الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الجمعة 21 يناير 2022 / 12:10

هل تتوقف إدارة بايدن عن لوم ترامب على أخطائها الإيرانية؟

استهل الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات بهنام بن تالبلو مقاله في موقع "ذا ديسباتش" عبر الاستشهاد بمثل فارسي يقول: "يرمي أحمق حجراً في بئر بينما لا يستطيع مئة رجل حكيم إخراجه".

رفع الحوثيين المدعومين من إيران عن لائحة الإرهاب لم يجلب السلام إلى شبه الجزيرة العربية

 يعبر هذا المثل عن التداعيات المستدامة التي يعاني منها المجتمع بسبب تصرفات يقوم بها أشخاص غير متعلمين أو غير خبراء. بحسب تالبلو، تحاول إدارة بايدن تحويل هذا القول المأثور لإلباس ترامب صفة "الأحمق" وتشبيه الاتفاق النووي الإيراني بـ"الحجر" كي تقدم إجابة معلبة على السؤال عن السبب الذي جعل الأمور تنتقل من السيئ إلى الأسوأ على مستوى سياسات بايدن الإيرانية، بالرغم من وعده باعتناق نهج "أذكى".

كتب بن تالبلو أنه خلال مؤتمر احتضنته روما شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لام بايدن سلفه على المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات والتقدم النووي الذي حققته إيران. وقال بايدن حينها: "نواصل تحمل المعاناة من القرارات السيئة جداً التي اتخذها الرئيس ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة". بعد أقل من شهرين، عزز وزير الخارجية أنتوني بلينكن هذا التقييم قائلاً: "نحن في هذا المكان بسبب ما أعتبره واحداً من أسوأ القرارات المتخذة في السياسة الخارجية الأمريكية خلال العقد الماضي، وكان ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني".

يرد بن تالبلو على هذه الفكرة، مشيراً إلى أن عداء النظام الإيراني للولايات المتحدة يسبق قرار ترامب بفترة طويلة. علاوة على ذلك، إن جميع الاتجاهات التصعيدية الإيرانية منذ 2018، أي المجالات النووية والصاروخية والإقليمية والبحرية والسيبيرانية، كانت جميعها مواضيع إشكالية في الماضي وهذا ما يجعلها تهديداً مضاعفاً. هذه ليست اعتداءات جديدة قررت إيران تطويرها أو استخدامها، كما زعمت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي بشكل خاطئ منذ أيام.

ترامب يخدم واشنطن... مالياً
إذا كان على المرء أن ينظر إلى زيادة إيران مستويات تخصيب اليورانيوم وتوسيع مخزوناتها منه واستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة على أنها مشكلة، فعندها يجدر تذكر أن ترامب سرع ما نص عليه الاتفاق النووي وحسب، لكن بشروط مالية أكثر ملاءمة لواشنطن. كان الاتفاق النووي في أفضل الأحوال مهلة توقف مؤقتة لنشاطات نووية إيرانية مختارة. إن انسحاب الاتفاق النووي يعني ببساطة اختيار عدم الدفع مقابل تلك المهلة.

في حين أن بعض خبراء قضايا عدم الانتشار وصفوا الاتفاق النووي بأنه "معجزة"، يبقى أن واحداً من أوجه القصور التي لا تعد ولا تحصى في ذلك الاتفاق هو انقضاء القيود النووية المعروفة تقنياً باسم "بنود الغروب" التي تفسح المجال أمام توسع سريع لقدرات إيران النووية. يتعلق أحد الأمثلة بأجهزة الطرد المركزي المتطورة والتي يمكن أن يبدأ استخدامها بشكل تدريجي بعد ستة أعوام على دخول الاتفاق حيز التنفيذ. تذرع الرئيس أوباما بتلك الأجهزة حين قال في 2015 إنه بدءاً من السنة 13 على البدء بتنفيذ الاتفاق، يمكن لزمن الخرق النووي الإيراني أن يصبح قريباً من الصفر.

بايدن يستعد للتبرير

مع عدم توصل المحادثات النووية غير المباشرة لإحياء هذا الاتفاق الأقل من معجزة إلى نتيجة لغاية اليوم، كشف موقع أكسيوس مؤخراً أن إدارة بايدن تشرع بشكل متوقع في حملة رسائل سياسية محلية يمكن اختصارها بما يلي: "لقد فشلنا في أهدافنا بسبب ترامب". يشير الكاتب إلى أنه من المحتمل استخدام هذه الاستراتيجية لشرح نطاق من النتائج دون المثالية والتي قد تشمل اتفاقاً أسوأ من الأساسي أو انهياراً في المحادثات يؤدي إلى حرب، أو حصول إيران على سلاح نووي أو الوصول إلى العتبة النووية، أي أن يكون النظام بعيداً عن القنبلة بأقل من خطوة.

عام من الإخفاقات

المفارقة هنا هي أنه وسط لعبة اللوم السياسي، لا تستطيع الإدارة رؤية كيف أن نهجها التصالحي تجاه إيران خلال السنة الماضية عزز التعنت الديبلوماسي الإيراني والمعرفة النووية غير القابلة للتراجع عنها. بعد عام في منصبه، يتحمل بايدن مأزق السياسة الإيرانية بحسب بن تالبلو. اختارت الإدارة عن وعي تشويه سمعة سياسة الضغط الأقصى العقابية التي فرضها سلفه والتخلص من النفوذ الذي أسسته. وطوال 2021، فشلت الإدارة في اتخاذ سلسلة من التحركات مثل الإدانة الديبلوماسية في منتديات دولية عدة أو الإنفاذ الصارم للعقوبات الأمريكية على النفط الإيراني والتي أمكن أن تحسن حظوظ حتى هدفه بإعادة إحياء الاتفاق النووي.

وأخفقت الإدارة في إقناع طهران بأنها جدية. إن رفع الحوثيين المدعومين من إيران عن لائحة الإرهاب لم يجلب السلام إلى شبه الجزيرة العربية. والسماح لإيران بدفع مستحقاتها للأمم المتحدة عزز رغبتها بالوصول إلى هذه العائدات والضغط على حلفاء الولايات المتحدة لانتهاك العقوبات. وتذبذبت واشنطن بين الردود العسكرية العرضية على الهجمات المدعومة إيرانياً ضد مواقعها في قلب الشرق الأوسط وبين غض الطرف عنها. لم يردع ذلك إيران وكوكبتها من الوكلاء عن شن المزيد من الهجمات. ويواصل المسؤولون الإيرانيون العمل على طرد أمريكا من المنطقة عبر الاستنزاف.

ما البديل عن لعبة الملامة؟
عوضاً عن إهدار الوقت الثمين على إرساء لعبة اللوم السياسي، ينبغي على الإدارة أن تكون في طور درس الأدوات التي يمكن أن تجعل ديبلوماسيتها أكثر فاعلية وردعها العسكري أكثر صدقية. وهذا يعني بحسب الكاتب تنفيذ العقوبات المفروضة على النظام، بما فيها العقوبات على مبيعاته النفطية وشبكات التهريب والتجارة الإقليمية وكذلك الدعوة إلى جلسة خاصة للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل إدانة إيران. ويعني هذا الأمر على الصعيد العسكري العمل مع الشركاء الإقليميين لضمان امتلاكهم الأنظمة الدفاعية الجوية والصاروخية الضرورية للتعويض والتقليل من قدرات إيران ووكلائها الصاروخية الطويلة المدى، إضافة إلى اعتراض تدفق الأسلحة الإيرانية الذي يواصل إبقاء الصراعات في النقاط الساخنة الإقليمية كاليمن وسوريا والعراق.

ويحذر بن تالبلو في الختام من أن مواصلة الصراع السياسي الداخلي لن يساوي التراجع عن وعد بلينكن بعدم التحزب في السياسة الخارجية الأمريكية وحسب، لكن أيضاً مهمة أحمق حقيقية يمكن أن تبدأ بها 2022.