• متظاهرون يحرقون علماً أمريكياً في طهران.(أرشيف)
    متظاهرون يحرقون علماً أمريكياً في طهران.(أرشيف)
الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 / 13:36

فورين أفيرز: خطة "باء" للتعامل مع إيران

قدم المدير الإداري لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مايكل سينغ ما سمّاه الخطة "باء" تجاه إيران لدفعها إلى طاولة التفاوض حول اتفاق نووي جديد أشد صلابة من اتفاق 2015.

على الإدارة استخلاص العبر من الإخفاقات والنجاحات الأمريكية في التعامل مع إيران

وأوضح سينغ في مجلة "فورين أفيرز" أن التعنت الرافض لإحياء الاتفاق النووي الذي أظهرته طهران خلال محادثات فيينا يوحي أن الحسابات التي أجرتها في 2015، أي أن الاتفاق أفضل من الضغط الاقتصادي المتواصل، قد تغيرت. ومن المحتمل أن يعكس هذا الأمر اهتماماً إيرانياً أقل بالاتفاق النووي مقابل نظرة أكثر إشراقاً للبدائل الأخرى المتاحة.

ما الحسابات الجديدة؟

في الأعوام الأربعة الماضية، استنتجت إيران على الأرجح أن رفع العقوبات لم يكن على مقدار الآمال، لأن الشركات الأجنبية كانت مترددة في العودة إلى إيران حتى حين كان الاتفاق النووي في إطار التنفيذ ولأنه كان من السهل جداً على الولايات المتحدة إلغاءه من جانب واحد.

وقد يشكك رئيسي في إرادة بايدن لتنفيذ العقوبات في غياب أي اتفاق، كما يعلق آمالاً على علاقة إيران المتنامية مع الصين، قوة التوازن، للضغط الاقتصادي الأمريكي.

وبكلمات أخرى، قد يظن المسؤولون الإيرانيون أن العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي أقل شأناً من البدائل، ولذلك، وبتطوير خطة "باء" لمضاعفة حدة التداعيات على إيران لو واصلت رفض الانفتاح الديبلوماسي، وتوسيع نشاطاتها النووية، بالتزامن مع تقديم مقترح ديبلوماسي يتخطى زمن ولايته الرئاسية، يمكن للرئيس جو بايدن تغيير حسابات القادة الإيرانيين.

للتعلم من التجارب
وحسب الكاتب، فإن على الإدارة استخلاص العبر من الإخفاقات والنجاحات الأمريكية في التعامل مع إيران. إن الدرس المركزي من تلك السياسات، هو أن الولايات المتحدة كانت أقل نجاحاً عندما اعتمدت بشدة على نهج واحد أو أداة سياسية واحدة مع إيران.

وبالعكس، حققت واشنطن المقدار الأكبر من المكاسب حين دمجت أدوات سياسية عدة، وعملت بالتنسيق مع شركائها الأساسيين. وعلى سبيل المثال، ينظر المراقبون عادة إلى أن تعليق إيران برنامج أسلحتها النووية في 2003 كان بسبب الضغط العسكري الأمريكي والعمل الديبلوماسي الأوروبي المشترك.

وأنتج دمج العقوبات والديبلوماسية اتفاقين نوويين بين 2013 و 2015 رغم أن إدارتي ترامب وبايدن وجدتا أنهما غير كافيين.

على إدارة بايدن التعلم من هذه التجارب في إطار سعيها إلى إظهار أن البدائل عن الاتفاق سيئة لإيران.

الجدية
أولاً وقبل كل شيء، على الولايات المتحدة إظهار أن إيران ستواجب عواقب بسبب موقفها غير المنطقي في محادثات فيينا، حين أصرت على توسيع نطاق رفع العقوبات عن الحدود التي أمنها الاتفاق الأساسي وحين طالبت بضمانات لمنع مغادرة الإدارات المقبلة هذا الاتفاق.

 إنها ضمانات لا يستطيع بايدن تقديمها حتى لو رغب في ذلك، وإذا استمر عناد إيران، فسيكون على الإدارة تنفيذ العقوبات وتوسيعها.

إن خطوة مماثلة ستقنع الإيرانيين بأن انتقادات فريق بايدن السابقة لحملة الضغط الأقصى لا تعني أن الإدارة الحالية ستسمح بإضعاف العقوبات في غياب أي اتفاق.

ولتحقيق ذلك، سيكون على إدارة بايدن التشديد على التزامها بتنفيذ عقوبات ترامب، وسد الثغرات في نظام العقوبات، ومن أبرزها مبيعات النفط الإيرانية، إلى الصين التي زادت بشكل كبير في 2020.

وهدد المسؤولون الأمريكيون بأن تشديد العقوبات سيكون قريباً، لكن مخاوف من رد فعل إيران والأولويات المتضاربة في العلاقات الأمريكية الصينية المشحونة، سيجعل ضغط الزناد أصعب.

التعاون مع أوروبا... 
إن القرار سيكون أسهل وسيزيد الضغط على إيران لو تحركت الولايات المتحدة بالتنسيق مع شركائها، خاصةً إذا انضمت مجموعة الثلاث، ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا إلى واشنطن في الانسحاب من الاتفاق النووي على ضوء رفض إيران العودة إلى الامتثال المتبادل، وقد يؤدي ذلك إلى إعادة فرض العقوبات الأوروبية والأممية على إيران.

ويرى سينغ أن السنوات القليلة الماضية برهنت على أن مثل هذه الخطوة قد يمثل أهمية اقتصادية هامشية عند إيران لأن العقوبات الأمريكية وحدها تركت آثاراً كثيرة. لكن هذه الخطوة ستمثل تصعيداً ديبلوماسياً مهماً لأن القيادة الإيرانية أيضاً حساسة تجاه تصور أنها معزولة دولياً.

ويضيف سينغ أن إقناع مجموعة الثلاث بالانسحاب من الاتفاق النووي لن يكون مهمة سهلة. فرغم أن الاتفاق لم يعد محترماً من الأمريكيين والإيرانيين، فإن المجموعة قد تخشى أن يُسبب الانسحاب الأوروبي رداً إيرانياً أكثر زعزعة للاستقرار، أو أن يؤدي إلى التضحية بعناصر لا تزال فاعلة رغم النزاع الإيراني الأمريكي. وقد تتردد المجموعة في التحرك في غياب إجماع الاتحاد الأوروبي.

يمكن أن تكون المشكلة الأخيرة هي الأصعب، لكن المشكلتين الأوليين قابلتان للدحض. فتصرفات إيران الحالية تهدد بزعزعة الاستقرار كما أن تحركاتها الأخيرة لتقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التفتيش والرقابة على نشاطاتها النووية، تعني أن العناصر الباقية في الاتفاق، لن تُحفظ على المدى الطويل.

إن انسحاب مجموعة الثلاث يعني من جهة أخرى أن إيران تزيد عزلة، بموقفها المتمرد وأن هناك حاجة إلى اتفاق جديد.

مزايا الخيار العسكري... 
يشدد سينغ على ضرورة استعداد إدارة بايدن لاحتمال ألا يكفي الضغطان الاقتصادي والديبلوماسي  لردع إيران عن السعي إلى أسلحة نووية.

لقد برهن المسؤولون في طهران أنهم مستعدون لتعريض بلادهم إلى الصعوبات الاقتصادية من أجل التقدم النووي. ونتيجة لذلك، ستحتاج الولايات المتحدة إلى رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة للذهاب إلى ما أبعد من العقوبات الاقتصادية، وشن غارة عسكرية في خيار أخير لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.

يمكن تفهم تردد إدارة بايدن في ذلك، لأن لا الديموقراطيين ولا الجمهوريين مهتمين بنزاع عسكري آخر في الشرق الأوسط، والمرجح أن البيت الأبيض قلق من تهديدات ستدفع الحكومة الإيرانية المتشددة إلى رفض التواصل الديبلوماسي بدعوى معاملتها بقلة احترام. لكن للردع العسكري الأمريكي ثلاث مزايا حسب الكاتب.

سيوجه هذا الردع أولاً رسالة لإيران مفادها أن الحصول على سلاح نووي ليس مكلفاً وحسب بل مستحيلاً أيضاً، وسيتطمئن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة الذين قد يشعرون بأنهم مجبرين على العمل ضد إيران بأنفسهم أو على بناء قدراتهم النووية.

وثالثاً، من شبه المؤكد أن أي رئيس أمريكي، بصرف النظر عن انتمائه الحزبي، سيفكر في ضربة عسكرية إذا ووجه بمعلومات استخبارية طارئة وجدية عن قرار إيران بالاندفاع نحو سلاح نووي.

ولذلك، سيكون أفضل أن تفهم إيران تداعيات خيار مماثل عوض سوء فهم خاطئ للمخاطر والتحريض على صراع مع الولايات المتحدة، بناء على حسابات خاطئة.

إن التحدي الحقيقي بالنسبة إلى الكاتب هو كيفية ضمان مصداقية هذه التهديدات في وقت بدأت فيه واشنطن استدارة طال انتظارها نحو آسيا.

إن الخطر الذي تفرضه إيران على الأمن القومي الأمريكي حقيقي، لكن لا يمكن مقارنته مع التحديات المتزايدة لدول نووية مثل الصين، وروسيا. إن الحفاظ على مصداقية التهديدات الأمريكية سيتطلب مواصلة التحرك حين تستهدف إيران وميليشياتها المصالح الأمريكية.

وعلى الولايات المتحدة العمل باستمرار لتعزيز قدراتها وقدرات حلفائها لمواجهة الردود الإيرانية المحتملة. وستتحسن المصداقية الأمريكية إذا أكدت واشنطن التزامها بالمنطقة مع صياغة استراتيجيتها في الشرق الأوسط مع تركيز أكبر على آسيا.

نموذج جديد مختلف
إن وضع خطة "باء" للتعامل مع إيران لا يعني التخلي عن الديبلوماسية. فجعل البدائل أسوأ لإيران لن ينجح إلا بعد التقدم بمقترح ديبلوماسي ذو مصداقية. وحسب سينغ، على الإدارة استبدال اتفاق 2015 عوض إحيائه بما أن الخيار الأخير لن يرضي الولايات المتحدة أو إيران على المدى الطويل.

ويبدو حتمياً تقويض الجمهوريين للاتفاق النووي بعد إحيائه بمجرد استلامهم البيت الأبيض. إن أقصر طريق لإدارة بايدن لتقدم عرضاً "أفضل" لإيران هو اقتراحها اتفاقاً ديبلوماسياً يفرض طلبات أكثر على طهران لكنه في المقابل يجذب دعم الحزبين، وبالتالي سيكون أكثر استدامة.

إن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون على صورة "اتفاق نووي +" يهدف إلى توسيع القيود النووية على إيران، وإلى الحد من نشاطاتها الصاروخية.

اقترحت الإدارة وكذلك نقاد الاتفاق النووي إدخال القضايا الإقليمية مثل العراق، واليمن في هذه المفاوضات. لكن على واشنطن التفكير مرتين قبل التفاوض على هذه الملفات بشكل ثنائي مع طهران أو حتى مع موسكو أو بكين. فهذه المسائل يمكن التعامل معها بصورة أفضل إذا كانت منفصلة وشاملة لمجموعة مختلفة من الأطراف.

وبإمكان الولايات المتحدة وضع اتفاق 2015 جانباً والسعي إلى نموذج جديد مختلف بالكامل. يشمل اتفاقاً يشبه معاهدات الحد من التسلح حيث تنتهي التزامات الطرفين بعد فترة من الزمن إذا لم تستبدل بمعاهدة أخرى. إن هذا الاتفاق سيكون أفضل من اتفاق 2015 الذي كانت ستنتهي واجبات إيران فيه دون إنهاء لواجبات الولايات المتحدة وشركائها.

للتفكير بالمستقبل البعيد

في نهاية المطاف، إن التوصل إلى اتفاق ديبلوماسي مع إيران قد لا يكون ضرورياً بحسب سينغ. إذا كانت تداعيات توسيع البرنامج النووي واضحة وقوية بما يكفي، ربما تُردع إيران دون اتفاق.

ومع ذلك، فإن اتفاقاً متفاوضاً عليه يجب أن يبقى الهدف المفضل للولايات المتحدة بما أن الاتفاق القوي قادر على إشاعة الاستقرار ومنع احتمال سوء التقدير الذي ينطوي عليه الاعتماد على الاحتواء والردع.

ويزيد احتمال ألا يكون أي اتفاق جديد، مجرد إعادة لإحياء القديم، أن التحرك مباشرة للتفاوض حول ترتيب جديد سيكون محفوفاً بالمخاطر في المدى القريب، لكن إذا اهتمت إدارة بايدن ببناء دعم داخلي ودولي لجهودها، فقد تحصل على نتيجة أكثر نجاحاً واستدامة على المدى الطويل، وفق سينغ.