الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي.(أرشيف)
الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي.(أرشيف)
الأحد 26 يونيو 2022 / 11:15

غارديان: التخيير بين العدالة والسلام في أوكرانيا أمر خاطئ

وجد مؤسس جمعية إنتر مديايت المعنية بالمساعدة على إنهاء النزاعات المسلحة جوناثان باول أن الحديث عن معسكري العدالة والسلام في أوكرانيا هو تخيير خاطئ وقد يقوض من دون داع وحدة أوروبا.

إذا أراد الغرب أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة في أوروبا فسيتوجب عليه التركيز على إعداد الطاولة للنوع الصحيح من المفاوضات عوضاً عن الدخول في جدال غير ضروري عن حجم ما هو مستعد لتناوله على تلك الطاولة

 أظهر استطلاع رأي للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الرأي العام الأوروبي منقسم إلى معسكر سلام يريد إنهاء الحرب مهما كانت الكلفة (35%) ومعسكر عدالة أصغر حجماً (22%) يريد مواصلتها حتى الانتصار. لكن عند النظر إلى التفاصيل، يمكن العثور على ثلاث مجموعات حيث تعد المجموعة الثالثة التي تريد السلام والعدالة الأكبر بينها.

مواقف متطرفة
كتب باول في صحيفة "الغارديان" البريطانية أن الانقسام بين السلام والعدالة ينعكس في الجدل العام أيضاً. على الضفة الأولى من المشهد، هنالك هنري كيسنجر الذي دعا في منتدى دافوس أوكرانيا إلى التنازل عن بعض أراضيها من أجل ضمان وقف لإطلاق النار محذراً الغرب من إذلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بشكل غير مفاجئ، أثار الكلام رد فعل حاداً من أولئك الذين أشاروا عن حق إلى أن بوتين لا يظهر مؤشرات إلى جاهزيته للتفاوض بجدية. يرجح الكاتب أن يؤدي التذلل الوقائي إلى فقدان إمكانية تحقيق سلام دائم وإلى ترك بوتين في موقع يمكنه من قضم المزيد من الأراضي الأوكرانية حين يعيد تجميع قواته.

على الضفة المقابلة، تابع باول، ثمة داعمون متحمسون لأوكرانيا مثل آن أبلباوم وتيموثي سنايدر الذين يظنون أن كل عمليات التفاوض هي استرضاء وأنه يجب دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا حتى تحقيق الانتصار الكامل. لكنهم لا يحددون أبداً ما هو الانتصار. هل هو دفع روسيا إلى خطوط 23 فبراير (شباط)؟ أو إلى خارج جميع الأراضي الأوكرانية؟ هل ينبغي على أوكرانيا مواصلة القتال حتى يتم تعطيل القوات الروسية وإطاحة بوتين؟

لم يستخلص العبر
في هذا النقاش، يبدو أن الغرب لم يتعلم أي دروس من تاريخه. يوضح الكاتب أنه لا يمكن فرض الشروط على دولة إلا بعد غزوها واحتلالها كما فعل الحلفاء سنة 1945. بخلاف ذلك، يتعين حتى على "المنتصرين" أن يتفاوضوا كما فعلوا في فرساي سنة 1919. وبما أن لا أحد يقترح على أوكرانيا غزو روسيا، يبقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محقاً بالإبقاء على فكرة أن هذه الحرب ستنتهي عبر تسوية متفاوض عليها. ستظل روسيا موجودة كجار لأوكرانيا وستظل متمتعة بقوات مسلحة أكبر بكثير من القوات الأوكرانية. سوف يكون هنالك سلام مستدام فقط في حال عدم ترك روسيا معزولة ومتحينة للفرصة التالية من أجل الغزو.

المثل الكولومبي
يرى باول الذي كان كبير المفاوضين البريطانيين في قضية آيرلندا الشمالية أن هنالك دوماً صراعاً بين السلام والعدالة حين يحاول المرء حل نزاع. لو أخبر الرئيس الكولومبي سانتوس كالديرون قادة منظمة فارك سنة 2012 أنه يريد السلام لكن سيتحتم عليهم الذهاب إلى السجن لثلاثين عاماً، من المنصف الرهان على أنهم لم يكونوا ليعيروا التفاوض أي اهتمام. وبالمثل، لو تم تقديم عفو شامل بعد خمسين عاماً من الحرب، لكن ذلك أمراً خاطئاً مع ترك الضحايا غير راضين عن التسوية.

عوضاً عن ذلك، أسس سانتوس نظام عدالة انتقالية لتحقيق التوازن بين السلام والعدالة ولإعطاء الضحايا السابقين الخاتمة التي يستحقونها مع التأكد من عدم سقوط ضحايا جدد في المستقبل. سيتعين وجود توازن مماثل بين السلام والعدالة في أوكرانيا.

يؤكد باول أن الأوكرانيين وحدهم يملكون الحق في تحديد متى يقدمون على التفاوض وأي تنازل يرغبون بتقديمه. يجب ألا يخضعوا للضغط مجدداً كي يوقعوا على اتفاق سلام لا يمكنهم تحقيقه كما حدث في مينسك سنة 2014، كما يجب عدم الضغط عليهم ليخوضوا حرباً بلا نهاية.

فخ
بوتين ليس جاهزاً لمفاوضات جدية. لكنه قد يصبح كذلك بناء على حساباته بعد معركة دونباس، لذلك على الغرب أن يكون مستعداً. قد يعلن بوتين وقفاً لإطلاق النار كما فعل في 2014 متمسكاً بالأراضي التي سيطر عليها. سيترك هذا الأمر أوكرانيا وسط نزاع مجمد آخر قد يستغله بوتين لمنع أوكرانيا من الانطلاق نحو مستقبل أوروبي. سيكون وقف لإطلاق النار كهذا فخاً وفقاً للكاتب. قد تحتاج أوكرانيا إلى الإصرار على القتال والحوار في الوقت نفسه لضمان اتفاق مرض. ويجب أن يدعمها حلفاؤها في تلك المفاوضات بما أنهم يملكون مفاتيح العقوبات والضمانات الأمنية لمنع روسيا من الاجتياح مجدداً.

ما تستطيع أوروبا فعله
يشير باول إلى أن أعظم ضمانة لمستقبل أوكرانيا الآمن يكمن بين أيدي أوروبا. إن منح وضعية المرشح لأوكرانيا مع مسار واضح نحو العضوية، حتى ولو كان مطولاً، سيصعب على روسيا غزوها مجدداً بشكل كبير. وسيعطي هذا الأمر حكومة أوكرانيا الرافعات والحوافز التي تحتاج إليها لإصلاح نظام لا يزال يهيمن عليه الإرث السوفياتي الفاسد من الأوليغارشيين والكلبتوقراطيين.

لا مفر من علاقة بين روسيا والناتو

يحتاج الغرب إلى أجندة تفاوض جديدة يقتضي إدخال التوازن عليها عبر مراعاة الأولويات الأوكرانية: العدالة للجرائم المرتكبة وإعادة بناء الدولة والاعتراف بوحدة الأراضي الأوكرانية. وقضية الأراضي هي لعبة ذات محصلة صفرية. ستبرز الحاجة إلى زيادة حجم الكعكة من أجل إيجاد طرق تسمح بالمقايضات. سيتطلب ذلك تفاوضاً أوسع حول مستقبل الأمن الأوروبي بما يشمل اتفاقاً حول قوات تقليدية جديدة وعلاقة جديدة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.

حسب باول، إذا أراد الغرب أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة في أوروبا فسيتوجب عليه التركيز على إعداد الطاولة للنوع الصحيح من المفاوضات عوضاً عن الدخول في جدال غير ضروري عن حجم ما هو مستعد لتناوله على تلك الطاولة.