الغاز المسال الأمريكي (أرشيف)
الغاز المسال الأمريكي (أرشيف)
الأربعاء 8 ديسمبر 2021 / 16:14

الغاز الطبيعي المسال يتحدى الحرب التجارية بين الصين وأمريكا

رغم الحرب التجارية الحامية التي نشبت بين الصين والولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، وشهدت تبادل فرض رسوم عقابية على سلع البلدين بمئات المليارات من الدولارات، هناك ملف تجاري لم يتأثر بهذه الحرب، وشهد انتعاشاً قوياً وهو ملف الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.

ويقول نيكوس تسافوس أستاذ كرسي جيمس آر شلزينجر لدراسات الطاقة والجيوسياسات في برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي إن "العلاقات الأمريكية مع العديد من دول العالم تصبح معقدة للغاية عندما يتعلق الأمر بتجارة الغاز الطبيعي المسال".

وبعد عدة بدايات خطأ وبعض التقلبات أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين، ووقع عدد من الشركات الصينية عقوداً طويلة الأجل لشراء الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، ويعتبر هذا تحولاً كبيراً، ومؤشراً على أن المنطق التجاري الذي يربط الدولتين المتخاصمتين قوي، وسيستمر جنباً إلى جنب وربما رغم عن الخلاف السياسي الأوسع نطاقاً بين واشنطن وبكين. 

وبحسب تحليل تسافوس الذي نشره موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على الإنترنت، تعود بدايات تجارة الغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة والصين إلى نوفمبر(تشرين الثاني) 2010 عندما وقعت شركة صينية عقداً طويل الأجل لشراء الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، ولكن هذا الاتفاق  لم يدخل حيز التطبيق أبداً، ولم يتم تنفيذ أي عقد لاستيراد الغاز الأمريكي حتى فبراير(شباط) 2018، وخلال السنوات السابقة كانت الشركات الصينية تشتري الغاز الطبيعي المسال من أي دولة باستثناء الولايات المتحدة.

ولم يتضح سبب تجنب الشركات الصينية للولايات المتحدة، ربما بسبب علاوة المخاطر المرتبطة بالإمدادات الأمريكية والتي لا توجد عند الاستيراد من دول أخرى، وربما تريد الحكومة الصينية إشارة واضحة من واشنطن بأنها لا تعارض مثل هذه العقود.

ورغم عدم وجود عقود طويلة الأجل بين بائعين أمريكيين ومشترين صينيين، في تلك الفترة، استوردت الصين كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي عبر وسطاء أو سوق العقود قصيرة الأجل، وخلال 2016 استوردت الصين أكثر من 9% من الغاز الطبيعي، وأصبحت الصين ثالث أكبر عميل للغاز الطبيعي الأمريكي، واحتفظت الصين بهذا المركز في 2017، مع زيادة حصتها إلى حوالي 15% من إجمالي الصادرات الأمريكية.

ومع اشتداد حدة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في 2018 قررت بكين فرض رسم جمركي على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بنسبة 10% في سبتمبر(أيلول) 2018 ثم بنسبة 25% في يونيو(حزيران) 2019 لتتراجع صادرات الغاز الأمريكي للصين إلى الصفر.

وجاءت نقطة التحول الكبرى في تجارة الغاز بين أمريكا والصين عندما قررت الحكومة الصينية في فبراير(شباط) 2020 إعفاء مجموعة من المنتجات الأمريكية وبينها الغاز الطبيعي المسال من الرسوم العقابية، في إطار اتفاق التهدئة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وبالتدريج عاد الغاز الأمريكي للتدفق إلى الصين، وزادت كمية الصادرات بمرور الوقت حتى أصبحت الولايات المتحدة خلال العام الحالي ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال إلى الصين متفوقة على قطر وماليزيا، وبعد أستراليا فقط، ويعتبر هذا تحولاً كبيراً في ظل استمرار التوتر التجاري القوي بين بكين وواشنطن.
 
ويقول تسافوس الكاتب أيضاً في موقع إنيرجي بوست دوت إي.يو الأوروبي المتخصص في موضوعات الطاقة إن "التجارة المتنامية للغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة والصين تذكرنا بقوة آلية العرض والطلب"، مضيفاً أنه في حين يمكن للسياسيين تسهيل العلاقات التجارية، أو وقفها تماماً، فإن قطاع الطاقة يمكنه التغلب على العقبات السياسية الكبيرة، عندما يقوى منطق التجارة، وهي الحقيقة التي تنطبق على كل مصادر الطاقة من الغاز والنفط إلى الطاقة الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية والمنتجات الأخرى منخفضة الكربون.

ورغم التنافس السياسي بين الولايات المتحدة والصين، فإنهما مرتبطتان ببعضهما البعض عندما يتعلق الأمر بالطاقة، فالصين تستورد الوقود الأحفوري من الولايات المتحدة، التي تستورد تقنيات الطاقة منخفضة الكربون من الصين، وتعتبر إدارة هذه الحركة التجارية في ظل التوترات المتصاعدة تحدياً كبيراً للدولتين.  

وبالنسبة للصين فإن الاعتماد على الولايات المتحدة وأستراليا لاستيراد نحو نصف وارداتها من الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يكون أمراً غير مريح، وبخاصة عندما يكون التوتر بين بكين وكل من واشنطن وكانبيرا شديداً كما هو الحال الآن، في المقابل فإن هذا الفصل الجديد لتجارة الغاز الطبيعي مع الصين يمثل فرصاً للولايات المتحدة، فهناك عدد كبير من شركات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة سيتم البدء في بنائها خلال السنوات القليلة المقبلة، والطلب القوي على الغاز المسال من جانب الصين أكبر مستورد لهذه السلعة في العالم يمكن أن يساعد هذه المشروعات، كما أن توقيع عقود طويلة الأجل لتصدير الغاز المسال إلى الصين، يشير إلى قدرة الولايات المتحدة على منافسة الدول الأخرى النشطة في هذه السوق مثل ماليزيا وقطر.