الإثنين 6 ديسمبر 2021 / 12:57

فورين بوليسي: مبدأ التكامل الآسيوي لإيران لا يزال ناقصاً

وصف الكاتب الإيراني كوروش زياباري محاولات إيران لبناء سياسة خارجية تصفها بالـ"متوازنة" والفاعلة وذكية" تجاه دول آسيا، هي مجرد أحلام كاذبة، لأن إيران ليس لديها أي خطة عمل ملموسة وواقعية لتحقيق ذلك.

ما لم تمنح إيران الأولوية للبراغماتية، وتُقرّر أنها تريد أن تكون أحد مكونات المجتمع الدولي وتستفيد من ذلك، بما في ذلك الروابط التجارية والسياسية السليمة، بصفتها لاعباً مسؤولاً، فإن مبادئ الجيران أولاً والتكامل الآسيوي ستبقى أحلاماً كاذبة


وأشار زياباري، في تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إلى أن طهران تفتقر حالياً للموارد والإمكانيات اللازمة لإعادة إحياء الدبلوماسية مع جيرانها، وإعادة ضبط مكانتها في آسيا كلاعب لا غنى عنه، ووريث إحدى أقدم حضارات القارة.

غياب التمثيل الدبلوماسي
وأضاف أن على الرغم من اختلاف مستويات التجارة بين طهران ودول القارّة، تفتقر طهران للتمثيل الدبلوماسي في دول كبرى وصغرى في آسيا على غرار بوتان وكمبوديا وتيمور الشرقية ولاوس وجزر المالديف وماكاو ومنغوليا وميانمار ونيبال وسنغافورة. كما لا يوجد ممثلون لهذه الدول في إيران (على الرغم من أن منغوليا ونيبال لديهما قنصليات فخرية في طهران).

وأكد زياباري أن ما زاد الطين بلة، أنه منذ عام 2016 ، لم يكن لإيران سفارات في دولتين مجاورتين رئيسيتين، في إشارة إلى السعودية والبحرين.
وتعتمد الجمهورية الإسلامية على بعثات غير مقيمة لتسهيل العلاقات مع بعض هذه البلدان، مثل سفارة غير مقيمة في نيبال متمركزة في نيودلهي، أو بعثة غير مقيمة إلى لاوس، ومقرّها هانوي. ونتيجة لذلك، يُعاني الإيرانيون وأقرانهم في هذه الدول من تحديات خلال تسوية أوضاعهم عند الرغبة بالسفر إلى إيران.

وعلى الرغم من أن الافتقار إلى السفارات لا يعني بالضرورة الغياب التام للعلاقات الدبلوماسية، إلا أنه يدل على حجم الشبكة الدبلوماسية الإيرانية وأولوياتها ورغبتها في وضع أموالها في مكانها الصحيح.

وشرح زياباري أنه "عندما لا تنسّق البلدان مع بعضها البعض من خلال السفارات والمكاتب التجارية والممثلين الرسميين الآخرين، فهذا دليل على افتقارها للروابط في علاقاتها، إن لم يكن الانقسامات المباشرة".

الصين و"الاستعمار الفعلي"
وعادة ما تُترجم المحاولات الإيرانية "للتركيز على آسيا" بتعزيز التجارة والأمن والمشاركة السياسية مع الصين، وليس التعاون المتنوّع مع آسيا.
وتعتقد القيادة الإيرانية أن لديها مصلحة كبيرة في تعزيز علاقتها مع الصين، كملاذ لأمن الدولة وكشريان حياة اقتصادي في أوقات الأزمات. والصين هي الدولة الوحيدة تقريباً التي تشتري النفط الإيراني، وإن كان ذلك من خلال الحلول البديلة للابتعاد عن العقوبات الأميركية.

ووصف بعض خبراء السياسة الخارجية الأكثر تشاؤماً معاملة الصين لإيران بأنها "استعمار فعلي" حيث تحصل بكين على النفط الإيراني المخفّض بأقل من مؤشر الشرق الأوسط، وهي لا تدفع نقداً، بل تقايضه بمنتجات رخيصة ومنخفضة الجودة.

وهذا الأمر أدى إلى تأجيج المشاعر المعادية للصين بين الطبقة المتوسطة في إيران. كما يشكو الإيرانيون من انقطاع التيار الكهربائي المتكرّر بسبب تشغيل العديد من مصانع البتكوين الصينية في جميع أنحاء البلاد، والتي تستخدم الكهرباء المدعومة التي تقدّمها الحكومة الإيرانية.

ولم تقنع هذه التنازلات السخية الصين بإدراج إيران في مجال حلفائها الاستراتيجيين. في عام 2020، تجاوزت قيمة الصفقات التجارية الفردية للصين مع السعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل تجارة الصين مع إيران. واحتلّت الجمهورية الإسلامية المرتبة 43 في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للصين من حيث مبيعات الصادرات.

الهند تبتعد
بدورها ابتعدت الهند عن إيران بصمت في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو (أيار) 2018، وأدت إعادة فرض العقوبات إلى توقف نيودلهي عن شراء النفط الإيراني رغم الشراكة التاريخية بينهما.

وأبدت الهند اهتمامها الكبير بتوسيع ميناء تشابهار الإيراني قبالة ساحل خليج عمان، وهو المشروع الذي خُصّصت له استثمارات بقيمة 500 مليون دولار. وكان من شأن تطوير الميناء الاستراتيجي أن يسهّل ربط الهند بأفغانستان وآسيا الوسطى، ما يمكّنها من تجاوز منافستها اللدودة باكستان. لكن العقوبات الأمريكية كانت قاسية لدرجة أن الهند وجدت الامتثال لها أكثر فائدة من الاستمرار في العمل مع إيران. كما تباطأت الدولة في استكمال خططها لتطوير حقل غاز "فرزاد-بي" المربح، على الرغم من استثمار 400 مليون دولار لبدء المشروع، وتم استبدالها أخيراً بمقاول إيراني.

كوريا الجنوبية واليابان
كما تحوّلت علاقات طهران الودية مع كوريا الجنوبية إلى عداوة بسبب الخلاف حول حوالي 7 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة، التي رفضت سيول إعادتها لطهران، متذرعة بالعقوبات الأمريكية. وتحوّلت العلاقة بين البلدين، والتي كانت ودّية عبر التاريخ إلى كراهية.
والأمور ليست أفضل مع العملاق الآسيوي اليابان. ففي عام 2017، وخلال ذروة تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، بلغت التجارة الثنائية بين طهران وطوكيو أكثر من 4 مليارات دولار، لكن في عام 2019 تراجعت إلى ما يزيد قليلاً عن مليار دولار.

وقال زياباري: "عندما يتعلّق الأمر بإعادة بناء العلاقات مع الجيران العرب، فإن إيران تواجه أيضاً عدداً كبيراً من الخلافات الجيوسياسية والأيديولوجية والأمنية".

الاتفاق النووي
وأكد زياباري أنه إذا كانت إيران مصممة على بدء عهد جديد من التحالفات الآسيوية، فلا يمكنها الاعتماد فقط على الصين. وبدلاً من ذلك، يجب تخصيص موارد حقيقية ووضع خارطة طريق واقعية للتعاون مع جميع الدول الآسيوية بما يتناسب مع قدراتها.
وأشار إلى أن أي تعاون سيتوقّف بشكل كبير على الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي 2015، ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران، لأنه من الواضح أنه حتى البلدان المجاورة لإيران لن تتعامل معها ما لم تُنه الولايات المتحدة عقوباتها على أي نوع من المعاملات المالية والتجارية التي تشارك فيها إيران باستثناء ما يحدث في السوق السوداء.

إيران في حالة يُرثى لها
وفيما يتعلّق بالعلاقات مع الجيران العرب، رأى الباحث أن إيران "في حالة يرثى لها"، مشيراً إلى أن "دعوة وزير خارجية قطر إلى طهران كل شهر لإجراء مشاورات لا يمكن تفسيرها على أنها تعاون إقليمي قوي وموثوق".

وختم زياباري أنه "ما لم تمنح إيران الأولوية للبراغماتية، وتُقرّر أنها تريد أن تكون أحد مكونات المجتمع الدولي وتستفيد من ذلك، بما في ذلك الروابط التجارية والسياسية السليمة، بصفتها لاعباً مسؤولاً، فإن مبادئ الجيران أولاً والتكامل الآسيوي ستبقى أحلاماً كاذبة".