محطة كهرباء دير عمار في لبنان (أرشيف)
محطة كهرباء دير عمار في لبنان (أرشيف)
الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 / 15:04

اتفاق الغاز لن ينهي أزمة لبنان ولا تدخلات إيران

شهدت الفترة الماضية جهوداً مختلفة لمساعدة لبنان في مواجهة أزمة الطاقة التي يعاني منها بدرجة كبيرة، ويمثل إعلان اتفاق للطاقة من شأنه أن يتيح تدفق الغاز الطبيعي عبر سوريا إلى لبنان لحظة مهمة للدولتين وللتحركات الجيوسياسية التي تحيط بهما.

ويقول محلل السياسات الخارجية الأمريكي اليكسندر لانغلويس، الذي يركز على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن "الخطة التي تهدف إلى تحقيق استقرار قطاع الطاقة في لبنان والتنافس مع النفوذ الإيراني، تحظى بدعم الأطراف الفاعلة، الإقليمية والدولية".

ورغم ذلك، فإن الوضع الحالي في سوريا بالكاد يدعم الفكرة، ما يجعل هذه الجهود غير مستدامة، أو واقعية، إذ أن الديناميكيات السياسية والأمنية في سوريا، التي تمزقها الحرب، تشير إلى أنه حتى لو كان الرئيس السوري بشار الأسد، يريد في الحقيقة الاتجاه إلى الخليج والغرب، فإن مثل هذه الخطوة على الأرجح مستحيلة اليوم.

ويضيف لانغلويس أن مثل هذه الصعوبات تتضح عند بحث تفاصيل الاتفاق وأطر تنفيذه، ويهدف الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 8 سبتمبر(أيلول) الماضي بين وزراء الطاقة في لبنان، والأردن، وسوريا، ومصر، إلى جانب قوى دولية مثل الولايات المتحدة، وبتمويل من البنك الدولي، إلى تزويد محطة كهرباء دير عمار، إحدى محطات الكهرباء الرئيسية اللبنانية، شمال البلاد، بـ 450 ميغاوات من الكهرباء، بعد تدفق الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عن طريق الأردن، وسوريا.

وظاهريا، يأتي الاتفاق في منعطف حاسم للبنان، الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ قرن من الزمان، حيث الانقطاعات الحادة في الكهرباء بسبب توقف تشغيل المحطات، في ظل مؤشرات اقتصادية تزيد سوءاً، بما في ذلك تقارير عن معدل فقر متعدد الأبعاد يبلغ 82%.

وما يزيد الأمور سوءاً، تحريض القوى السياسية طائفياً بقوة، وتأجج الوضع في بيروت في 14 من الشهر الجاري، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 30 آخرين.

وفي مواجهة اتفاق الغاز الطبيعي عبر سوريا، سعى حزب الله إلى إظهار نفسه منقذاً للبنان، باستيراد وقود إيراني عبر سوريا، في تحد للعقوبات الأمريكية، ومثل هذه الجهود لا تكفي احتياجات لبنان الحالية من الطاقة ولكنها توفر دعاية ممتازة لأقوى طرف فاعل سياسياً وعسكرياً في لبنان.

واستغل حزب الله شحنات الوقود لإظهار نفسه وإيران مدافعين عن لبنان، واعتبار العقوبات الأمريكية والتصرفات الدولية محاولات امبريالية للسيطرة على لبنان، ومن ناحية أخرى، اختارت واشنطن التي وجدت نفسها في مأزق سياسي، تجميد تطبيق العقوبات بسبب شحنات الوقود.

ويرى لانغلويس أن توقيت الاتفاق منطقي في ظل الوضع الاقتصادي والجغرافي السياسي للبنان، وعلى هذا الأساس، يبدو مثل هذا الاتفاق عظيماً على الورق، ولكن تفعيله أكثر صعوبة. وفي نهاية المطاف، يعتمد الاتفاق على سلسلة افتراضات ترفض الحقائق على الأرض في سوريا، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصير لبنان وشؤونه الحالية.

ومن المهم أن مثل هذا الاتفاق يفترض أن سوريا ستكون مستقرة بدرجة كافية لضمان تدفق منتجات الطاقة عبر خط الغاز العربي الذي يمر من معبر جابر، جنوبي سوريا، إلى حمص وأخيراً إلى طرابلس بشمال لبنان، وهذا الخط شهد فترات عمل وانقطاع طوال الصراع، وكان آخر توقف لعمله بعد هجوم داعش في 18 سبتمبر(أيلول) على محطة دير علي في جنوب سوريا، إحدى أهم النقاط على طول الخط وتغذي دمشق بكميات كبيرة من الكهرباء.

وعكس هذا الحادث قدرة داعش على عمليات من خلال الخلايا النائمة في أنحاء البلاد، كما أن الهجوم يؤكد محدودية البنية الأساسية للطاقة في سوريا، ففي الوقت الحالي تشهد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة انقطاع الكهرباء إلى يصل إلى 20 ساعة في اليوم، في نتيجة مباشرة للصراع وتدمير البنية الأساسية، بما في ذلك خط الغاز العربي.

ويقول لانجلويس إن هناك مشاعر معادية لنظام الحكم في مناطق المعارضة السابقة في سوريا، في محافظة حمص التي كانت في وقت من الأوقات معقلاً للمعارضة، ومن المعروف أن خط أنابيب الغاز العربي يمر عبر هذه المحافظة التي لا تكن مشاعر إيجابية للحكومة، ومن ثم فإن هناك خطراً حقيقياً من جانب المناطق التي تسيطر عليها المعارضة على أي استقرار لخط الأنابيب.

ويرى لانغلويس أن من الصعب توقع استمرار أي تدفق للغاز الطبيعي عبر سوريا في المدى القريب إلى المتوسط، وحتى لو كانت لدى دمشق حوافز لدعم الاتفاق للأسباب سالفة الذكر الخاصة بالدبلوماسية وأمن الطاقة، فهناك أطراف فاعلة أخرى لها حوافز لإفشال الاتفاق وستحول دون تطبيقه، ومن ثم، ورغم أن تأثيرات الاتفاق لم تظهر بعد، لكن من غير المرجح أن يحسم الكثير من قضايا لبنان أو يواجه النفوذ الإيراني.