المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.(أرشيف)
المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.(أرشيف)
الخميس 7 يوليو 2022 / 09:41

مع اتفاق أو بدونه.. أمريكا بحاجة لردع إيران

رأى المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دنيس روس أن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى استراتيجية أفضل لردع إيران إذا فشل الطرفان في إعادة إحياء الاتفاق النووي أو إذا بدأ الإيرانيون يصعدون برنامجهم النووي كجزء من استراتيجيتهم التفاوضية. لكن حتى ولو توصل الطرفان إلى اتفاق، ستحتاج إدارة بايدن إلى تحسين ردعها.

كلما فهم القادة الإيرانيون أنهم سيخسرون ازداد احتمال سعيهم إلى بديل ديبلوماسي

بمجرد رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق، لن تكون إيران بحاجة إلى اتفاق مكمل "أطول وأقوى" كما روجت له الإدارة سابقاً. علاوة على ذلك، ستنتهي صلاحية بنود أساسية في الاتفاق سنة 2030 تاركة إيران بلا قيود على حجم بنيتها التحتية النووية وعلى عدد أو نوعية أجهزة الطرد المركزي أو مستوى التخصيب. كما أن إعادة إحياء الاتفاق ستعطي إيران المزيد من الموارد لتغرق ميليشياتها الوكيلة في المنطقة بالأسلحة.

الإطار العام
كتب روس في مجلة "فورين أفيرز" أنه لتعزيز الردع الأمريكي على المدى الطويل، يجب أن تعلن واشنطن بوضوح ما الذي ستخسره إيران إذا واصلت مسارها الحالي وما الذي ستكسبه في حال تراجعت عنه. الهدف هو إعادة زرع الخوف في إيران من تحرك عسكري أمريكي من دون حشر البلاد في زاوية منقطعة عن أي مخرج ديبلوماسي.

من جهة، على قادة إيران إدراك أنه مع مسارعتهم في المضي قدماً ببرنامجهم، يخاطرون بخسارة كامل بنيتهم التحتية التي استغرق تطويرها عقوداً عدة. من جهة ثانية، يجب عليهم فهم أنه سيتم إلغاء نظام العقوبات بتأثيره المخيف على التعامل التجاري مع إيران، إذا تخلوا عن خيار الأسلحة النووية وتوقفوا عن ممارسة الإكراه بحق جيرانهم.

الجدية

دعا روس إلى عدم ترك أي مجال للشك بجدية الولايات المتحدة. لم تنجح إدارة ترامب بتطوير استراتيجية ردع فعالة ولا الإدارة الحالية. لقد قبل بايدن بطلب إيران خوض مفاوضات غير مباشرة وسمح للصين بشراء النفط الإيراني من دون فرض عقوبات عليها ورفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب. عوضاً عن تليين سلوكها تبدو إيران أكثر تجرؤاً. خلال رئاستي أوباما وترامب، كان تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% يعد استفزازياً. لا تخصب إيران اليورانيوم الآن إلى 20% من دون تداعيات وحسب بل أوصلت تخصيبها إلى 60% مما يعني أنها لا تخشى رداً أمريكياً قوياً. وهي كانت محقة إلى الآن.

لإسقاط البيانات المستهلكة
من أجل ردع إيران عن تعزيز برنامجها النووي والسعي إلى سياسات إقليمية مدمرة، ستحتاج واشنطن إلى استراتيجية مدمجة تستند إلى أدوات سياسية وديبلوماسية واقتصادية واستخبارية وسيبيرانية وعسكرية. وستحتاج إلى توضيح موقفها لا في الجلسات الخاصة وحسب بل أيضاً في العلن. يجب على واشنطن إخطار إيران بأنها سترد بجميع الأساليب المناسبة إذا اكتشفت تحركاً إيرانياً نحو سلاح نووي. عوضاً عن قول إن جميع الخيارات على الطاولة، وهو بيان شائع إلى درجة أن لا أحد يتعامل معه بجدية، يجب على إدارة بايدن القول إنه إذا تحركت إيران نحو السلاح النووي فستخسر كامل بنيتها التحتية النووية. وقبل الإعلان عن التغيير في الموقف الأمريكي، يجب أن تشرح الإدارة للحلفاء أسبابها المنطقية وأن تحشد دعمهم.

أهمية العزلة
يفهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقادة آخرون في إيران أن أمريكا قادرة على زيادة الأكلاف على طهران بشكل أفضل إذا عملت مع حلفائها. إضافة إلى ذلك، من المهم إبقاء إيران في عزلة سياسية لأن القادة الإيرانيين يرون أن بلادهم لا تشبه كوريا الشمالية ويعتبرون أنفسهم ورثة حضارة عظيمة لا مملكة معزولة. بما أن المسؤولين الإيرانيين يشكون في أن الولايات المتحدة ستستخدم القوة لمنعهم من تطوير برنامجهم النووي، ستحتاج الإدارة إلى اتخاذ عدد من الخطوات لجعل إعلانها ذا صدقية.

ما ينبغي أن تفعله.. وألا تفعله
يجب على واشنطن إصدار تعليمات إلى القيادة المركزية لخوض تدريبات بمفردها وبالاشتراك مع حلفائها في الشرق الأوسط استعداداً لشن هجمات جو-أرض على أهداف محصنة. ثانياً، ينبغي أن تجري تدريبات لإعادة تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود وهو أمر سيكون ضرورياً في أي هجوم إسرائيلي على إيران. لكن ما يجب ألا تفعله هو ما قامت به في مايو (أيار) الماضي: إنكار أنها أعادت تغذية مقاتلات إسرائيلية بالوقود خلال تدريب مشترك يحاكي هجمات جو-أرض بعيدة المدى. تحتاج واشنطن إلى إثارة المخاوف الإيرانية من هجوم لا إعطاء قادة طهران أسباباً للشك بأنها قد تتحرك في يوم من الأيام ضدهم.

مساعدة إسرائيل
أضاف روس أن على واشنطن توفير مساعدة عسكرية إضافية إلى إسرائيل. تحتاج الأخيرة إلى إمكانات أفضل لإعادة التزود بالوقود لتهديد البنية التحتية الإيرانية المحصنة بشكل فعال. بالتالي، على إدارة بايدن تسريع تسليم طائرة كاي سي-46 للشحن ولإعادة التزويد بالوقود والتي وافقت على بيعها لإسرائيل، لكن ليس قبل 2024 على أقرب تقدير.

إن الموافقة على تقريب الجدول الزمني، ربما خلال زياة بايدن إسرائيل في 13 و 14 يوليو الحالي، ستشير للإيرانيين إلى أن الولايات المتحدة جاهزة لتمكين خيار عسكري إسرائيلي إذا اقتضى الأمر. عوضاً عن ذلك، بإمكانها توجيه رسالة مماثلة أيضاً عبر توفير الذخيرة النافذة الضخمة (موب) وهي ذخيرة ضخمة تخرق الجبال ووزنها نحو 14 طناً وتأجيرهم قاذفة بي-2 لنقلها. تفتقر إسرائيل الآن للقدرة على تدمير منشأة فوردو المبنية داخل جبل لكن موب وقاذفة بي-2 ستغيران ذلك وتؤكدان أن واشنطن مستعدة لدعم غارات إسرائيلية عند الضرورة.

هي تعني ما تقول
يوضح روس أنه لا يقترح طلب أمريكا من إسرائيل التحرك عوضاً عنها. إنها مجرد إشارة إلى أن واشنطن ستتحرك بمفردها أو مع الآخرين لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية إذا بدأت إيران بتصنيع قنبلة نووية. يجب على القادة الإيرانيين أن ينظروا إلى أي خطوة كهذه على أنها خطرة بالنسبة إليهم. ينبغي عليهم أن يدركوا أن الولايات المتحدة تعني ما تقول وهي تعد الأرضية للتحرك العسكري إذا جعلت إيران من النتيجة الديبلماسية أمراً مستحيلة.

كيفية مواجهة سلوكها التخريبي
لا يمكن لواشنطن التركيز فقط على برنامج إيران النووي وفقاً لروس. يجب أيضاً أن تتمتع باستراتيجية لمواجهة سلوك طهران الإقليمي المزعزع للاستقرار ومنع الأسلحة الإيرانية من الوصول إلى الوكلاء وتعزيز دفاعات حلفاء واشنطن في المنطقة خصوصاً ضد الدرونز وصواريخ كروز والصواريخ البالستية. لهذه الغاية، بإمكان القيادة المركزية الأمريكية دمج دفاعات حلفائها على مستوى أنظمة الإنذار المبكر والطائرات بلا طيار والصواريخ الدفاعية، علماً أن هذا الأمر يفترض قبول شركاء واشنطن.

في وقت يبدو فيه أصدقاء شرق أوسطيون كثر لأمريكا قلقين من أن واشنطن تنسحب من المنطقة، يشكل الدفاع المدمج طريقة لطمأنتهم بأن واشنطن راسخة فيها. للدفاع المدمج مزية تقاسم الأعباء الدفاعية وكذلك تعزيز قيمة الأصول الموجودة لدى كل دولة على حدة في المنطقة. لن تحتاج الولايات المتحدة إلى توفير المزيد من الصواريخ الدفاعية لشركائها إذا أمكن استخدام الصواريخ التي سلمتها واشنطن في السابق بشكل فعال. ففاعلية هذه الأسلحة بشكل مدمج هي أعظم من عملها بشكل فردي. وأشاد روس بالإدارة الحالية لأنها تعمل على تطوير الهندسة الأمنية للدفاع الجوي والصاروخي المدمج في الشرق الأوسط.

حان الوقت لاستنساخ التجربة
على الولايات المتحدة الاستعداد للرد بقوة أكبر على هجمات وكلاء إيران ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا. لقد تعرضت هذه القواعد للاستهداف أكثر من 40 مرة ولم ترد واشنطن عليها إلا في مرتين. يجب أن تكون ردود واشنطن غير متوقعة وتبين للقادة الإيرانيين أنه على عكس افتراضاتهم، تتمتع الولايات المتحدة بإرادة استخدام القوة ضدهم. ربما حان وقت العمل بإحدى صفحات الدليل الإسرائيلي: ضرب أهداف إيرانية، لا الوكلاء، تحت جنح الظلام وعدم تبني ذلك. ويضيف روس أنه ينبغي على أمريكا عدم وضع إيران في موقع حيث يتوجب عليها إما الرد أو فقدان ماء الوجه، لكن ينبغي عليها توضيح أنها لن تتسامح مع هذه الهجمات بعد اليوم.

مفارقة
كلما فهم القادة الإيرانيون أنهم سيخسرون ازداد احتمال سعيهم إلى بديل ديبلوماسي. بالمقابل، سيكون على واشنطن توضيح ما الذي ستكسبه إيران من هكذا بديل. قد يكون ذلك تخفيفاً أكبر للعقوبات إذا وافقت إيرن على اتفاق أطول وأقوى. إن اتفاق المزيد مقابل المزيد قد يكون ممكناً لكن فقط إذا كان القادة الإيرانيون خائفين حقاً مما قد يخسرونه بدونه. للمفارقة، تابع روس، يبدو أن إعادة إدخال الخشية إلى قلوب الإيرانيين من الولايات المتحدة قد تكون السبيل الوحيد لتفادي الحرب والحد من التهديدات الإيرانية في المنطقة وإطلاق نتيجة ديبلوماسية مقبولة حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني.