الأحد 5 ديسمبر 2021 / 15:27

التصعيد الحدودي بين أرمينيا وأذربيجان "نمط خطير"

بعد مرور عام على اندلاع الحرب الثانية بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو قرة باخ، أحيت الدولتان مؤخراً ذكرى ضحايا الحرب التي استمرت 6 أسابيع وأسفرت عن مقتل 6500 شخص، واستعادت خلالها أذربيجان أجزاء كبيرة من ناغورنو قرة باخ كانت قد فقدتها أمام القوات الأرمينية في الحرب الأولى التي اندلعت في أوائل تسعينيات القرن الماضي. لكن بطبيعة الحال ما زال هناك عدم رضا من الجانبين إزاء ما انتهت إليه الأمور، لذلك كان التوقع بامكانية تجدد التوترات أمر طبيعي.

غياب قنوات الاتصال المناسبة بين باكو ويريفان يبطئ عملية السلام، ويخلق صعوبات لاداعي لها ويؤدي إلى إزهاق أرواح جنود، وأن القرار الذي تم إتخاذه مؤخراً باستعادة خط الاتصالات المباشرة بين وزيري الدفاع جاء في الوقت المناسب

وقال نائب مدير مركز أبحاث توبشوباشوف الأذربيجاني مراد مورادوف والباحثة بالمركز سيمونا سكوتي في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن "قتالاً عنيفاً اندلع في السادس عشر من شهر نوفمبر(تشرين ثاني) الماضي بين أذربيجان وأرمينيا فيما يُعتبر التصعيد الأكثر خطورة منذ إنتهاء حرب قرة باغ الثانية.

خارج السيطرة
غير أن الموقف خرج هذه المرة عن السيطرة ليس في منطقة قرة باخ الأذربيجانية فحسب، ولكن أيضاً على طول الحدود الأرمينية الأذربيجانية. وللأسف تسببت الاشتباكات الحدودية، التي استخدمت فيها المدفعية والعربات المدرعة وأسلحة من مختلف الأعيرة ، في سقوط قتلى وإصابات في صفوف الجانبين.

ولكن في اليوم المذكور نفسه ، اتفقت أرمينيا وأذربيجان على وقف لإطلاق النار بوساطة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. واتهمت الدولتان كل منهما الأخرى بأنها هى التي بدأت الصراع. وعلى أي حال، فقدت أرمينيا موقعين عسكريين استولى عليهما الجيش الأذربيجاني. ودعت أرمينيا لتدخل روسي بموجب بنود معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة التي أبرمتها الدولتان عام 1997.

وقال أمين عام مجلس الأمن القومي الأرميني آرمين غريغوريان أيضاً إن بلاده سوف تلجأ لشركاء دوليين آخرين اذا لم يتم التغلب على الأزمة بمساعدة روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وأضاف مورادوف وسكوتي أن القتال الأخير اندلع بعد أسابيع قليلة من استفزازات لم تتصاعد إلى أعمال عنف، غير أن هذه الاستفزارات زادت من حدة التوترات في قرة باخ والمناطق الحدودية المجاورة.

استفزازات
وما حدث هو أن شخصاً أرمينيا من سكان قرة باغ يدعى نوراير ميرزويان قام في الصباح الباكر يوم 13 نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي بالقاء قنبلة يدوية على نقطة تفتيش أذربيجانية قرب مدينة شوشا الواقعة في ممر لاشين الذي يربط قرة باغ بأرمينيا.

وأصدرت السلطات الأذربيجانية بياناً قالت فيه إن "ضابطاً وجنديين من أفراد قواتها المسلحة اصيبوا في الهجوم". واستمرت التوترات في التزايد في اليوم التالي حيث وردت تقارير عن حوادث إطلاق نار على كلا جانبي خط الحدود في منطقة كالباغار.

وتساءل مورادوف وسكوتي عن السبب في اندلاع التصعيد العسكري الأكثر خطورة بين أرمينيا وأذربيجان منذ نهاية حرب قرة باغ الثانية، رغم أن الأشهر الأخيرة شهدت خفضاً في التوترات بعد اشتباكات حول بحيرة سيف ليش الواقعة بطول الحدود في شهر مايو(أيار) الماضي.

ومن وجهة نظر أذربيجان، فإن توجيه رد قوى على ما حدث في يوم السادس عشر من شهر نوفمبر(تشرين ثاني) أمر منطقي. ولكن ما الذي دفع الجانب الأرميني لاستفزاز القوات الأذربيجانية التي اصقلتها المعارك والمتخندقة بشكل جيد إلى الانتقام؟.

ويعترف معظم الخبراء السياسيين والعسكريين الأرمينيين الأن بأنه ببساطة لا تملك بلادهم الموارد الضرورية للدخول في صراع خطير مع أذربيجان.

تفسيرات
وأوضح مورادوف وسكوتي، أنه بناء على ذلك يمكن أن يكون هناك تفسيران محتملان للتصرفات التي أقدمت عليها أرمينيا، أولهما، أن الهجوم كان يهدف لجذب الاهتمام الدولي بمنطقة جنوب القوقاز والتحرك كنقطة انطلاق للدعوة لوجود دولي في منطقة النزاع.

والتفسير الثاني هو أن التصعيد نابع من صراع محلي على السلطة بين دائرة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان المصممة على استكمال عملية السلام والنخبة العسكرية القريبة من الرئيس السابق روبرت كوشاريان الذي يأمل في تشويه سمعة حكومة باشينيان من خلال تعرضها للإذلال.

وعلى أية حال، تُلمح بعض المؤشرات إلى أن التفسير الثاني ربما يحتوي على ذرة من الحقيقة. وتشمل تلك المؤشرات المظاهرات المناهضة لباشينيان في العاصمة يريفان؛ وإقالة وزير الدفاع ارشاك كارابيتيان وتعيين سورين بابيكيان الموالي لبارشينيان محله؛ وعرض رئيس الوزراء غير المتوقع للتوقيع على معاهدة سلام مع إذربيجان بدون تأخير في الوقت الذي كان ينحسر فيه القتال.

وعلاوة على ذلك، فإنه كلما أعربت الحكومة الأرمينية عن نيتها تحقيق تقارب مع أذربيجان ، تحدث مواقف مماثلة على الحدود. وربما يشير ذلك أيضاً إلى أن الحكومة الأرمينية لا تتمتع بسيطرة كاملة على جهازها العسكري.

وذكر مورادوف وسكوتي أن التصعيد الذي وقع في السادس عشر من شهر نوفمير(تشرين ثاني) كشف أيضاً عن حقيقة مهمة بشأن عدم استعداد روسيا المستمر لمساعدة حليفتها السابقة أرمينيا ويعد ما ظهر مؤخراً من عدم قيام يريفان بإعطاء اشعار مكتوب لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي مثال واضح على ذلك.

وبينما ترفض موسكو تلبية بعض الطلبات المشروعة لأذربيجان فيما يتعلق بقرة باغ للاحتفاظ بورقة ضغط وكسب تنازلات من باكو، فانها لا تريد أيضاً مساعدة يريفان في المواجهة مع باكو.

واختتم مورادوف وسكوتي تقريرهما بالقول إنه "يجب ملاحظة أن غياب قنوات الاتصال المناسبة بين باكو ويريفان يبطئ عملية السلام، ويخلق صعوبات لاداعي لها ويؤدي إلى إزهاق أرواح جنود، وأن القرار الذي تم إتخاذه مؤخراً باستعادة خط الاتصالات المباشرة بين وزيري الدفاع جاء في الوقت المناسب كما هو الحال دائماً، ويجب الإشادة به".