الإثنين 27 سبتمبر 2021 / 13:29

كيف سترد فرنسا على الصفقة الأمريكية مع أستراليا؟

رغم أن أزمة الغواصات أرخت بثقلها الكبير على العلاقات الأمريكية الفرنسية في الآونة الأخيرة، إلا أن المحاضر البارز في جامعة كنتاكي الدكتور روبرت فارلي، يُذكر بأن تلك العلاقات لم تخلُ من التوتر في العقود الماضية. صحيح أن الاتصال الأخير بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي جو بايدن، يبدو كأنه برد الجوانب المباشرة للأزمة الديبلوماسية، لكن ثمة سبب للقلق في واشنطن وباريس.

فرنسا ستراقب عن كثب سلوك الولايات المتحدة مع الهند

كتب فارلي في موقع "1945" أنه خلال الحرب العالمية الثانية، واجه الجنرال شارل ديغول بشدة شركاءه في لندن وواشنطن ليحافظ على ما أمكن من استقلالية حكومة فرنسا الحرة، وذلك بعرقلة جهود تقديم غصن زيتون إلى حكومة فيشي، أو الجهود لدمج أفرادها غير النادمين في الهيكلية السياسية لفرنسا الحرة.

ومن الصعوبة بمكان المبالغة في الحديث عن عدائية متبادلة بين ديغول وروزفلت، والتي لم يستطع تشرشل إخفاءها إلا أحياناً قليلة.

وفيالحرب الباردة، اتبع ديغول خطاً مستقلاً دافعاً فرنسا إلى خارج القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي حتى أنه أحبط بشكل عام كل من حاول التعاون مع فرنسا.

وحسب فارلي، سيكون من المنصف القول إن العناد في مواجهة التضامن الأنغلو أمريكي كان نتيجة الثقافة السياسية الفرنسية منذ الأربعينات.

ضرر جدي
اليوم تغير الكثير، لكن المثل الذي أظهره ديغول لا يزال يطبع الكثير من السياسة الخارجية الفرنسية. على الأرجح، كانت خيارات إدارة بايدن في الاتفاق مع أستراليا منطقية في ذلك الوقت، لكنها لم تأخذ بجدية كافية، احتمالات الاستياء الفرنسي.

ولن يساعد أيضاً تجاهل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غضب فرنسا في تهدئة الوضع.

وبإمكان فرنسا إلحاق ضرر جدي بجهود السياسة الأمريكية في منطقتي الأطلسي بشكل أساسي والهادئ بشكل أقل. فحاملة الطائرات الفرنسية وغواصاتها النووية الهجومية ستكون بلا شك عاملاً مساعداً في غرب الهادئ. لكن على المدى الطويل، ستقل أهميتها عن أهمية الغواصات الأمريكية التي ستسلمها واشنطن إلى أوستراليا.

تقرب من الصين؟
لا يعني ذلك أن فرنسا تريد أي اصطفاف وراء الصين. إن المصالح السياسية والإقليمية لفرنسا في الهادئ، أقرب إلى المصالح الأمريكية، لكن خلافات مماثلة يمكن أن تعرقل التعاون في مسائل القواعد والاتصالات.

وقد يكون على فرنسا أن تقلق أيضاً على علاقتها الدفاعية مع الهند، التي تمتعت ببعض النجاحات البارزة أخيراً، من الواضح أن فرنسا غير قادرة على توفير أمن هذه العلاقة على المدى البعيد.

إن مستقبل القوة العسكرية الهندية مهم للولايات المتحدة، وبشكل بديهي تتمتع فرنسا بدور في تلك المعادلة.

ماذا عن أوروبا؟
على الجانب الأوروبي، تكشف العلاقات التاريخية بين فرنسا وروسيا أنها تملك القليل من الحرية الإضافية، الأمر الذي لن يجعل واشنطن ولندن مرتاحتين فعلاً.

ولطالما كان التزام فرنسا بحلف شمال الأطلسي محدوداً، ولن تساعد هذه الأحداث في تخفيف الأزمة الوجودية الدائمة التي يشعر بها الناتو. ومع مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، فقد الحلف الغربي أحد الروابط التي تشد بعضه إلى بعض، ومن المحتمل أن تصعد فرنسا جهودها للسعي إلى سياسة خارجية مستقلة مع روسيا.

على الصعيد الدولي
تحتاج واشنطن في الكثير من مساعيها الجيوسياسية لتعاون أوروبا، وتبقى فرنسا واحدة من أهم القوى في تلك القارة، فالجهود الأمريكية لتطوير تحالف تكنولوجي مصمم لتعزيز الابتكار وإبقاء أكثر التقنيات تطوراً بعيداً من أيدي الصين، تتطلب مشاركة أوروبية متحمسة.

ويضيف فارلي أن لأوروبا أسبابها الخاصة لتدافع بغيرة عن قطاعها التكنولوجي، لكن التحرك الأمريكي قد يثبط بعض الحماسة الفرنسية بعد أن دفعت كلفة ثقيلة للتمييز التجاري.

بين الداخلي والاستراتيجي
إن جزءاً من الانفجار الفرنسي مدفوع بالسياسات الداخلية، وعلى إدارةبايدن أن تدرك ذلك. لكن سلوك فرنسا الديبلوماسي هو استراتيجي أيضاً، إذ يحاول ماكرون عبر التعبير عن الاستياء، ردع هذا النوع من السلوك في المستقبل.

سيكون من الحكمة أن تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها للتخفيف من الغضب الفرنسي والتعامل بحذر مع أي قضية تشعر باريس أن لها فيها مصالح راسخة.

ويشير فارلي ختاماً إلى أن فرنسا ستراقب عن كثب سلوك الولايات المتحدة مع الهند.