الجمعة 4 أبريل 2014 / 20:53

تمسك بقلبك جيداً


اصنع ملاذك الآمن، والجأ إليه، كلما احتجت إلى الجمال، لتواجه القبح، تمسك بقلبك جيداً، حين تشتد بك وطأة الحياة المادية، ولا تسمح للموت السائد من حولك أن يكون الحاضر الوحيد في حياتك.

لا يهم أي ملاذ تختار، ولكنك بحاجة إلى تلك المسافة الفاصلة بينك وبين العالم، فأن تقاوم بطريقتك الخاصة، دمامة اللحظة التي تعيشها، وتفشي ثقافة الموت والقتل والدمار، هو تأكيد على انتصار الإنسان في أعماقك، وأن صوت الحب يعلو على صوت الدبابة، تأكيد على أن البشاعة لا يمكن أن تلغي حاجتنا إلى الجمال، في حياتنا، بل تزيدها.

قد يشكل الشعر ملاذاً للبعض، أو ربما الموسيقا، أو الرسم، أو حتى أحضان الطبيعة، وليس هذا هرباً، أو تعامي عن الحزن، وأوجاع الآخرين، ولكنها تلك العلاقة مع العالم، التي تساعدنا على الاتزان دون أن ننفصل عن الواقع، وما يجري حولنا من أحداث.

ورغم هذا فإن الواقع يخبرنا بأنه يتفوق بقسوته أحياناً، على كل الدروع التي يمكن أن نصنعها لأنفسنا، وأن مجرد الشعور بالعجز عن فعل أي شيء، للتغلب على الواقع يدفع لليأس. وعن هذه الفكرة، تقول الكتابة إليزابيث غيلبرت في سيرتها الذاتية "طعام صلاة حب"، على لسان أحد شخوص الرواية: إذا افترضنا أن العالم عجلة عظيمة تدور بسرعة، فإنك بحاجة للبقاء قريباً من المركز، وليس على الأطراف، حيث الدوران العنيف، وإلا أصبت بالجنون، فتوقف عن البحث عن الأجوبة في العالم، لأن محور السكينة هو القلب، وكلما عدت إلى قلبك ستجد السلام دائماً".

والسلام الذي تقصده الكاتبة لا يعني، التزام الحياد، والتنصل مما يحدث في العالم، ولكنه دعوة لعدم الاندماج بعجلة القبح، القادرة على طحن كل ما تبقى فينا من جمال، دعوة لكي نقاوم لغة العنف، بلغة القلب. وشعورنا بالضياع بالتساؤل وحده فقط، والبحث عن الحقيقة، حتى لو لم نحصل على أجوبة.

لدي صديق يحب الشعر، إلى درجة تشعرك بأنه هو القصيدة شخصياً، وبما يملكه من رهافة ودفء، قال لي يوم أمس بينما كنا نتحدث عن آلام السوريين، ومأساتهم المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، أنه يتصارع مع الحزن كل يوم، ويدعي بأنه متفائل وبخير، لكنه يتوازن بالشعر، ويتنفس من خلاله، وهو ما دفعه ليكتب على صفحته في "فيس بوك" نصاً يرد فيه على أشخاص يمطرونه بالاتهامات، بأنه يتناسى من حوله، حين يكتب عن الحياة والأمل.

بالنسبة لي، كان للموسيقا في طفولتي والمراهقة تأثير كبير في مجريات حياتي، ومازال مستمراً حتى الآن، فهي ملاذي الأكثر دفئاً وجمالاً، ودونها لم أكن لأصمد حتى الآن، أمام أحداث شديدة الإيلام سواء على المستوى الشخصي، أو حتى بالنسبة لمآس مشتركة، وبفضلها، استطعت أن أسامح كل ما يمكن أن أعتبره إساءة من الآخرين، بأن أصغي إلى الموسيقا الموجودة في أعماقي، وفي كل شيء من حولي، بأن أبحث عنها في تصرفات الناس وكلماتهم ومشاعرهم.

أشعر أحياناً بأن الحياة وهبتني حجر الحظ الخاص بي، أو التعويذة التي تحميني كلما أصابني مكروه، أو أظلمت الحياة في وجهي، وما علي كلما حزنت أو غضبت من العالم، سوى أن أصيخ السمع للموسيقا داخلي، كي أغفر، وأكتشف الجانب الجميل والمضيء في الناس والحياة، وأتغلب على فكرة الموت.

قرأت مرةً مقولة جميلة لمحمود درويش تقول: "هزمتك الفنون جميعها أيها الموت"، فهناك بالنسبة للشاعر من يجد ملاذه الشخصي في الفنون، ويتغلب بذلك على الموت، خاصةً إذا كان يمارس فناً ما، ويتمتع بمقدرة على الإبداع، وبالتالي فهو يخلد بإبداعه بعد الموت، وهناك من يجدون ملاذهم الآمن في الدين، بإيمانهم بأن هناك حياة أخرى بعد الموت. فأي الملاذات ستختار يا صديقي؟.

في كل الخيارات لا تنسى أن تتمسك بقلبك جيداً، كي ترى العالم بعيون المحبة والتسامح.