فتى إيراني يحمل صورة لقاسم سليماني.(أرشيف)
فتى إيراني يحمل صورة لقاسم سليماني.(أرشيف)
الثلاثاء 18 يناير 2022 / 12:43

فايننشال تايمز: إيران تسعى لتحويل سليماني إلى "بطل قومي" لاستقطاب الشباب

بعد أكثر من عامين على اغتياله، في غارة جوية نفذتها طائرة مسيرة أمريكية على موكبه قرب مطار بغداد، قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إن إيران تُحاول أن تجعل من قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني "بطلاً قومياً" تستطيع من خلاله "استقطاب" الأجيال الشابة.

بالنسبة إلى هدى، فإن إيران كانت لتكون مكاناً أفضل للعيش فيه اليوم، لو لم يُقتل سليماني


 
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد عقود من الثورة الإسلامية عام 1979، تكافح طهران من أجل كسب قضيتها الثورية لدى فئة الشباب الذين ينتقدون الفساد الداخلي والفقر.

وأضافت أن قادة إيران يأملون في إعادة تنشيط القوات الموالية للنظام من خلال تمجيد سليماني، وهو رجل من خلفية متواضعة رفعته الثورة ليصبح شخصية عسكرية مهمة.

"مكانة اسطورية"
وفي تقرير ميداني، ذكرت الصحيفة أنه "على متن حافلة تضمّ حجاجاً متّجهة إلى المقبرة التي دُفن فيها قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، كانت السيدات يناقش الدعاء الذي سيتلونه عند وصولهن".

ومن خلال الكلمات التي قالتها السيدات الإيرانيات، اتضح بالنسبة لهدى، المصوّرة الثلاثينية، أنه بعد مرور أكثر من عامين على اغتيال أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، فإن سليماني "اكتسب مكانة أسطورية مقدسة في إيران".

ونقلت الصحيفة عن هدى قولها: "بكيت عندما وصلنا إلى قبر سليماني، أدركت فقط بعد وفاته كم كان رجلاً مخلصاً وقوياً، وكيف أنه ضحى بحياته من أجلنا".

وأشارت الصحيفة إلى أن سليماني، الذي كان يشرف على تدريب الميليشيات الإيرانية في العراق ولبنان وأفغانستان وسوريا، لم يرتبط اسمه بأي فضائح تخصّ الفساد، كما أنه كان يملك تاريخاً طويلاً في دعم النساء، ووصفهن بأنهن "بناته"، وكانت لديه شعبية كبيرة حتى بين صفوف النساء اللواتي لا يلتزمن بشكل صارم بالزي الإسلامي في إيران.

استغلال الذكرى
وفي مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، نظمت الجمهورية الإسلامية "أسبوع المقاومة"، لإحياء ذكرى استشهاده، ووضعت لافتات عملاقة تحمل صورته، وقامت بتوفير إقامة مجانية وطعام لحوالي 25 ألف زائر لمقبرته. كما عرضت دور السينما أفلاماً وثائقية مجاناً عن سليماني. وتجمّع الآلاف من الإيرانيين في طهران لإحياء الذكرى الثانية لمقتله، في الثالث من يناير، وانضم إليهم الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي تعهّد بالانتقام من الساسة الأمريكيين.

ونقلت الصحيفة عن محلل إصلاحي إيراني، رفض الكشف عن هويته، قوله: "تم استغلال ذكرى اغتيال سليماني لضخّ دماء جديدة للمساعدة على استمرار الحالة الثورية، وجذب موالين جدد من صفوف الشباب"، مضيفًا: "يُعتبر سليماني رواية حديثة للحالة الثورية، وهو القائد الإيراني الوحيد الذي اغتالته الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهو ما يعزّز نهج النظام الإيراني في إبراز دوره".

استعراض للعضلات
وأضافت الصحيفة أن "هذه الحماسة الثورية في الداخل ترافقت مع استعراض للعضلات في المنطقة".
فخلال الأسبوع الأول من يناير، الذي يواكب ذكرى اغتيال سليماني، قامت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا بسلسلة من الهجمات على قواعد عسكرية تضمّ قوات أمريكية، كما فرضت إيران عقوبات على 51 مواطناً أمريكياً، على خلفية دورهم في مقتل سليماني، والإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان".

وأضافت الصحيفة أن الرغبة في جعل سليماني بطلاً قومياً تأتي في الوقت الذي يجتمع فيه الدبلوماسيون الإيرانيون والقوى العالمية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

جدل الذكرى
وقالت الصحيفة إن الاحتفال بالذكرى لم يخل من الجدل. حيث عادت مطالبات أهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية، التي أسقطتها إيران عقب اغتيال سليماني، بتقديم المسؤولين الإيرانيين إلى المحاكمة، رغم أن إيران قالت إن استهداف الطائرة كان خطأ بشرياً.
لكن أهالي الضحايا يُجادلون بأن الطائرة أُسقطت عمداً لردع الولايات المتحدة عن مهاجمة إيران.

وقال محسن أسدي لاري، المدير السابق في وزارة الصحة الإيرانية الذي قتل والداه في تحطم الطائرة: "أنا لست قاضياً، لكننا توصّلنا إلى أنهم (الإيرانيين) أسقطوا الطائرة لاستخدامها درعاً بشرياً"، مضيفاً أن قائد الحرس الثوري الإسلامي العميد حسين سلامي "قال له إنه لو لم تسقط هذه الطائرة لاندلعت حرباً ضروساً في اليوم التالي، وأن الولايات المتحدة كانت ستُهاجم إيران وربما كانت حياة 10 ملايين شخص في خطر".
لكنّ الحرس الثوري نفى مزاعم لاري بشأن الجنرال سلامي، معتبراً أنها "غير صحيحة" و "محرّفة".

كما ظهرت زينب، ابنة سليماني، وهي تلتقط صورة لها في موقع مقتل والدها في بغداد في ذكرى الاغتيال، بأحدث هاتف من طراز "ايفون 13"، ما أثار غضب العديد من الإيرانيين، لأن الهواتف المستوردة مقيّدة في إيران، حيث يُنظر إليها على أنه رمز للاستهلاك الغربي.

ورغم ذلك، بالنسبة إلى هدى، فإن إيران  كانت لتكون مكاناً أفضل للعيش فيه اليوم، لو لم يُقتل سليماني.
وقالت: "لم يكن يستحق أن يموت بشكل طبيعي، ولكنه استشهد قبل أوانه. كنا بحاجة إليه. أشعر أننا أصبحنا وحيدين. الكثير من المآسي تحدث لنا بسبب غيابه".