب روسي جديد لإرسال مرتزقة روس، لدعم القادة الأفارقة المحاصرين، ما يعطي الكرملين نفوذاً كبيراً للحصول على الحد الأدنى من الاستثمار.

 كما أن الشبكة المبهمة من الشركات والمتعاقدين الذين يشكلون ما يُسمى مجموعة "فاغنر" ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستخبارات الروسية.

الموارد الطبيعية
وقال جوزيف سيغل، مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني: "لدينا خريطة توضح تماماً كيفية حدوث ذلك"، مستشهداً بأفريقيا الوسطى، والتي ذهب إليها أكثر من ألفي مرتزق من "فاغنر" منذ 2017.

ويضيف سيغل أن الروس "اكتسبوا نفوذاً غير مسبوق في أفريقيا الوسطى، وتورطت فاغنر بصورة أساسية في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقتل خارج القانون والاغتصاب والتعذيب".

وكانت إحدى "ميزات" مجموعة "فاغنر" الجمع بين نشاط المرتزقة، لتعزيز أهداف الكرملين الجيوسياسية، وجني ثمار استخراج الموارد الطبيعية المربحة في الدول التي يعملون فيها.

ونفذت "فاغنر" هذا النمط في سوريا، وليبيا، والسودان وأفريقيا الوسطى، حيث فازت الشركات التابعة لها بامتيازات التنقيب عن الذهب والماس في 2018.

وفي السياق ذاته، يراهن سيغل على أن "فاغنر" ستتمكن من الوصول إلى بعض مناجم الذهب واليورانيوم، والبوكسايت، في مالي قريباً.

استراتيجية 
وتسعى روسيا بانتظام لزيادة نفوذها في أفريقيا بمزيد من الحملات الاقتصادية والدبلوماسية التقليدية، بالإضافة إلى استخدام مزيد من الوسائل الماكرة عبر مجموعة "فاغنر"، في ظل سعيها إلى زيادة حصتها من احتياطيات الموارد الطبيعية الثمينة في القارة السمراء، لفرض نفوذها وتحقيق رؤية الكرملين المتمثلة في عالم متعدد الأقطاب.

ورغم أن تجارة روسيا مع أفريقيا في ازدياد، يظل حجمها ضئيلاً بالنظر إلى تجارة دول أخرى. ولكن روسيا أثبتت براعتها في اللعب جيداً بأوراق ضعيفة. وأعطت استراتيجيات، مثل الاعتماد على مجموعة "فاغنر"، الكرملين تأثيراً كبيراً مقارنةً مع استثماراته.

ولمح التقرير إلى أن موسكو تمكّنت، من خلال استهداف الدول الهشة في لحظات الاضطراب، من الاستيلاء على تلك الدول واحدة تلو الأخرى.

"فاغنر" رأس حربة
وأفادت القيادة الأمريكية في أفريقيا بأن قوات "فاغنر" كانت تعد رأس الحربة في ليبيا. كما وقعت روسيا منذ 2015، عدداً من الاتفاقيات الثنائية للتعاون العسكري مع أكثر من 20 دولة أفريقية.

وفي فصل الصيف، وقعت اتفاقيات مع أكثر دولتين سكاناً في القارة، إثيوبيا ونيجيريا. وفي 2019 عُقدت القمة الروسية الأفريقية الأولى، التي شارك في استضافتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ومن المقرر عقد قمة أخرى في العام المقبل.

ويقول كاميرون هدسون، المدير السابق للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: " هناك محور ضخم يمتد من ليبيا والبحر الأبيض المتوسط إلى أفريقيا الوسطى، مروراً بالبحر الأحمر على الأقل، ويصل إلى مالي حالياً".

الدور الروسي وانقلاب مالي

وأوضح التقرير أن دور روسيا في انقلاب مالي في أغسطس (آب) 2020، لا يزال غير واضح.

وذكر موقع "ديلي بيست" الأمريكي أن اثنين من مخططي الانقلاب كانا في روسيا للتدريب العسكري، وتوجها من موسكو إلى العاصمة المالية باماكو قبل أيام قليلة من الانقلاب.

ويرى سيغل أن "المعلومات المضللة الصادرة من روسيا أججت أيضاً الاحتجاجات التي قادت إلى الانقلاب. لكن تورط روسيا في مأزق مالي الراهن لن يفيدها".

وأفادت إحصائيات الأمم المتحدة بأن أكثر من مليوني شخص نزحوا من منطقة الساحل الأفريقي في ظل تزايد تهديدات المتطرفين الذين انتشروا من مالي، إلى بوركينا فاسو، والنيجر، ما أدى إلى تأجيج العنف الطائفي وردود الفعل الوحشية من الجيوش الوطنية والأجنبية التي غذت تجنيد الجماعات المتشددة للسكان.

تراجع دور فرنسا

أما فرنسا، فإنها تتراجع بالتزامن مع تطلعها إلى تحالف دولي يحل محلها، ويضطلع بمهمتها القتالية، وتتحمل قواته مسؤولية تدريب القوات المحلية ومرافقتها.

ويُؤكد سيغل أن "الحفاظ على الوجود الأمني وإعادة بناء ثقة المجتمعات المحلية والتعاون معها هو الذي سيحدث فرقاً. وهو ما يتطلب مضاعفة أعداد القوات المحلية المدربة بطريقة جيدة. ولهذا السبب، يُعد إرسال قوات فاغنر إلى مالي طريقة غير مناسبة لحل الأزمة التي يعاني منها الشعب المالي، والتي يمكن أن تؤدي إلى خروج البيئة الأمنية عن السيطرة".

وفي المقابل، يرى هدسون أنه إذا استقدمت الحكومة الانتقالية الخاضعة للجيش في مالي مقاتلي "فاغنر"، فستكون هذه "لحظة فاصلة محتملة. وفي الأساس، تختار الحكومة الانتقالية بين المرتزقة من روسيا أو الاستمرار في التعاون مع بعض الجيوش الأكثر احتراماً في العالم".

الدور الأمريكي
ويُبرز التقرير أن التغلغل الروسي في أفريقيا يثير مخاوف الغرب من أهداف موسكو على المدى البعيد. وتُعد مواجهة نفوذ روسيا والصين، أحد الأهداف الواضحة لاستراتيجية جديدة تنتهجها الولايات المتحدة في أفريقيا، وتتمركز حول التجارة، ومكافحة الإرهاب.

وخلال الحرب الباردة، سعى الاتحاد السوفيتي إلى شق طريقه في أفريقيا، مكتسباً مناطق نفوذ من خلال دعم حركات الاستقلال، واستغلال ما خلَّفه الإرث الاستعماري الوحشي للدول الغربية من آثار سلبية.

وأدّت هذه الذكريات إلى تخوف صانعي السياسة الأمريكية من التقدم الروسي في الدول التي لا يُعيرونها كثيراً من الاهتمام.

يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون: "إنهم يخضعون للجهة الجنوبية لحلف الناتو. وأنا لا أقول إن دور قوات فاغنر جوهري للغاية، لكنها تعمل على توسيع نطاق نفوذ الكرملين والجهود لكسب تأييد الحكومات في المنطقة، بالإضافة إلى ما يؤدونه من مهام أخرى لاستخراج المعادن، والتي تؤدي إلى تقوية العلاقات الاقتصادية".

وتستشهد ماكينون بما قاله بول سترونسكي، الباحث البارز في برنامج روسيا وأوراسيا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الذي أكد أن "زيادة نفوذ روسيا ومجموعة فاغنر في أفريقيا في الآونة الأخيرة لا يجب أن يستحوذ بذاته على انتباه صانعي السياس، ولا يجب أن نشعر بالهلع من وجود روسيا في أفريقيا. علينا تفعيل سياسة مواجهة روسيا في كل البلدان بدل مواجهتها في أفريقيا".