متسوقون في تركيا (أرشيف)
متسوقون في تركيا (أرشيف)
الثلاثاء 17 مايو 2022 / 13:58

أزمة ارتفاع أسعار الغذاء تضع الأسواق الناشئة بين المطرقة والسندان

كما هو حال الملايين في الدول النامية والأسواق الناشئة حول العالم، تحول شراء الأطعمة الأساسية من ضرورة إلى رفاهية للتركي سلجوق جيميتشي.

ويقول الرجل، 49 عاماً، الذي يعمل في ورشة تصليح سيارات في إسطنبول أكبر مدن تركيا ويعيش مع زوجته وطفليه في منزل والده، إن المنتجات الطازجة بعيدة المنال في الغالب عن أسرته التي تعيش على المعكرونة، والبرغل، والبقوليات.

وأضاف جيميتشي "كل شيء أصبح مكلفاً جداً، لا يمكننا شراء وأكل ما نريد، نشتري فقط ما يمكننا ، طفلاي لا يتغذيان بشكل صحيح".

وارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية على مدى عامين مدفوعة باضطرابات كورونا، وويلات الطقس، وجعلتها صدمات إمداد الحبوب والزيوت، تسجل رقماً قياسياً في فبراير(شباط) الماضي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومرة أخرى في مارس (آذار) الماضي.

وقفزت معدلات التضخم وزاد ارتفاع أسعار الطاقة الضغوط على تركيا أو الأرجنتين، مع تضخم سنوي يبلغ 70% وحوالي 60%، ومعدلات من رقم في خانة العشرات في بلدان مثل البرازيل، والمجر، ما يجعل التضخم في الولايات المتحدة، الذي بلغ 8.3%، يبدو متواضعاً بالمقارنة.

ويعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية من المواضيع الساخنة في الأسواق الناشئة، ما يزيد مخاطر اندلاع اضطرابات مدنية، ويضع صناع السياسات في مأزق بين التدخل بدعم مالي لتخفيف المعاناة عن السكان، أو الحفاظ على الموارد المالية الحكومية.

وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن الغذاء يمثل أكبر فئة في سلال التضخم، في اختيار السلع المستخدمة لحساب كلفة المعيشة، في العديد من الدول النامية ويمثل حوالي النصف في دول مثل الهند أو باكستان وفي المتوسط حوالي 40% في البلدان منخفضة الدخل.

وأصبح منتجو المواد الغذائية أكثر حذراً، فأعلنت الهند في مطلع الأسبوع حظر صادرات القمح بينما أوقفت إندونيسيا صادرات زيت النخيل للسيطرة على الأسعار المرتفعة في الداخل، في أواخر أبريل (نيسان) الماضي.

وقال مارسيلو كارفالو رئيس أبحاث الأسواق الناشئة العالمية في بنك بي إن بي باريبا إن "تضخم الغذاء قد يكون أطول أمداً، لأن الحرب في أوكرانيا لا تؤدي إلى تعطيل إمدادات الغذاء فحسب، لكن إمدادات الأسمدة أيضاً".

وأضاف "هذا موجود ليبقى، الغذاء واضح جداً، عندما يكون هناك تغيير في أسعار المواد الغذائية يبالغ في تصور التضخم الذي يغذي توقعات التضخم التي لا تُكبح بسهولة".

موازنة صعبة
أما عند أم إبراهيم، أرملة 60 عاماً، وبائعة متجولة تبيع الأوشحة أمام مسجد في حي مدينة نصر الذي تسكنه الطبقة الوسطى بالعاصمة المصرية القاهرة، فأصبح توفير الطعام لأطفالها الأربعة أكثر صعوبة.

وسألت قائلة وهي تضع سلعتها على قطعة قماش: "ارتفعت جميع الأسعار، الملابس والخضروات والدواجن والبيض، ماذا أفعل؟".

وشهدت مصر، أكبر مستورد قمح في العالم، ارتفاع التضخم إلى أكثر من 13% في أبريل(نيسان) الماضي، ومن المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماع هذا الأسبوع بعد أن خفضت قيمة العملة 14% في منتصف مارس (آذار) الماضي.

وعلى صانعي السياسات في الأسواق الناشئة، بعد أن رفعوا أسعار الفائدة بمئات النقاط الأساسية بشكل تراكمي منذ 2020 للحد من ضغوط الأسعار وضمان علاوة سندات فوق العوائد الأمريكية المتزايدة للمستثمرين، الموازنة بين ترويض التضخم، والحفاظ على النمو الهش في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة العالمية.

ويتوقع البنك الدولي نمو الاقتصادات الناشئة 4.6% فقط هذا العام، مقارنة مع توقعات سابقة بـ 6.3%.

وتقول بولينا كورديافكو، رئيسة ديون الأسواق الناشئة في بلو باي لإدارة الأصول، إن للحكومات ثلاثة خيارات، دعم أكبر للمستهلكين أو السماح للأسعار بالارتفاع ومواجهة التضخم، والاضطرابات الاجتماعية، أو اعتماد شيء ين الأمرين، وأضافت "لا توجد حلول سهلة".

واتخذت مجموعة من الدول تدابير مختلفة، فرفعت تركيا الحد الأدنى للأجور 50% في ديسمبر(كانون الأول) الماضي لمعالجة انهيار العملة، وارتفاع التضخم، وسترفع تشيلي الحد الأدنى للأجور هذا العام أيضاً.

وتبحث حكومة جنوب أفريقيا إذا كانت ستزيد منحة الإعانة الاجتماعية التي أطلقتها في 2020 وجعل هذا البرنامج دائماً.

ويخشى الاقتصاديون أن تواجه الاقتصادات الناشئة موجة جديدة من الاضطرابات بعد الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية، وقالت بياتا غافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن "شمال أفريقيا، حيث كان تضخم أسعار الغذاء أحد أسباب الثورات قبل نحو عقد، بدا معرضاً للخطر بشكل خاص".

وأضافت "المفارقة في هذه الحرب أنه بينما توقع الجميع أن تشهد روسيا أزمة، فإن دول شمال أفريقيا هي في الواقع الأقرب إلى مواجهة طوارئ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية".

ولكن من المتوقع أن تمتد الضغوط أكثر، وقالت شركة استشارات المخاطر فيريسك مابلكروفت في الأسبوع الماضي إن ثلاثة أرباع الدول التي يُتوقع أن تتعرضة لخطر مرتفع أو خطر شديد لاضطرابات أهلية بحلول الربع الرابع من 2022، دول متوسطة الدخل.

وقال كارفالو من بنك بي.إن.بي: "تخفيف ضغوط التضخم بالإنفاق سيأتي بتكلفة مالية قد تؤدي إلى مزيد من المتاعب لاحقاً"، وأضاف "في الأسواق الناشئة، تُغفر الخطايا المالية لكن لا تُنسى، على مدى العامين الماضيين، شعر الجميع وكأن لديهم شيكاً على بياض، جزئياً بسبب انخفاض أسعار الفائدة، والآن بعد أن بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع، أصبح الأمر أكثر صعوبة".