الخميس 30 يونيو 2022 / 12:59

نيويورك تايمز: على أوروبا نزع "ضمادة" الأمن الأمريكية

قالت الباحثة في أتلانتيك كاونسيل إيما أشفورد، إن استمرار اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة لحل مشاكلها الأمنية غير قابل للاستدامة. ولفتت في "نيويورك تايمز" إلى أن هذا الاعتماد غير جديد بما أن أمريكا ضمنت منذ نهاية الحرب الباردة أن تكون أوروبا تحت مظلتها العسكرية حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

طالما أن القوات والمعدات الأمريكية موجودة في القارة، يمكن للدول الأوروبية الحصول على كعكتها، وتناولها أيضاً.

يمكن لهذا النهج أن ينقذ القادة الأوروبيين من خيارات سياسية صعبة في المدى المنظور، لكنه يظل في نهاية المطاف، اقتراحاً فاشلاً. إن أمريكا المنغمسة في مشاكل داخلية، وتركز على التحدي الصيني أكثر من أي وقت مضى ولا يمكنها أن تظل مشرفة على الاتحاد الأوروبي إلى الأبد، على أوروبا أن تهتم بنفسها في مواجهة روسيا العدوانية.

انتقادات مناسبة؟

قد تبدو هذه الانتقادات غير بديهية. فقد خطت أوروبا خطوات كبيرة على مستوى الدفاع في الأشهر الماضية، خاصة في ألمانيا حيث تعهدت الحكومة بإنفاق نحو 106 مليارات دولار على الدفاع في السنوات القليلة المقبلة، في تغيير كبير إلى درجة أن الصحافة الألمانية تبنت وصف المستشار أولاف شولتس له بنقطة تحول.

وتعهدت دول أخرى مثل إيطاليا، ورومانيا، والنرويج بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير. يوجه هذا التحول ضربة إلى الشكوى العامة من الدول الأوروبية الجبانة والبائسة، ومن الركاب المجانيين الذين يعتمدون على السخاء الأمريكي للحماية.

أكثر استعصاء على الحل

مع ذلك، إذا كانت الدول الأوروبية تخفف مشكلة التجول المجاني فإن لديها أمراً ربما أكثر استعصاء على الحل، مشكلة التحرك الجماعي.

إن المصالح والميول الفردية للدول السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي تصعب صياغة مسار مشترك للعمل. هذا صحيح في العديد من القضايا، من بينها الإصلاح الاقتصادي ودور القضاء، لكنه حاد بشكل خاص حين يتعلق الأمر بالسياسة العسكرية والدفاعية.

ينطبق ذلك على ناتو الذي يضم دولاً أوروبية باستثناء ستة من أعضائه، وعلى السياسة الدفاعية والأمنية للاتحاد الأوروبي.

وبالفعل، يدور أحد الخلافات الأساسية حول خطر تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية على ناتو بدل تقويته. تبقى العلاقة الدقيقة بين الجانبين سؤالاً مطروحاً.

أولويات مختلفة
بشكل أعمق ثمة اختلافات كبيرة في تصور التهديدات وتحديد الأولويات. فالدول الأوروبية الوسطى والشرقية الأقرب إلى روسيا، تراها التهديد الأكبر. من مسافة أبعد، تبرز مشاكل أخرى على نطاق أوسع. تقلق ألمانيا ودول أوروبا الشمالية من الإرهاب، وتركز فرنسا على التطرف والاضطرابات في المستعمرات الإفريقية السابقة مثل مالي. ومن جهتهما تنشغل اليونان وإيطاليا بسياسة الهجرة، والأمن في البحر الأبيض المتوسط.

معاناة أوروبية
قد يظن المرء أن صدمة جيوسياسية كبيرة مثل الحرب في أوكرانيا ستسمح بلحظة للنظر في هذه القضايا الصعبة والتوصل إلى تنازلات تفسح المجال أمام التقدم.

في الأسابيع الأولى من الحرب، محي العديد من هذه الانقسامات بعد الصدمة والرعب بعد اتحاد الدول بشكل كبير في ردها على الحرب. لكن بعد مرور أشهر، عادت هذه الانقسامات الظهور بطرق جديدة.

تتحدث بعض الدول وتحديداً فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا عن أساليب لتسوية سلام في أوكرانيا حتى ولو كانت تواصل إرسال الأسلحة والأموال. لكن استطلاع الرأي في بولونيا، يظهر أنها لن تؤيد السلام قبل معاقبة روسيا بالشكل المناسب. 

انزلاق إلى العادة القديمة

أشارت أشفورد إلى أنه منذ فبراير (شباط) عادت العلاقة العابرة للأطلسي للانزلاق إلى الوضع المريح، توفر الولايات المتحدة عدداً كبيراً من العسكريين والأسلحة عالية التقنية ما يحول دون حاجة دول أطلسية أخرى إلى تخصيص موارد كبرى أو اتخاذ خيارات صعبة في الدفاع المشترك.

سياسياً، يطمئن الحضور الأمريكي أعضاء الناتو في أوروبا الشرقية الذين أدركوا بشكل مؤلم أن دول أوروبا الغربية غير راغبة في موقف متشدد من روسيا. ويسمح هذا الحضور لألمانيا بقيادة أوروبا دون تحمل كلفة عسكرية أو مالية عظيمة. لم تختفِ الخلافات الكامنة. لكن طالما أن القوات والمعدات الأمريكية موجودة في القارة، يمكن للدول الأوروبية الحصول على كعكتها، وتناولها أيضاً.

لا يمكن نسيانها بسهولة
ترى الكاتبة أن رفض القادة الأوروبيين الانخراط في صراعات سياسية قاسية في  ظرف صعب أمر مفهوم. لكنها تدعوهم إلى تجنب نسيان سنوات ترامب بسهولة. إن التزام أمريكا بالدفاع عن أوروبا تحت إشراف الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يبدو آمناً اليوم. لكن مع تزايد التهديدات في آسيا، والفوضى في سياسات أمريكا الداخلية، يصبح تغير هذا الالتزام مسألة وقت. إذا عاد ترامب إلى الرئاسة في 2024، فقد ينفذ تهديداته بالانسحاب من ناتو.

ويشكك حتى بعض مواطنيه الأقل تطرفاً في دور أمريكا في الدفاع عن أوروبا. في مايو (أيار) الماضي، صوت 11 سيناتوراً جمهورياً ضد إرسال المزيد من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.

وهناك أيضاً الإجماع في واشنطن على الحاجة المتنامية للولايات المتحدة في منطقة الإندو-باسيفيك للتعامل مع التهديد الصيني.

وحتى في أفضل السيناريوهات، فإن إدارة أمريكية تظل ملتزمة بأوروبا ستخاطر بالاضطرار إلى الانسحاب سريعاً من هناك تاركة الدول الأوروبية يائسة.

انزعوا الضمادة
أضافت أشفورد أن دعم أمريكا لأمن أوروبا يشبه ضمادة تغطي أكبر الاختلافات الأوروبية على الدفاع. وليكونوا فعلاً متحدين، على القادة الأوروبيين البدء بالعمل الصعب لحل خلافاتهم، ونزع هذه الضمادة.