السبت 4 ديسمبر 2021 / 11:00

صحف عربية: مطالب السعودية أبعد من استقالة قرداحي

استقال وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية جورج قرداحي أمس الجمعة، بعد ضغوط داخلية وخارجية مورست ضده للخروج من حكومة نجيب ميقاتي تزامناً مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المنطقة سعياً لرأب الصدع مع السعودية.

ووفقاً لصحف عربية صادرة اليوم السبت، فإن استقالة قرداحي قد لا تكون بطاقة الحل السحرية، خاصة وأن السعودية تعي أن المشكلة الأساسية في لبنان هي حزب الله.

هيمنة حزب الله
قالت صحيفة "اليوم" السعودية، إن استقالة قرداحي لن تنهي سيطرة حزب الله على القرار اللبناني، وارتهان الدولة إلى إيران، ولن توقفه أيضاً عن التدخل في الشؤون العربية وممارسة سياسات عدائية بالوكالة ضد دول الخليج.

وأكد مراقبون للصحيفة، أن قرداحي يعلم جيداً أن الأزمة مع الخليج ليست هو ولن تُحل باستقالته، وقالوا إن "البيان السعودي كان واضحاً لجهة المواضيع، التي طالبت المملكة بحلها، وتبدأ بتصدير الكبتاغون إلى المملكة ولا تنتهي بجعل لبنان منصة إعلامية للتهجم على دول الخليج، إذا يجب أن تتبع الاستقالة تنفيذ كل مطالب الرياض المشروعة". وبحسب المراقبين، فإن الاستقالة ربما تعني "ترطيب الأجواء العربية ـ اللبنانية"، إلا أنها "ليست كل شيء ولا تعطي الضمانات الكافية بأن حزب الله سيتوقف عن التدخل في الشؤون العربية وممارسة سياسات عدائية ضد الخليج العربي عموماً والسعودية خصوصاً".

ويوضح المحلل السياسي يوسف دياب، أن "استقالة قرداحي متأخرة جداً"، لافتاً إلى أنه "كان يجب أن تحصل عندما بثت المقابلة، التي أجراها مع قناة الجزيرة وتسببت بالمشكلة"، وتابع: "لو كانت الاستقالة أتت في ذلك الوقت لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم". ويشدد على "أن هذه الاستقالة لم تأت كمبادرة من قرداحي ولا من حزب الله كحسن نيّة إنما أتت كضغوط فرنسية كبيرة مارسها الرئيس إيمانويل ماكرون على الرئيس نجيب ميقاتي، كما مارسها الجانب الفرنسي على حزب الله".

موقف سعودي ثابت
وقالت صحيفة "العرب" اللندنية، إن استقالة قرداحي يمكن أن ترضي الخليجيين وتظهر قوتهم وقدرتهم على الضغط، لكنها لن تغير الموقف السعودي الذي ينظر إلى ما وراء الاستقالة وما وراء قرداحي، ولم تعد الاعتذارات الكلامية تؤثّر فيه.

وبحسب الصحيفة، فإن قرداحي لم يستقل في سياق مساع للتهدئة مع السعودية، وإلا لكان بادر إلى ذلك منذ بداية الأزمة ونأى بنفسه عن التوظيف السياسي، وسكوته طوال هذه الفترة يؤكد أن قراره كان مرتهناً لجهة تفكر بدلاً منه، وسعت لتوظيف تصريحاته في عملية لي الذراع والدخول في مناكفات مع الرياض، وهي الآن تستثمر استقالته لتمتين العلاقة مع ماكرون، والمقصود بهذه الجهة هو حزب الله.

ولم يخف قرداحي في المؤتمر الصحافي الذي عقده الجمعة أنه استقال قبل أن يزور الرئيس الفرنسي الرياض على أمل أن يساعد ماكرون خلال الزيارة على تخفيف حدة الأزمة مع لبنان. وصرح ماكرون خلال زيارته إلى دولة الإمارات، "سنفعل ما في وسعنا لإعادة إشراك منطقة الخليج من أجل صالح لبنان… أتمنى أن تسمح لنا الساعات القادمة بتحقيق تقدم".

لكن متابعين للشأن الخليجي أكدوا أن تصريحات ماكرون لا تعني أنه سيخرج من جولته التي تشمل الإمارات وقطر والسعودية بإعلان عودة العلاقات اللبنانية – الخليجية وكأن شيئاً لم يقع، معتبرين أن كلامه قد لا يتجاوز تبرئة الذمة أمام الجهات اللبنانية التي تراهن عليه ومفاده أنه سيطرح الموضوع على السعوديين ويسعى لتليين موقفهم ليس أكثر.

أزمة لبنان الحقيقية
من جهته، قال الكاتب سمير عطالله في مقال له بصحيفة "الشرق الأوسط"، معلقاً على استقالة قرداحي، "ليس من حدث محليٍّ في لبنان. الحكومة تستقيل بسبب الصراع الأمريكي - الإيراني، وتتألف بسبب التوافق الإيراني-الفرنسي. وجورج قرداحي يستقيل بالتماس من فرنسا. ورئيس الجمهورية يلين برجاء من روسيا. والحكومة لا تجتمع إلا بانفراج في المحادثات النووية في فيينا. والتواضع يرفع مشنقته لأنه لم يعد قادراً على التحمل".

ويضيف الكاتب، "أن هذا التواضع ليس جديداً. مرض عضوي وراثي في الجينات لا شفاء فيه. والمصيبة أن هذا صحيح. وأن "هالكمّ ارزة العاجقين الكون" لا يكفّون عن ذلك. ولذلك، بايدن لا ينام. وماكرون مُضرب عن الطعام. بئست الدول الواقعة على مفترقات الأمم ومفارق الشعوب لا أحد يدعها تنام. دول بلا إرادة وبلا هدف وضميرها صدئ".

وعلق قائلاً، "كل لبناني يريد منصباً. ومرجعاً وسنداً. وجورج قرداحي سنده بشار الأسد وماكرون. ولا يستقيل إلا من أجلهما. و"تظن أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر". وفي أيام جُعل وزيراً، ثم بطلاً، ثم رمزاً لشرق أوسط جديد، لا أحد يعرف توقيت قيامته. لبنان أزمة لا دولة".

كواليس الاستقالة
من جهة أخرى، سرد الكاتب اللبناني عماد مرمل في مقال له بصحيفة "الجمهورية"، كواليس استقالة قرداحي التي أتت بضغط من الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي أكد للمسؤولين اللبنانيين، أنه لن يذهب إلى الرياض وهو خالي الوفاض لبنانياً، ولذلك أوحى لمن يعنيه الأمر في بيروت انّه يحتاج إلى رفده بورقة تفاوضية قد تساعده في فتح الأبواب الملكية المغلقة، وإقناع السعوديين بتليين موقفهم حيال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

وأضاف مرمل، "أما هذه الورقة فهي ليست سوى استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، والتي يفترض ماكرون كما ميقاتي أنّها "دفعة أولى" ضرورية، لا بدّ للبنان من أن يسدّدها لإحداث خرق في جدار الأزمة الدبلوماسية مع الرياض، علماً أن ميقاتي كان قد طلب من قرداحي إبلاغه بـ"جواب نهائي" قبل وصول ماكرون إلى المملكة يوم الأحد المقبل".

وأوضح مرمل "بعد رجوعه من الفاتيكان اجتمع ميقاتي مع قرداحي مكرّراً دعوته إلى أن يستقيل لمصلحة لبنان. أما قرداحي فأبلغ إليه أنّ قرار الاستقالة ليس ملكه الشخصي فقط، وانّه يحتاج إلى التشاور مع حلفائه في شأن الخيار الذي ينبغي اعتماده، مشدّداً مرة أخرى على انّه غير متمسّك بالمنصب، وكل الاحتمالات تخضع إلى النقاش. لاحقاً، وضع قرداحي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية في صورة اجتماعه مع ميقاتي، وناقشا الاحتمالات الممكنة. ويوضح العارفون، أن قرداحي أجرى جولة من المشاورات مع حلفائه وأصدقائه لحسم خياره وتحديد وجهته، آخذاً في الحسبان التطور المستجد فرنسياً، وعلم أن "حزب الله" أبلغ إليه أنه سيتفهم أي قرار يصدر عنه".