جنود أمريكيون في سوريا (أرشيف)
جنود أمريكيون في سوريا (أرشيف)
الأربعاء 26 يناير 2022 / 13:18

الردع الأمريكي... يفتقر إلى الاستعداد لاستخدام القوة

تواجه الولايات المتحدة الكثير من التحديات في ظل التوترات العالمية، ولا يزال موقفها منها يتسم بالغموض ، والأهم هو الانقسام الأمريكي الداخلي واختلاف وجهات النظر لمختلف القضايا.

ويقول المحلل السياسي الأمريكي رافائيل كوهين، الضابط السابق بالجيش الأمريكي وأحد كبار العلماء في مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية راند، إن "الكونغرس أقر في ديسمبر(كانون الأول) الماضي، بعد شد وجذب، ميزانية دفاع بـ 768 مليار دولار، وبزيادة 25 مليار دولار عما طلبته إدارة بايدن، ولا شك أن هذا أمر كان نبأ ساراً لصقور وزارة الدفاع، حيث تواجه الولايات المتحدة تهديدات متزايدة على العديد من الجبهات، في ظل ما تظهره الصين من عدائية متصاعدة ضد تايوان، واستعداد روسيا لغزو أوكرانيا، وموقف إيران في مفاوضات الاتفاق النووي".

ويضيف كوهين، مدير برنامج استراتيجية وعقيدة سلاح الجو الأمريكي بمؤسسة راند، أنه "رغم أن الكثير من المخصصات الرئيسية لميزانية الدفاع تركز على تعزيز الردع، فإن حقيقة مقلقة تكمن وراء ذلك، وهي أنه رغم أن كل هذه المخصصات قد تكون ضرورية، فإنها ليست ركناً كافياً لردع أعداء الولايات المتحدة".

ويقول كوهين في تقريره إنه رغم أن وزارة الدفاع هي المؤسسة الوحيدة التي تتركز مهمتها الرئيسية حول الردع، فإنها في الواقع مسؤولة فقط عن نصف ما يجب اعتباره ردعاً، فالقوة العسكرية توفر ما وصفه عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل توماس شيلينغ بـ "القوة للإيذاء"، إذن، يتطلب الردع الناجح شيئاً أكثر، وهو القدرة على إظهار حاسم للاستعداد لاستخدام القوة إذا لزم الأمر.

لكن، وعلى كل حال، تعتبر إرادة استخدام القوة مسألة سياسية في نهاية الأمر ليست في يد وزارة الدفاع بل في يد القيادة السياسية، وبصورة أكثر جوهرية، في يد الشعب الأمريكي، ودعم الشعب الأمريكي للردع الآن محل تساؤل كبير.

إن الشعب الأمريكي يشعر بالغضب، ولا يرتكز قدر كبير من هذا الغضب على الخارج، بل على الداخل، فطيلة العام الماضي كشفت استطلاعات رأي متعددة أن الأمريكيين يرون، أن كلا منهم الآن يمثل تهديداً أكبر من التهديدات التي يواجهونها وراء حدودهم، كما أنهم يفتقدون أيضاً الثقة في معظم المؤسسات الحكومية، ورغم أن الكونغرس كان محل شك منذ عقود، امتد الشك الآن إلى الرئاسة، وهناك دلائل أيضاً على أن ثقة الأمريكيين في الجيش، الذي كان تاريخياً إحدى أهم المؤسسات التي تحظى بالإعجاب، بدأت الآن تتضاءل، خاصة بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان، وانجراف الجيش وقادته إلىحروب الثقافة في البلاد، والأمر الأكثر إثارة للتشاؤم، أن أغلبية الأمريكيين يعتقدون الآن أن اندلاع حرب أهلية أخرى "أمر مرجح".

هذه الخلفية القاتمة للانقسام الداخلي تُترجم إلى دور أمريكي مضطرب في الشؤون العالمية، ووفقاً لاستطلاعات معهد غالوب العام الماضي، أبدى 39% فقط من الأمريكيين ثقتهم في قدرة الحكومة على التعامل مع المشاكل الدولية، وهي أدنى نسبة منذ أن بدأ المعهد توجيه هذا السؤال في 1997، كما أن دعم الأمريكيين لتولي الولايات المتحدة بالقيادة أو أن تكون أكثر مشاركة" انخفض أيضاً إلى أقل من النصف، وكشف استطلاع لمجموعة أوراسيا للخدمات الاستشارية أن أغلبية الأمريكيين يريدون خفض الوجود العسكري للولايات المتحدة والتزاماتها في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط.

ويقول كوهين إن "التساؤل عن استعداد الولايات المتحدة الاستعداد لممارسة قوة الإيذاء، مفتوح في أفضل الأحوال، فالأمريكيون لا يزالون منقسمين بشكل عميق، وما تريده أمريكا من جيشها غير واضح، وعلى سبيل المثال، كشف استطلاع رأي لمجلس شيكاغو الدولي للشؤون العالمية أنه لأول مرة أيدت أغلبيات كبيرة من الأمريكيين استخدام القوة للدفاع عن تايوان، أو أوكرانيا إذا قررت الصين أو روسيا غزوهما، ولكن استطلاعاً منافساً لمعهد تشارلز كوخ، كشف عكس ذلك".

وأوضح "إذا فشل الردع الأمريكي، فمن المحتمل ألا يكون ذلك بسبب شكوك أعداء الولايات المتحدة في القدرات العسكرية الأمريكية، التي لا تزالت هائلة، بقدر ما الشكوك في إرادة استخدام القوة لدى الأمريكيين".

وفي نهاية الأمر "قد يثبت أن ذلك سوء تقدير، وعموماً، هناك العديد من استطلاعات الرأي الت تشير إلى تصميم قوي، خاصةً تجاه الصين، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرأي الشعبي لا يترجم مطلقاً إلى سياسة خارجية، لقد تغلبت الولايات المتحدة على خلافات داخلية في الماضي، وربما تفعل ذلك مرة أخرى".

واختتم كوهين تقريره بالقول: "رغم ذلك، فإنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد تدعيم الردع، لا يتعين  إعطاء أعداء أمريكا مطلقاً فرصة الاعتقاد أن الولايات المتحدة مهمومة بشكوكها وانقساماتها إلى درجة أنها تفتقر للقوة، والدافع للتصرف بحسم في الخارج، وللأسف، فإن تغيير تلك التصورات عند الولايات المتحدة ووزارة الدفاع الأمريكية يتطلب أكثر من 25 مليار دولار إضافياً، إنه أمر يتطلب شيئاً لا يمكن أن يشتريه المال، إصلاح النسيج الاجتماعي داخل الولايات المتحدة نفسها".