الأحد 26 يونيو 2022 / 10:39

العرب وعقدة النساء

مختار الدبابي- العرب اللندنية

تملأ مواقع التواصل الاجتماعي قصص وعبر وكلام أناس قدامى تعتبر الماضي هو المرجع المضيء كامل الأوصاف الذي علينا أن نتبع خطاه. والأمر لا يقف عند القصص والخوارق الدينية، بل يطول الشعر والأدب، وأخبار الرحالة، والمقامات.

مازال أنصار القصيدة القديمة يرون أنها المرجع، وأن قوتها واستمرارها في موسيقى البحور والقافية والروي.. إيقاع ثابت لا يمكن تغييره، حتى لو أن تلك البحور قد صيغت على وقع نفخات الكير، أو على وقع سنابك الخيول، أو خببها.

من الخاصة إلى العامة، ينظر الكثيرون إلى الشعر القديم كمرجع لا يمكن أن تملأه القصيدة الحديثة سواء حافظت على التفعيلة أو لعبت على الإيقاع موسيقيا أو بصريا.. يقولون إن ذلك ليس أكثر من حذلقات، وأن الأصيل يبقى أصيلا والطارئ لن يذكره أحد.

الالتفات إلى الماضي ليس مقصورا على السلفيين، الذين يرغبون في إسقاط نمط حياة أقوام غابرين على القرن الحادي والعشرين وتطويعها بالمشرط لتكون على القياس.. هو ظاهرة عامة تشكل وعيا عربيا واسعا يلجأ إلى الماضي، كما صدر أمه، حين تضيق عليه الحياة.

سينما الأبيض والأسود، تلفزيون الأبيض والأسود، المسرح القديم، الموسيقى الكلاسيكية..

في الحروب، في معارك كرة القدم، معارك الأيديولوجيا، معارك الأدباء..

نهرع جميعا إلى الماضي نضع فيه رؤوسنا، ونتغنى به، ونبرر به عجزنا عن التغيير.

والأخطر أننا نحول ذلك سيفا لقطع رقاب من يخرج عن ثقافتنا المسطورة، مثال ذلك تعاطي العامة والخاصة مع ذبح طالبة في جامعة المنصورة بمصر من قبل زميل لها.

مر أغلب الناس إلى تبرير الجريمة، حتى لو كانوا في ظاهر الكلام يدينونها، فالكثير من العامة، ومن رجال الدين ونجوم السوشيال ميديا حملوا البنت مسؤولية ذبحها لأنها جميلة ولأن لباسها "غير محتشم"، لم ينظروا إلى القتل في ذاته كجريمة، لم يستعيدوا موقف الدين من قتل النفس ومن القاتل..

اكتفى عامة الناس بترديد الأسطوانة المشروخة عن ضرورة تربية الأبناء وتتبع خطواتهم حتى في الجامعة، والتحذير من أن الدنيا تغيرت وأن الأخلاق ذهبت.

المشكلة ليست هنا، المشكلة أن الثقافة العامة تستبطن فكرة أن الخطأ مطلقا في النساء.. ولهذا يقتلن بدم بارد في أماكن عربية مختلفة تحت يافطة جرائم الشرف.

التعليم والتحديث والقوانين الجديدة لم تغير شيئا في الثقافة القديمة، مازالت الأمور تراوح مكانها، وكأننا ما نزال في ما قبل عصر النهضة، وأن العرب لم يشهدوا أي ثورات ولا انتقالا إلى الدولة الوطنية. لا شيء قادر على تخليصنا من عقدة كراهية النساء.