تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأربعاء 6 يوليو 2022 / 13:54

أتلانتيك: الناتو أصبح أكثر ترامبية

إذا عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة سنة 2025 فسيجد عالماً مختلفاً بشكل فاقع عن ذاك الذي حاول بناءه حين كان رئيساً. هذا هو استنتاج الكاتب السياسي توم ماكتاغ الذي فصله في مجلة "ذي اتلانتيك" الأمريكية.

لا يؤمن ترامب فعلاً بنظام غربي تقوده الولايات المتحدة وهو مقتنع بأن هذا النظام يفرض الكثير من الأعباء على الولايات المتحدة والتي لا تحتاجها أمريكا أو تستفيد منها

جميع الآمال بتطبيع العلاقات مع روسيا تدمرت بفعل غزو أوكرانيا، الصين أقوى من أي وقت مضى، إيران قريبة من حيازة أسلحة نووية، وكيم جونغ أون لا يزال يتصرف مثل كيم جونغ أون. لكن بمعنى ضيق ومع ذلك أكثر أهمية، أصبح العالم أكثر ترامبية منذ غادر الرئاسة.

لحظة مهمة
إن الناتو الذي اجتمع في مدريد الأسبوع الماضي للموافقة على استراتيجية جديدة للدفاع عن الغرب بدأ يشبه المنظمة التي لطالما أرادها ترامب وجناحه في الحزب الجمهوري. تنفق دول أوروبا الأطلسية المزيد على دفاعها والناتو يميل أكثر نحو أوروبا الشرقية في آفاقه وتموضعه وهو ركز للمرة الأولى بشكل علني على تنافس القوى العظمى الذي تخوضه الولايات المتحدة مع الصين.

ليس ترامب المسؤول الرئيسي عن هذه التغيرات، إذ بإمكانه شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عليها، لكنها مع ذلك تؤشر إلى لحظة مهمة للغرب بما أن أوروبا تتحرك للاصطفاف أكثر إلى جانب الهواجس السياسية الداخلية في الولايات المتحدة.

اضطرت ألمانيا إلى التخلي عن تحفظها الطويل الأمد تجاه زيادة إنفاقها الدفاعي وعن مشروع نورد ستريم 2 التي خططت له طويلاً مع روسيا. وفرنسا التي سعت إلى دور أعظم للاتحاد الأوروبي عوضاً عن الحلف الأطلسي تواجه اليوم قارة تريد المزيد من الناتو.

وثمة أيضاً إعادة ترتيب للأولويات داخل مجموعة السبع، وهي منظمة أخرى يبدو أن ترامب يكرهها وقد حولها الغزو الروسي لأوكرانيا إلى هيئة تخدم المصلحة الأمريكية. بشكل ملحوظ، رفض الرئيس جو بايدن عن وعي إعطاء الرئيس الأسبق باراك أوباما الأولوية لمجموعة العشرين التي ضمت دولاً مثل الهند وإندونيسيا لكن أيضاً روسيا والصين.

عزاء

إذا استعاد ترامب السلطة فسيكون لديه نقاط أقل بكثير ليشتكي منها بالمقارنة مع تلك التي كانت موجودة خلال رئاسته الأولى حين كانت أوروبا تفشل بشكل واضح في تقاسم أعبائها الدفاعية مع الولايات المتحدة بالتوازي مع إبرام اتفاقات تجارية وطاقوية مستقلة مع الصين وروسيا. حينها، كان مشروعاً أن يتساءل ترامب عما إذا كانت أوروبا تستغل الولايات المتحدة لخوض رحلة. مع دعم الحزبين للمساعدات الأمريكية العسكرية لأوكرانيا وعقوباتها الاقتصادية على روسيا، وجد كثر العزاء في أن الناتو والدعم الذي يحظى به يزدادان قوة أكثر من أي وقت مضى. لكن مع ترامب، ثمة دوماً "ومع ذلك".

حبة سُم
تبقى دوماً شكوى أمريكية واضحة ومتنامية ومشروعة من أوروبا ومن شبه المؤكد أن يرفعها ترامب إذا عاد إلى البيت الأبيض. بقيادة فرنسا، تقيم أوروبا حواجز للدفاع عن صناعتها الدفاعية. تم تبني قواعد جديدة تعني أنه بمجرد قبول أي شركة دفاعية أوروبية بيورو واحد من الاتحاد الأوروبي، ستصبح الشراكة مع شركات غير أوروبية شبه مستحيلة بفعل القيود الصارمة على الملكية الفكرية، وهذا يشكل نوعاً من حبة سم.

قال مسؤول أطلسي بارز للكاتب نفسه إن ترامب كان قد لاحظ هذا النوع من الحمائية في نهاية ولايته الأولى. لكن تلك الحمائية خطت خطوات عدة إلى الأمام منذ ذلك الحين. الفكرة خلف هذه القواعد هي بناء صناعة عسكرية خاصة بأوروبا كي تتمكن من الدفاع عن نفسها بشكل أفضل وهو نوع من أنواع تقاسم الأعباء. بطريقة من الطرق، سيكون هذا جيداً لجماعية الغرب. لكن هذه الخطة تسلط الضوء على مشكلة أكبر: لماذا على الولايات المتحدة أن تدفع لقاء الدفاع عن أوروبا إذا كانت أوروبا تبني العوائق أمام الشركات الدفاعية الأمريكية؟ يقول مسؤول أوروبي لماكتاغ: "لا بأس من وضع حواجز حول الغرب. وضعها داخل الغرب ليس كذلك".

أكثر ضحالة وأهمية في آن
"ومع ذلك" الثانية هي أكثر ضحالة لكن أكثر أهمية: ترامب نفسه. من الساذج التفكير بأن مشاكله مع أوروبا ستحل وأنه بمجرد أن تستجيب أوروبا لانتقاداته سيكون كل شيء على خير ما يرام. قضايا ترامب مع أوروبا غريزية عوضاً عن أن تكون محددة. حين يكون لديه خلافات في السياسة فهي بالتأكيد مجرد تعبير عن ذهنية "أمريكا أولاً" ورفض فلسفي أعمق لحلفاء بلاده الغربيين.

في الصميم، لا يؤمن ترامب فعلاً بنظام غربي تقوده الولايات المتحدة وهو مقتنع بأن هذا النظام يفرض الكثير من الأعباء على الولايات المتحدة والتي لا تحتاجها أمريكا أو تستفيد منها. تقول المستشارة السابقة لترامب فيونا هيل للكاتب إن ما يريده ترامب هو أوروبا مفتوحة بالكامل على الصناعة الدفاعية الأمريكية وألا تكون أمريكا نفسها مفتوحة أمام أوروبا بالمقابل.

ذعر كئيب
اعترف المسؤول الأطلسي بأن الأوروبيين في حالة ذعر كئيب من احتمال فوز ترامب بولاية ثانية والعديد من هؤلاء باتوا يرون هذا الحدث حتمياً. إذا شكلت ولايته والوجهة السياسية التي ارتسمت منذ مغادرته منصبه أي دليل فلا داعي للقلق الميلودرامي في أوروبا. الناتو لم ينهر وازداد الحضور الأمريكي في أوروبا. تودداته وتهديداته وإهاناته خلقت شعوراً بالإلحاح بين القادة الأوروبيين أجبرهم على الاستجابة لمخاوفه. لكن أوروبا لم تغير مسارها استراتيجياً. واصلت ألمانيا وفرنسا الضغط لإقامة علاقات مع روسيا والصين وتحقيق استقلالية ذاتية أكبر عن أمريكا.

أقل إزعاجاً
لم يرَ ماكتاغ مسوغاً للاعتقاد بأنه لمجرد أن أصبح معظم الغرب أقرب إلى ذوق ترامب سيتوقف الأخير عن أن يتوق للجلوس مثل تلك الشخصيات العظيمة في قاعات مع بوتين وشي جينبينغ وهم يقررون الأمور بمفردهم بعيداً من حلفاء أمريكا المزعجين. بالنسبة إلى ترامب، ختم الكاتب، يمكن أوروبا أن تصبح أقل إزعاجاً، لكن الغرب ليس العالم الذي يريد قيادته.