علما أمريكا والصين (أرشيف)
علما أمريكا والصين (أرشيف)
السبت 16 أكتوبر 2021 / 16:47

هل يؤدي التركيز الاستراتيجي الأمريكي على الصين لاندلاع حرب في آسيا؟

تشهد منطقة بحر الصين الجنوبي توتراً متزايداً بين الصين والولايات المتحدة التي تسعى لدعم قيادة تايوان، التي ترفض الاستسلام لمطالب بكين الاعتراف بالجزيرة كجزء من الأراضي الصينية.

ويرى الباحث والمحلل السياسي الأمريكي أنتوني كوردسمان أن التحول في التركيز الاستراتيجي لأمريكا من محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط إلى التنافس مع الصين، أدى إلى مستوى متزايد من المواجهة وإمكانية اندلاع حروب في تايوان وبحر الصين الحنوبي.

وفي الوقت نفسه، أدت الزيادات في الانتاج المحلي الأمريكي للغاز الطبيعي والنفط إلى أن يعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة ليست في حاجة كبيرة إلى التدفق السلس لصادرات الطاقة من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويؤكد كوردسمان أستاذ كرسي أرليه بورك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية في تقرير نشره المركز، أن هناك أسباباً قوية لدحض هذين الافتراضين.

فلدى الولايات المتحدة كل الدوافع التى تدعوها لتجنب اندلاع حرب بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، وكذلك تجنب مواجهة الصين على نطاق واسع في منطقة تستطيع فيها الصين الاستفادة من قوتها العسكرية بأقصى فعالية، إذ أن حاجة الولايات المتحدة إلى النظر إلى ما هو أبعد من منطقة شرق المحيط الهادىء والتعامل مع الصين على مستوى عالمي- تدفعها للتركيز على التعاون والتنافس السلمي وليس المواجهة والصراع.

ويوضح كوردسمان الذي عمل مستشاراً لشؤون أفغانستان لحساب وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين أن هناك أمراً ثانياً، وهو أن اعتماد الصين المتزايد على الواردات النفطية يجعلها أكثر عرضة باستمرار للمعاناة من أي انقطاع أو قيود على تدفق صادرات النفط من الخليج وعبر المحيط الهندي ومضيق ملقا.

وتوفر شراكات أمريكا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- لا سيما في الخليج- وإمكانية تضرر الحركة البحرية عبر المحيط الهندي ومضيق ملقا، مصدراً أساسياً لميزة استراتيجية يمكن أن تعوض جزئياً المزايا الجغرافية التي تتمتع بها الصين بالقرب من تايوان وبحر الصين الجنوبي.

كما توفر مصدراً رئيسياً للاستقرار والأمن بالنسبة لشركائها وتضمن التدفق المستقر للنفط إلى اليابان، وكوريا الحنوبية، والاقتصاد العالمي.

ويرى كوردسمان أنه يتعين أن تشمل استراتيجية أمريكا في التعامل مع ظهور الصين كمنافس على قدم المساواة نفس التركيز واسع النطاق على تنافس الصين مع الولايات المتحدة. فتوسع الصين كقوة كبرى أمر عالمي، ولا يقتصر على شرق المحيط الهادىء، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي.

فالصين تسعى للتنافس بصورة مباشرة مع الولايات المتحدة في كل مجال من مجالات التطوير العسكري والتكنولوجيا، فهي تسعى لتطوير قدراتها على انتشار قواتها عالمياً، وتوسيع نطاق نفوذها وسيطرتها في وسط آسيا، والمحيط الهندي، والبحر المتوسط، والخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأوروبا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

ويقول كوردسمان إن الصين لا تفرق بين جهودها العسكرية والمدنية، وبرامجها الاقتصادية الخاصة بمبادرة "الحزام والطريق" ذات طابع استراتيجي- وتهدف إلى أن تكون شكلاً من أشكال منافسة "المنطقة البيضاء" مع الولايات المتحدة، وهي تمثل تحدياً خطيراً للولايات المتحدة تماماً مثل إمكانيات الصين المتزايدة بالنسبة لحرب المنطقة الرمادية والمستويات العليا من الصراع.

ويضيف كوردسمان أنه بوجه عام، لا تستطيع الولايات المتحدة ترك نفسها للوقوع في مصيدة التركيز على مجالات التنافس العسكري المباشر حيث تتمتع الصين بمزايا أكبر فيما يتعلق بالجغرافيا الاستراتيجية، والقدرة على خوض الحرب.

وقد تستطيع الولايات المتحدة أو لا تستطيع مواجهة الصين إلى ما لا نهاية في محاولة لضمان استقلال تايوان وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، ولكن حتى في الوقت الحالي تكشف الدراسات والمناورات الحربية أن الميزة التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة في السابق تراجعت بدرجة كبيرة للغاية، وأنه من الممكن أن " تخسر" الولايات المتحدة في بعض سيناريوهات الحرب المحتملة.

وإذا أرادت الولايات المتحدة ردع الصين بنجاح وإرغامها على التنافس والتعاون السلمي، فإنه يتعين عليها حينئذ التنافس على مستوى عالمي- إذ أن مواجهة الصين بالتهديد بمواجهة محلية سيكون أكثر تكلفة عالمياً عما يستحقه الانتصار.

ويتعين على أمريكا استغلال كل ميزة رئيسية في المنافسة السياسية والاقتصادية مع الصين، وكذلك في المنافسة العسكرية.

ومثل هذا النوع من منافسة "المنطقة البيضاء" قد لا يكون حرباً بالمعني الحرفي للكلمة، لكن- كما توضح العقيدة الدفاعية الصينية الحالية والخبير والجنرال العسكري الراحل صن تزو- إن أفضل طريقة لتحقيق الانتصار هي تجنب الحرب أو الحد منها.

ويؤكد كوردسمان أن الاعتماد على العسكريين ليس فقط أمراً مكلفاً من ناحية أن مكاسبة المدنية ضئيلة للغاية، ولكنه أيضا يمثل مخاطر جسيمة بالنسبة للعبء الذي يثقل به الانفاق العسكري كاهل الاقتصاد القومي، والتكاليف التي يمثلها أي صراع ميداني كبير بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الاستراتيجيين، وخطر حدوث تصعيد لحرب نووية- وإن كان محدوداً.