الأحد 5 ديسمبر 2021 / 14:06

إيكونوميست: إيران بحاجة للمياه لا لليورانيوم

رأت مجلة "إيكونوميست" البريطانية أنه إذا كان يمكن لوم الولايات المتحدة لتسببها بالأزمة حيال الاتفاق النووي، فإن إيران هي المخطئة في إطالتها. لقد سمح الاتفاق النووي لطهران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 3.67% فانتهكت هذا السقف في 2019 وتجاوزته بشكل كبير. وفي وقت سابق من السنة الحالية، خصبت اليورانيوم بنسبة 60% وهو مستوى لا يتمتع بأي أغراض مدنية ويبعد خطوات قليلة عن التخصيب لغايات التصنيع العسكري النووي.

تقول الأمم المتحدة إن المياه المتوفرة للفرد الواحد انخفضت قرابة 28% خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى حدود 1675 متراً مكعباً في السنة، وهو مستوى تصفه بـ"الإجهاد المائي"



من جهتها، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر (تشرين الثاني) أن إيران خزنت أكثر من 2300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب وهو رقم أكبر بإحدى عشرة مرة من ذاك الذي سمح به الاتفاق. وشمل ذلك 17.7 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. وبدأت أيضاً بتحويل اليورانيوم من الغاز إلى المعدن الصلب وهي خطوة أساسية في تصنيع القنبلة. وفي 1 ديسمبر الحالي، أفادت الوكالة أن إيران شرعت في تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة وبدأت بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20% في منشأة فوردو المحصنة داخل جبل حيث يحظر الاتفاق النووي أي تخصيب.

"سنعلم بها حين نراها"
قبل الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا، أشارت إيران إلى أنها لن تناقش انتهاكاتها الخاصة للاتفاق النووي، بل فقط الانتهاكات الأمريكية. لقد أرادت اعتذاراً لانسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق وتعويضاً عن ذلك إضافة إلى الحصول على وعد بعدم تكرار ذلك في المستقبل. لكن واشنطن لا تستطيع تقديم ضمانة كهذه، ولا حتى الدول الأخرى المنضوية في الاتفاق بما فيها إيران نفسها، كما تابعت المجلة البريطانية نفسها.
في هذه الأثناء، قد تجعل نشاطات طهران النووية ذلك الاتفاق مجرداً من الأهمية. حتى لو أوقفت إيران نشاطاتها المحظورة، فقد اكتسبت المعرفة القيمة التي لا يمكن نسيانها. يقول الأمريكيون إن الوقت قصير لإعادة العمل بالاتفاق النووي، لكنهم يرفضون قول ما الذي سيشكل خطوة إيرانية غير قابلة للإصلاح. "سنعلم بها حين نراها"، يقول كبير المفاوضين الأمريكيين روب مالي.

مقاربة عقيمة
يعتقد المتشددون في إيران أن الاتفاق النووي لا يستحق الجهد. ويقولون إن أمريكا ستبقي على العقوبات غير النووية التي تعرقل عجلة الاقتصاد الإيراني. سيفضلون تجاهل الغرب وإقامة علاقات تجارية مع الصين والتركيز على بناء ما يسمى بـ"اقتصاد المقاومة" في الداخل. لكن الأحداث الأخيرة تكشف عقم هذه المقاربة. لقد نظم سكان أصفهان وسط إيران احتجاجات طوال أسابيع بالقرب من نهر زايانده رود الآيل إلى الجفاف. أطلق المزارعون التظاهرات بسبب غضبهم من الجفاف الطويل المدى الذي دمر معيشتهم. ولم تقدم الحكومة الكثير من المساعدة.

حتى حكومة كفوءة ستواجه صعوبات

النقص في المياه أمر شائع في إيران. تقول الأمم المتحدة إن المياه المتوفرة للفرد الواحد انخفضت قرابة 28% خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى حدود 1675 متراً مكعباً في السنة، وهو مستوى تصفه بـ"الإجهاد المائي". في يوليو (تموز)، انتشرت تظاهرات في خوزستان جنوب غرب البلاد بسبب انقطاع المياه وسط حرارة شديدة. والجفاف ليس مرتبطاً مباشرة بالعقوبات: أساسه عقود من سوء الإدارة والزراعة الكثيرة الاستهلاك للمياه إضافة إلى التغير المناخي. لكن حكومة أكثر دراية ستجد صعوبة في إصلاح هذه المشاكل وهي خاضعة للعقوبات التي تحد من الوصول إلى التكنولوجيا الأجنبية والعملات الصعبة.

إحباط
أضافت إيكونوميست أن هذا الأمر سيفرض مشكلة على الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بالتصدي لعدد لا يحصى من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لإيران. لقد حقق رئيسي فوزاً مبكراً على الجائحة حيث أصبح 54% من الإيرانيين ملقحين بالكامل بعدما كانت النسبة 3% حين استلم منصبه. ساعده في ذلك رفع المرشد الأعلى علي خامنئي اعتراضه على اللقاحات الغربية بالتزامن مع تنصيب رئيسي. حرص الرئيس الجديد على تنظيم جولات أسبوعية في المحافظات البعيدة للاستماع إلى مطالب الناس. ما سمعه كان الإحباط.

لقد خسر الريال 86% من قيمته خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى الرغم من انخفاض التضخم الشهر الماضي، لا تزال نسبته مرتفعة عند مستوى سنوي يصل إلى 44%. وترتفع أسعار الأطعمة الأساسية مثل الحليب والبيض والخبز بشكل أسرع. خلال السنوات الأخيرة، انتشرت تظاهرات بشكل متكرر اعتراضاً على الأوضاع المعيشية على الرغم من أنها ووجهت بالقمع الوحشي أحياناً.

البراغماتية أم الآيديولوجيا؟
حاول بعض المحاورين لفت نظر إيران إلى مصلحتها الخاصة. حتى لو عاد ترامب أو شخص مثله إلى السلطة في 2025، سيعطي إحياء الاتفاق النووي إيران ثلاث سنوات من العقوبات المخففة ومن فرص الاستثمارات الأجنبية. بحسب المجلة، من الأفضل بالتأكيد مواجهة الجولة التالية من حملة الضغط الأقصى من موقع قوة. سيكون على رئيسي ورئيسه خامنئي أن يقررا ما إذا كانت البراغماتية تتفوق على الآيديولوجيا.