الجمعة 1 أبريل 2022 / 13:52

فورين أفيرز: التسوية مع بوتين قد تكون أفضل خيار لأمريكا

شدد العالم السياسي البارز في مؤسسة راند الأمريكية صمويل شاراب على ضرورة ألا يحجب الإصرار الغربي على مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السؤال الأساسي عن الأهداف الأمريكية منها، والطريقة الفضلى لتحقيقها.

إذا كان الكرملين مقتنعاً بأن السياسة الأمريكية تهدف إلى تغيير النظام فمن المرجح أن يرد بقوة، ومن غير المحتمل أن يسقط بوتين دون قتال ضد الأعداء الداخليين والخارجيين.

وكتب شاراب في مجلة "فورين أفيرز" أن تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في بولندا عن استحالة بقاء بوتين في السلطة يعكس شعوراً سائداً إلى حد ما في الولايات المتحدة بأن على واشنطن إعطاء الأولوية لمعاقبة بوتين وحتى الإطاحة به.

نفى البيت الأبيض أن تكون هذه سياسة الولايات المتحدة. لكن على واشنطن أن تكون حذرة من المناداة بتغيير النظام الذي يبدو للوهلة الأولى أنه يعرض علاجاً عادلاً وفعالاً.

فالتجربة الأمريكية الحديثة في العراق وليبيا وغيرهما، تكشف أن تغيير النظام لا يثمر في الغالبية الساحقة من الحالات النتائج المرغوبة.

في المدى القريب، يجب أن تظل أولويات الولايات المتحدة، منع بوتين من انتصار ميداني، وتفادي تصعيد النزاع، والحد من كلفته الإنسانية والاقتصادية.

وعلى المدى الطويل، تريد الولايات المتحدة صياغة السلوك الروسي بطريقة تخفف المخاطر على المصالح الأمريكية الجيوسياسية والاستقرار الدولي، وتقلص احتمالات اندلاع نزاع إقليمي في المستقبل.

التحدي الأساسي

ووفقاً شاراب، فإن التحدي الأساسي اليوم هو على الأرجح هو فشل مقاومة أوكرانيا الشجاعة في تخطي المزايا العسكرية الروسية، ناهيك عن إسقاط بوتين، حتى مع ضغط غربي أعظم على موسكو.

ودون نوع من الاتفاق مع الكرملين، ستكون أفضل نتيجة مرجحة حرباً طويلة وشاقة ستكسبها روسيا في جميع الأحوال بشكل شبه مؤكد.

إن نزاعاً مطولاً ماثلاً سيرسخ المستوى المتطرف من العدوانية بين روسيا والغرب بما يقوض المصالح الأمريكية بعيدة المدى في الاستقرار الإقليمي والدولي. ومهما كان التوصل إلى تسوية مع بوتين مقيتاً، فإن على الولايات المتحدة تأمين تسوية تفاوضية للنزاع بشكل عاجل، لا آجل.

فشل تقديرات بوتين
لم يحقق بوتين النصر السريع الذي سعى إليه. كان هدفه الأساسي من الحرب تغيير النظام بشكل واضح وأمل تحقيقه دون جهد عسكري كبير، أي بما يكفي من الصدمة، والرعب، لإقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحكومته، بالفرار، ولإجبار الجيش الأوكراني على الاستسلام، ولضمان انتصار روسي سريع، يقدم للغرب أمراً واقعاً.

وافترض بوتين أن الحكومات الغربية ستتردد في قطع العلاقات مع روسيا وأن تظهر التصدعات في التحالفات العابرة للأطلسي، فيتمكن من استغلالها. في كل نقطة، أساء بوتين التقدير بشكل مذهل. لكن معاناة روسيا لا تعني، أنه سيخسر الحرب.

انتكاسة أمريكية محتملة

وأضاف الكاتب أن بوتين تحول على ما يبدو من السعي لتغيير النظام إلى استراتيجية فرض الكلفة، بإلحاق المزيد من الألم والمعاناة في أوكرانيا، ويسعى إلى إجبار زيلينسكي على قبول شروطه للسلام بما فيها الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك، دولتين مستقلتين.

لا يزال بإمكان روسيا انتزاع الانتصار، المحدد بهذه الطريقة على الأقل، من فكي الهزيمة في الأسابيع والأشهر المقبلة. سيكون انتصاراً وحشياً ودموياً وباهظ الثمن في نهاية المطاف، لكن الجيش الروسي لا يزال قادراً على تحقيقه حتى بعد معاناته من الخسائر.

لو حقق بوتين السلام بشروطه بعد حملة طويلة وشاقة، فسيشكل ذلك انتكاسة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة.

تداعيات الحرب الطويلة
إن حرباً طويلة المدى تشهد على انتصاره ستتسبب أيضاً في المزيد من الموت والدمار في أوكرانيا، وستسرع النزوح والهجرة الشاملين اللذين قد يرهقان الدول المجاورة، وتطلق كوارث إنسانية وأزمات سياسية في الاتحاد الأوروبي.

إن خطر تحول حرب روسية أوكرانية إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة اللتان تملكان أكثر من 90% من الترسانة النووية العالمية، يظل مرتفعاً طالما استمر القتال. وستتضاعف التداعيات الاقتصادية الإقليمية والدولية بما يطلق انكماشاً عالمياً كبيراً. ولتفادي هذه النتائج، ثمة حاجة ملحة إلى نهاية لهذه الحرب بالتفاوض.

نفوذ واشنطن والغرب
ذكر شاراب أن أوكرانيا وروسيا حققتا بعض التقدم في محادثاتهما الثنائية خاصة عن احتمال عدم انحياز كييف في المستقبل، لكن يبدو أنهما وصلتا إلى بعض الحواجز التي لا يمكن تخطيها.

تصر موسكو على توسيع نفوذ وكلائها الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك إلى ما هو أبعد بكثير من خط السيطرة قبل الحرب، وعلى إجبار أوكرانيا على الاعتراف بهما دولتين مستقلتين.

لن تقبل كييف هذه الشروط أبداً. بإمكان واشنطن المساعدة في كسر هذا المأزق. تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون استخدام رافعة العقوبات ليجبروا روسيا على التخلي عن مطالبها المتطرفة فيخففون بعضها، دعماً لاتفاق سلام لا ينتهك الخطوط الحمراء الأوكرانية.

قد يصعب على واشنطن ابتلاع هذا الدواء لأنه سيعني تخفيف الضغط عن بوتين، لكن البديل سيكون أسوأ بالتأكيد.

ثلاثة أهداف أمريكية مهددة
رحب بعض المراقبين باحتمال الحرب المطولة لإضعاف روسيا وتقويض نظام بوتين. لكن الواقع أن بوتين أنزل ضرراً هائلاً بقوة ومكانة واقتصاد بلاده.

إن حرباً مطولة في أوكرانيا قد تدفع هذا التهميش إلى حدود قصوى وبسرعة كبيرة محولة روسيا إلى نسخة ضخمة من كوريا الشمالية الأمر الذي يهدد ثلاثة أهداف أمريكية طويلة المدى حسب الكاتب.

خروج عن السيطرة
أولاً، لواشنطن مصلحة في استقرار طويل المدى، وسلام مستدام في أوكرانيا بعد الحرب وعلى طول محيط روسيا لخفض احتمال اندلاع نزاع مماثل في المستقبل.

وإضافة إلى المساعدات الاقتصادية والإنسانية الهائلة لزرع الاستقرار في أوكرانيا، ستكون هناك حاجة لمشاورات مكملة مع جميع الأطراف المعنية مثل موسكو، وكييف، وجيران روسيا، والغرب. يجب أن تهدف هذه المحادثات إلى الموافقة على خريطة الطريق تخفف خطر حرب في المستقبل تشمل روسيا وجيرانها.

كشفت الحرب في أوكرنيا أن الصراع على النفوذ في المنطقة خرج عن السيطرة. وقد تتكرر هذه الحرب في بيلاروسيا مثلاً إذا سعى زعيمها إلى إبعاد نفسه عن روسيا، أو في جورجيا، إلا إذا تأسست هندسة أمنية لإدارة التنافس الجيوسياسي وتحفيز الحل السلمي للخلافات.

إن التوصل إلى ذلك الاتفاق لن يشمل تقرباً جديداً من روسيا، أو ينهي العلاقات المتوترة والعدوانية أحياناً. عوض ذلك، سيؤسس الحد الأدنى من الاستقرار بين الخصوم.

 كوريا شمالية أخرى
ثانياً، رغم ضرورة محاسبة واشنطن وحلفائها روسيا على هذه الحرب، سيكون من المهم تفادي تحويل تلك البلاد إلى دولة فاشلة اقتصادياً ومفسدة على الصعيد الدولي.

من المرجح أن تبقى بعض العقوبات على روسيا بسبب اعتدائها على أوكرانيا. لكن صدمة اقتصادية قاسية يمكن أن تزعزع استقرارها، وتعيدها إلى سيناريو التسعينات الكارثي عندما غرقت روسيا في الفوضى. حينها، استنتجت الولايات المتحدة أن روسيا ضعيفة غير قادرة على التحكم في أراضيها وترسانة نووية ضخمة ستفرض تهديداً خطيراً على الأمن القومي الأمريكي.

ومن شأن الفوضى في روسيا تدمير عدد من اقتصادات جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة التي تبقى معتمدة بشكل كبير على التحويلات المالية من موسكو، وروابط اقتصادية أخرى معها.

وحتى لو لم تتحول روسيا إلى دولة فاشلة اقتصادياً، يمكن أن تصبح فعلاً لاعباً مارقاً، مثلما فعلت قبل الحرب مثل ضمها القرم في  2014 والتدخل في انتخابات 2016 الرئاسية في أمريكا. وإذا اختفت المحفزات على الاعتدال ستصبح هذه النزعات هي القاعدة على الأرجح.

وإذا بدأت روسيا تتصرف مثل مفسد دولي كما تفعل كوريا الشمالية، فقد تسحب معها الكثير مما بقي من النظام الدولي متعدد الأطراف ومن ضمنه نظام الحد من الانتشار، ومجلس الأمن الدولي. و إذا فُصل الاقتصاد الروسي إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي، فلن يكون لدى موسكو أسباب كثيرة لضبط نفسها عن مهاجمة البنوك والشركات والمؤسسات المالية الغربية الأخرى بإمكاناتها السيبرانية الكبرى.

ثنائية قطبية جديدة؟

أخيراً، ورغم تسبب العدوان على أوكرانيا في ترك روسيا أكثر اعتماداً على الصين، بصرف النظر عما تفعله واشنطن اليوم، فإن للولايات المتحدة مصلحة طويلة الأجل في تفادي ثنائية قطبية جديدة.

إن روسيا معتمدة بشكل كامل على الصين، ومع نية صينية ضمان بقاء نظام بوتين، ستدفعان الدولتين إلى تحالف الأمر الواقع لمواجهة الولايات المتحدة. ستؤدي هذه النتيجة إلى مفاقمة تحديات واشنطن في تنافسها طويل المدى مع بكين، وفقاً لشاراب.

يجب على هذه المصالح الثلاث ألا توقف صناع القرار الأمريكيين عن دفع بوتين ونظامه الثمن، لكن عليها أن تدخل في حسابات صناعة القرار. إن سلاماً بعد تفاوض في الأسابيع المقبلة يسمح بتخفيف بعض العقوبات سيكون خطوة أولى ضرورية لحماية هذه المصالح.

تغيير النظام سيؤتي نتائج عكسية
يتفهم شاراب دعوة العديد من المحللين والسياسيين في واشنطن لإدارة بايدن لتبني تغيير النظام في روسيا.

لكن سياسة رسمية أو حتى ضمنية مماثلة، قد ترتد بشكل درامي على الولايات المتحدة، وحلفائها وأوكرانيا، والشعب الروسي. إذا كان الكرملين مقتنعاً بأن السياسة الأمريكية تهدف إلى تغيير النظام فمن المرجح أن يرد بقوة، ومن غير المحتمل أن يسقط بوتين دون قتال ضد الأعداء الداخليين والخارجيين.

وقد تميل واشنطن إلى التركيز حصرياً على معاقبة بوتين، ما قد يرتد عليها أيضاً. على المدى القريب، يمكن أن تؤدي التسوية إلى منع روسيا من تحقيق انتصار، وعلى المدى الطويل، تريد الولايات المتحدة الاستقرار والسلام في أوكرانيا وحولها وضمان دفع موسكو ثمن اعتدائها دون أن تجعلها دولة منبوذة.